كان أول ذكر لرحلة الحج عبر ” قوس عيزاب ” للرحالة المعروف ابن جبير، الذي مرَّ بالإسكندرية وشاهد الأسرى الصليبيين الذين تمَّ أسرهم بالبحر الأحمر؛ والذين كانوا يعتدون على أفراد قافلة الحج، كما ذكر أن القافلة كانت تتجه بعد ذلك إلى طريق ” قوس عيزاب ” عبر النيل ثم من قوس إلى عيزاب نفسها عبر الطريق البحري، ثم من عيزاب إلى جدة عبر الطريق البحري، وكان قد عانى في هذه الرحلة الكثير حتى أنه تمنى أن يعود من الحج عبر الطريق الممهدة السهلة عبر ” آيلة ” شبه جزيرة سيناء، والذي تحقق بعد ذلك عندما استطاع صلاح الدين الأيوبي –رحمه الله – أن يقضي على الخطر الصليبي ــ عام 583هـ/ 1187 م ــ واستعادة بيت المقدس، ومن يومها استطاع الناس استخدام طريق الحج البري عبر سيناء حيث تمر قافلة الحج الآتية من بلاد أفريقيا، إلى أن جاء العصر المملوكي  وأصبح في عصر السلطان الظاهر بيبرس الطريق المعتمد لسير المَحْمل هو الطريق البري عبر سيناء كقافلة حج رسمية.

كانت قافلة الحج تجتاز صحراء سيناء والأراضي المصرية من جميع أنحاء القارة الإفريقية لأداء فريضة الحج ، واستمر ذلك حتى تعرضت شبه جزيرة سيناء لعبث فلول الصليبيين الحاقدين إثر غارتهم على العالم الإسلامي من جهة الشام؛ مما عطل قافلة الحج التي كانت تجتاز هذه البلاد آنذاك إلى الأراضي المقدسة، وبالتالي أصبح طريق الحج الرسمي الذي يربط مصر ببلاد مكة المكرمة هو طريق ” قوس عيزاب ” عبر النيل عن طريق البرك إلى مدينة عيزاب من الطريق البحري إلى جدة، وكان يعاني الحجاج عبر “قوس عيزاب” كثيرًا في هذه الرحلة بالنسبة للصحراء وبالنسبة للمراكب التي كانت تستخدم في ذلك الوقت، وكانت شاقة عليهم ..

بدء طريق الحج

1- كانت قافلة الحج تبدأ عادة سيرها من منطقة بركة الحج بالقاهرة (مناطق تجمع الحجاج من أفريقيا)، وهذه المنطقة يوجد بها العديد من المنشآت والآبار وأحواض المياه والأسبلة لتقديم الخدمات المتنوعة لوفود الحجيج الذين يتجمعون فيها من مختلف الأنحاء،كأول محطة ينطلق منها موكب الحجيج إلى الأراضي الحجازية.

 2- ثم تتجه بعد ذلك قافلة الحجيج إلى منطقة معروفة بـــــ” البويك ” إلى الشرق من القاهرة؛ وهي فتحة صغيرة بين جبلين تشير إلى أن هذا هو باب الدخول والخروج إلى القاهرة.

3- ثم تتجه القافلة إلى منطقة الدار الحمراء، والدار البيضاء التي أنشئت في العصر المملوكي ويوجد اليوم مكانها قصر عباس حلمي الأول كمحطة ثالثة.

4- ثم يلي ذلك الذهاب إلى منطقة “رقبة العجرودي”، ومنه إلى المحطة الرئيسية لقافلة الحج وهي قلعة العجرودي إلى الشمال الغربي من مدينة السويس بحوالي 24 كم، وهي من عصر السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون وبنيت على يد ” الدكونتار” الذي كان أميرًا في ذلك الوقت، ثم أعيد بناؤها وتوسعتها أيضا في عصر السلطان الغوري، وتم إحداث تجديدات شاملة بالقلعة، وتم بناء خان مستقل لاستقبال القافلة، كما كان يوجد بئر يبلغ عمقه أكثر من 70 مترًا، وتم اكتشاف أجزاء كثيرة من القلعة وبرك المياه التي كانت تزود الحجاج بالمياه آنذاك.

5- ثم ننتقل إلى المحطة الأولى في طريق الحج في مصر خارج عمران العاصمة بالبدء في اتجاه الحجاز عبر سيناء، حيث قلعة الجندي التي أدت دورًا حربيًّا في عصر صلاح الدين الأيوبي رحمه الله .

6- ثم منطقة وادي الحاج وتسمى منطقة ” آثار الكئيب”و يوجد بها نص تاريخي من عصر السلطان حسن مؤرخ بسنة 760هـ ويوجد فيها قبة ضريحية، ويوجد فيها منطقة سدود لتجميع المياه من السيول والأمطار وإدخالها في برك المياه عن طريق قنوات … وكل هذه المنشآت المعمارية موجودة في هذه المحطة.

إقرأ أيضا :

رحلات الحج عبر الناريخ

قلعة نخل : ثم نتَّجِه بعد ذلك على مسافة 80 كم حيث توجد قلعة نخل؛ والتي يرجع بناء البئر فيها وحفر برك المياه إلى عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون على يد الأمير الملكي بن الديكوندار، ثم كانت العمارة الشاملة لها على يد السلطان المملوكي قنصوه الغوري؛ حيث تم بناء قلعة مضلعة طول أضلاعها 28 مترًا مدعمة بخمسة أبراج، منهم 4 أبراج  يمثلون ثلاثة أرباع الدائرة، والبرج الخامس بالركن الشمالي الشرقي يشرف على برك المياه للحفاظ عليها لتزويد الحجاج بالمياه. وتعتبر قلعة نخل المنهل الرئيسي على طريق الحج بالنسبة للقافلة، كما أن نخل كانت تؤدي دوراً هامًّا بالنسبة لقافلة الحج الخاصة بالمسيحيين القادمين من غزة حتى دير سانت كاترين؛ فهي بذلك تؤدي وظيفة مزدوجة للحجاج المسلمين والمسيحيين.

محطة ثانوية : وبعد نهاية المحطة الرئيسية الثانية هناك محطة ثانوية وهى محطة بئر السمك أو “سمك الحفرة”، تعرف حاليًا بــمنطقة “السمد” وهذه المحطة لا يوجد بها إلا آبار مياه.

عراقيب البغلة : ثم ننتقل إلى المحطة الرابعة الرئيسية وهى نقش الغوري أو يسمونها عراقيب البغلة، ونحن نعلم أنه لكي نعمل منشأة عامة في العصر الحديث لا بد من نص تأسيسي إلا أن هذه المنطقة عمل فيه نص تأسيسي لدرب الحج نفسه، بدءاً بمدينة القاهرة وانتهاء بالمدينة المنورة مدينة الرسول (صلى الله عليه وسلم).

محطة آثار القريعى : بعد ذلك المحطة الثالثة على درب الحج  في سيناء هي منطقة آثار القريعى أو بير محمد أو بئر أم عباس حلمي الثاني، على بعد 46 كيلو متر شرق مدينة نخل حاليا داخل وادي العقابة إلى الشمال من طريق نويبع/طابا ، وتوجد بها عدة منشآت معمارية عبارة عن بركتين للمياه أحدهما بحالة جيدة وتعتبر النموذج الوحيد الذي لازال بحالة جيدة، لبرك المياه على طريق الحج المصري، ويوجد أيضا بئر تسمى بئر أم عباس أو بئر محمد نسبة إلى الشيخ محمد الجوهري الذي كان ذو قيمة كبيرة في قومه وهو مغربي توفى في هذه المنطقة فدفنوه بها و أنشئوا له قبة.

محطة قلعة آيلة : يوجد بها نقشان أحدهما يرجع إلى عصر السلطان الناصر محمد بن قلاوون  ومؤرخ بـ 725 هـ ، و الآخر عصر سلطان الغوري وينتهي طريق الحج بقلعة العقبة حاليا بالأردن التي كانت تعرف “بقلعة آيلة” حيث تم أعمار القلعة من عصر السلطان الغوري من بناء الآبار وتوفير المياه للحجيج على طريق الحج، وكان هذا مظهرًا من مظاهر قدرة الدولة باعتبار مصر مكان أساسي لحجيج إفريقيا والأندلس؛ وبالتالي نشأ طريق وكان في البداية طريق حربي يسمونه طريق ” صدر آلة ” الذي أنشأه صلاح الدين – رحمه الله -، وأنشأ عليه سلسلة قلاع أهمها: ” قلعة الجبل ” في القاهرة، و” قلعة الجندي” في وسط سيناء في منطقة  “در الشيطان” على الحدود الإدارية بين محافظتي شمال وجنوب سيناء، وأنشئت القلعة هذه على ارتفاع 156 مترًا للتحصين، وقد هجرت هذه القلعة بمجرد استعادة صلاح الدين لبيت المقدس عام 583 هـ /1187.

مجاهد مليجي