بحسب مؤشر MBTI الشهير لأنماط الشخصية، فإن سمة (الإنجاز) تعد نمطا شخصيا في مقابل صفة (التشتت) وهما صفتان عبر عنهما المؤشر في محوره الرابع تحت عنوان (الترتيب). وتقدم أنماط الشخصية عموما، صورة حالية للوضع الغالب والاعتيادي في تصرفات الشخص، بحيث يمكننا البناء عليها في تواصلنا معه، وتجنب الاصطدام. وتعبر الثقافة الشعبية عن الأنماط بالعادات، وتصفها بعض الامثال بأن (العادة جبل) تأكيدا على رسوخها وتعذر تغييرها في غالب الأحوال..
في برامج التدريب وتنمية القدرات، عادة ما تواجهنا صعوبات كبيرة في الانتقال بالمتدربين من التفاعل التدريبي القصير، إلى تواصل مستمر لفترات أطول، وبالتالي إتاحة فرص أكبر للانتقال من نقطة إلى أخرى، وتحقيق نتائج ذات قيمة أكبر. في الواقع تتوفر رغبة كبيرة لدى معظم المتدربين، لتحقيق نقلات وإنجازات.. لكن واقع الحال يؤكد أن الانتقال قدما لا يتحقق بمجرد رغبات صادقة، أو الحصول على دورات احترافية عالية القيمة.
تكتسب دراسة الأنماط الشخصية أهمية كبيرة؛ حيث تعمل على نقلنا من مجرد التركيز على تحصيل كم معلوماتي، إلى نقطة أعمق بالنظر إلى طبيعة ما تتطلبه شخصياتنا من (تعديلات) أو جهود لتحقيق درجة من التوازن. إن ما يواجهنا من صعوبات في التقدم الشخصي، وإنجاز الأعمال، ذو صلة مباشرة بأنماط شخصياتنا وما يسيطر علينا من (تلقائية) وعدم قدرة على التأني والالتزام والاستمرار في مشروعات طويلة نسبيا. وتعد سمة (الاستعجال) والاندفاع لتحقيق نتائج سريعة، والتحرك بدوافع المنافسة والانتصار، من أبرز ما يحول بيننا وبين تحقيق نتائج ذات قيمة.. وما لم نعمل على معالجة المشكلة الحقيقية بكل وضوح وحزم، فإن الوصول إلى نجاحات حقيقية سيظل أمنية وحلما مهما توفرت لنا من أدوات وفرص.
عادة ما تضيع كثيرا من جهودنا في التعلم (خاصة) والعمل والعلاقات، بسبب عامل جوهري يتصل بعدم معرفتنا وعدم (اهتمامنا) بأنماط شخصياتنا أو شخصيات من نتفاعل معهم، في خضم انشغالنا المستمر بما يحقق أسرع نتائج وأفضل بريق.
ولنقترب من الهواة؛ لنتعرف على أبرز قدراتهم وملكاتهم، ونكتشف أنماط شخصياتهم، واحتياجاتهم النفسية الدافعة لممارسة الهوايات والشغف بها.. ودورها في تعزيز هواية التعلم والمعرفة.
للتعرف على “هواة المعرفة” مثلا، نستخدم حزمة أدوات وتطبيقات، بحيث تعرفنا كل أداة، على جانب أو أكثر في شخصية “هاوي المعرفة”. سنستخدم كلا من نموذج ASC form ومؤشر MBTI وأسلوب الاحتياجات النفسية الستة، حيث يتميز آسك بخاصية اكتشاف العلاقات بين القدرات والأنشطة والميول، بينما يمتاز مؤشر مايرز بريغز بتركيب نمط code الشخصية من دراسة عدة محاور.. أما تحليل الاحتياجات النفسية، فيقدم لنا تفسيرا لدوافع السلوك، ويمنحنا إجابة عن “لماذا نفعل ما نفعله”.
كل ما يبدو لك متناقضاً في الحياة.. إنما هو انسجام لا تدركه!
“جلال الدين الرومي”
حسب ASC form فإن هواة المعرفة، هم من تسيطر الأنشطة المعرفية وأنشطة التعلم على معظم اهتماماتهم، وتبدو قدراتهم وملكاتهم الذهنية أكثر بروزا، وتظهر طموحاتهم في قوالب غير مهنية، حيث يطمح معظمهم لأن يصبح مخترعا، مكتشفا، مطورا، ونحو ذلك من صفات العلماء والباحثين.
ونلاحظ تناغما كبيرا بين كل من نموذج آسك ومؤشر الأنماط، حيث يطلق المؤشر وصف “العالم” لأصحاب النمط INTJ ويعني أن الشخص أكثر ميلا للنشاط الداخلي (التفكير)، وأكثر استخداما للخيال، ويتخذ قراراته بعقلانية، ويتصف بالحسم والإنجاز. في نموذج آسك كان ناتج العلاقة بين القدرات الذهنية والانشطة المعرفية، طموحات “عالم”.. وفي مؤشر الأنماط كان نمط “العالم” نتاجا لتفاعل سلة صفات شخصية، من بينها التفكير، الخيالية والعقلانية.
ويأتي استخدام الأداة الثالثة (تحليل الاحتياجات النفسية)، أكثر تناغما مع كل من الأداتين السابقتين (النموذج والمؤشر) ؛ حيث يميل هواة المعرفة عادة، للبحث عن أكثر الأماكن هدوءا وأبعدها عن الضجيج والصخب، ويتناسب هذا الميل مع المكون الأول في نمط العالم “النشاط الداخلي” ويتماهى مع طبيعة ميولاتهم البحثية.. ويمثل “اليقين” certainty (الثبات، الأمان، التحكم،…) احتياجا نفسيا غالبا لدى هواة المعرفة والتعلم والبحث، إلى جانب احتياجهم النفسي الأبرز “النمو” growth (التعلم، التطور، التقدم).