أصبح أمرا مألوفا لدى ممارسي ألعاب الفيديو أن يطلقوا النار على أعداء مجهولي الأسماء من ذوي البشرة النية ، لكن هذه الحقيقة المزعجة لا يغفل عنها الكثير من المسلمين ممن يلعبون هذه الألعاب الشعبية ويصنعونها .
“دماء المسلمين رخيصة” هذا ما قاله رامي اسماعيل الشريك المؤسس في استوديو “فلامبير” المستقل، في مؤتمر مطوري الألعاب في وقت سابق من هذا الشهر . ويضيف : هذه العبارة صدمتني بقوة بينما كنت استضيف المتحدثين في جلسة حول كيفية تقديم المسلمين في ألعاب الفيديو.
مسلم ولكن ..
الحديث عن كيفية تصوير المسلمين في ألعاب الفيديو اصعب مما يظن البعض، فوجود شخصية تبدو ملامحها شرق اوسطية لا يعني ان مطوري الألعاب قصدوا أن تكون الشخصية مسلمة.
رومانا رمضان المحاضرة في جامعة غلاسكو كاليدونيان والحاصلة على دكتوراة في الألعاب الخطرة ، أشارت في الجلسة الى شخصية “فريدة مالك”من لعبة “ديوس اكس: ثورة الإنسان” كمثال . تقول رمضان: مطورو الألعاب في شركة ايدوس مونتريال عرفوا فريدة باعتبارها اميركية مسلمة من ديربورن –ميشيغان، لماذا تم تعريف فريدة بديانتها في حين لم يتم تعريف الشخصيات الأخرى بدياناتهم.
مسألة أخرى هي انه عندما يتم التعامل مع شخصية مسلم باعتبارها رمز يمثل جميع المسلمين ، فان الشخصية يجب ان تكون غربية من اصول شرقية ، اي ان تكون مسلمة ولكن ليست مغرقة في اصولها الاسلامية الشرقية.
وفي الواقع نحن مليار ونصف المليار من المسلمين من بلدان وثقافات مختلفة ، حتى نحن المشاركون في الجلسة ، انا ورامي اسماعيل ورومانا رمضان وفرح خلف (عضو مجلس إدارة جمعية مطوري الألعاب النيوزيلندية) لدينا آراء متباينة حول العديد من الأمور. علما أننا جميعا نشأنا في الغرب ونتحدث بالنيابة عن المسلمين في العالم اجمع، و لم يات اي منا من دولة ذات غالبية مسلمة. وبسبب نشأتنا في الغرب فاننا لم نختبر الاضطرابات في الشرق الأوسط إلا عبر شاشات الكمبيوتر ، ومع ذلك فان موضوع الحرب يشعل نقاشا حادا.
دماء رخيصة
في ألعاب مثل ” Call of Duty ” أو” Battlefield ” العدو عادة إما شرق أوسطي او روسي. وهذا التحديد للشخصيات المعادية يزعج اسماعيل .
فقد لاحظ أن دماء المسلمين دائما رخيصة في حين أن الدماء الأميركية يبدو أنها الأغلى على مستوى العالم، ويريد اسماعيل أن يرى ألعابا تظهر الشخصية الأمريكية بصورة سيئة.
وعلى ضوء الهجمات الأخيرة في بروكسل، فإن ما قاله اسماعيل حول أن دماء المسلمين رخيصة يبدو وللأسف صحيح، فالمواقع الاخبارية الغربية تجاهلت الهجمات التي يتعرض لها المسلمون من تركيا إلى نيجيريا، وحضور هجمات باريس وبروكسل في مواقع التواصل الاجتماعي أكبر بكثير من حضور المآسي والمعاناة التي يعيشها الضحايا خارج حدود الدول الغربية.
المسلمون هم من يتحمل الجزء الاكبر من المعاناة جراء الارهاب، لكنهم يحصلون على الاهتمام الأقل في الغرب. ومع مئات آلاف الضحايا من المسلمين و في كل مكان، أصبح من الصعب تجاهل شعور معاملتنا كبشر أقل مرتبة من الأجناس الأخرى.
فرح خلف ترى أنه حتى عندما يتم تصوير العالم الاسلامي في الأفلام او في أغلب ألعاب الفيديو فانه يتم تصوير أماكن متداعية او في حالة من الفوضى، في حين أن العالم الاسلامي كان مركزا للحضارة والهندسة المعمارية.
فعنما تقوم بزيارة لبيروت أو طهران أو اسطنبول ستتفاجأ بجمال المعمار، لكن ألعابا مثل ” Dust 2 in Counter-Strike: Global Offensive ” او ” Karachi in Call of Duty: Modern Warfare 2 ” تظهر عكس ذلك.
النقاش في ما بعد تحول من كيفية تصوير المسلمين في الألعاب الى التحديات التي يواجهها المسلمون العاملون في صناعة الألعاب . أحدهم سأل عن الطريقة التي نتواصل بها مع الاخرين في مجال الألعاب بعد انفضاض المؤتمر ، فالتواصل الاجتماعي خارج المؤتمر احدى وسائل بناء العلاقات واتصالات العمل، لكن جميع الفعاليات التي تقام على الهامش تكون طافحة بالمشروبات الكحولية ، فضلا عن احتمال وجود راقصات متعريات.
حتى داخل المؤتمر نفسه لا توجد أماكن مخصصة للصلاة، الكثير من المسلمين المشاركين كانوا يضطرون للبحث عن ركن بعيد ، مثل أسفل سلم الطوارىء ، للحصول على بعض الخصوصية وتأدية الصلاة، ربما تكون المسألة كلها عرضية ، ولم يلتفت لها . لذلك فان اقتراح تنظيم جهد المسلمين العاملين في صناعة الألعاب فكرة عظيمة . وامتلاك صوت قوي وموحد سيخلق وعيا وادراكا جديدا لكيفية التعامل مع الشخصيات المسلمة في الألعاب.
حاجز وأمل
هذا وقت غريب لأن تكون مسلما في الغرب،خاصة في وجود مرشحين للرئاسة يعلنون أنهم يريدون وضع الناس في معسكرات إعتقال، الأمر الذي يجعلك تتساءل عن دورك في مجتمعك. كثير منا ينظر إليه الان استنادا الى عرقه ودينه وليس إلى جنسيته. ولكن هل معنى ذلك ان نترك الأفكار المتعصبة تتحكم في حياتنا ؟
لقد شاهدت اهتماما كبيرا بموضوع جلستنا الحوارية، وشعرت بأن هنالك الكثير من الداعمين لنا ، وهو أمر قد يقود مستقبلا الاستوديوهات لتوظيف مسلمين من دول ذات أغلبية مسلمة، وقد يثني هذا الامر الكتاب عن تقديم شخصيات رمزية مبسطة للمسلمين بحثا عن مستويات أكثر تركيبا وعمقا في هذه الشخصيات.
الحاجز الرئيسي الأخير في تطور الألعاب يكمن في الأدوات الأساسية التي يستخدمها مبتكرو الألعاب. هذه الأدوات تقريبا كلها باللغة الإنجليزية، مما يفرض تحديا جديدا على مطوري الألعاب حول العالم لتقديم رؤاهم الخاصة. اذا استطعنا ردم هذه الفجوة فإن التوسع الهائل في ألعاب الفيديو الذي شهده واستمتع به الغرب في العقد الماضي يمكن أن يمتد إلى مناطق أخرى كثيرة من العالم .
صناعة الألعاب مازالت صغيرة، ويقودها أشخاص يحتاجون إلى وعي اجتماعي أكبر، وما زال أمامنا طريق طويل ، لكننا نمتلك الان فرصة لنضمن أن الأشخاص من خلفيات دينية متنوعة يساهمون في الحوار.