لا جرم أن الآثام وهي المعاصي تشكل عوامل وأسباب تدمير داخلي للأمم؛ إذ تولّد الأحقاد والبغضاء والأضرار الاجتماعية، وتشيع ثقافة الكذب والزور، وتفقد الثقة بين الناس، وتتفكك على أثر ذلك الروابط الاجتماعية والعلاقات الشخصية بينهم، ويصبح الفجور ظاهرة اجتماعية، وتقوى تبعا له الغرائز والشهوات المحرمة، لاسيما الميسر والخمر الذي يزول به العقل، وهو أعز ما يملك الإنسان، ويتعمد الناس الظلم، ويسارعون إلى الكفر. وينتشر الحرام، حيث يصبح المجرمون والمنحرفون أكثرية يعلنون إجرامهم ويتظاهرون بفسقهم، ولا يأبهون لأوامر الله تعالى ويتركونها.
علما بأن هذه الصفات ما كانت في أمة إلا وحل بديارها الخراب، وانهارت مقوماتها الحضارية، فتصاب بالانهيار الداخلي، وتذهب قوتها وعزتها، وتذوب في غيرها، وتنمحي شخصيتها العقدية والمعنوية في الأمم والدول الأخرى.
فبعض الحضارات القديمة والحديثة لم يأفل نجمها ويندثر كيانها الاجتماعي بالكلية، وإنما ضعفت وتراجعت عن مكانة الصدارة، وغاب تأثيرها من على مسرح الأحداث العالمية، حيث استوعبتها حضارات أخرى تسلمت علم الريادة في العالم، فأصبحت تلك الحضارات محكومة بعد أن كانت حاكمة، وتابعة بعد أن كانت متبوعة، لشؤم الآثام وعاقبتها الوخيمة.
فالمتنكبون عن صراط الله تعالى، المنحرفون عن منهجه، الذين ألفت أنفسهم اقتراف المعاصي، سيجدون العذاب والشقاء ينتظرهم، عذابا يأتيهم من بين أيديهم ومن خلفهم، ينصب عليهم من فوق، ويتفجر من أعماقهم، يزلزل عليهم وجودهم، ويسقط مؤسساتهم، ويمرغ حضاراتهم في التراب، عذابا يوجه سياطه تارة إلى النفس وأخرى إلى الجسد، وهو مصير لابد من تحققه من جراء العصيان الذي يؤول إلى الشقاء [1].