أنواع التفسير النبوي : ميز العلماء بين مصطلحين مهمين، هما: التفسير النبوي، وتفسير القرآن بالسنة. [1] فالتفسير النبوي: هو تفسير جاهز صدر عن الرسول -- سواء كان قولًا، أو فعلًا، أو إقرارًا صريحًا في إرادة التفسير. فأفعاله – -، وأقواله، وتقريراته، وسيلة بيانية وتفسيرية لما جاء في القرآن الكريم. ويدخل ضمن ذلك السنة الفعلية، والقولية، والتقريرية التي تتضمن بيان الرسول -- لوجوه الأمر، والنهي في القرآن، والأحكام، والتشريعات، ومقادير الفرائض، والحدود، وغيرها.

قال الإمام محمد بن إدريس الشافعي: “كل ما حكم به رسول الله فهو مما فهمه من القرآن” وحصر البعض [2] أمثلة التفسير النبوي فى ثلاثة أنواع:

  • أن يسأل الصحابة عن المعنى المراد من الآية، ومثله: ما رواه الإمام الترمذي عن عبادة بن الصامت وأبي الدرداء عن النبي -- سألاه عن “البشرى” وذلك في قوله تعالى: { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الاَخرة} (يونس: 64). وقد فسرها الرسول بقوله: “هي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن أو ترى له”.
  • أن يبتدر الرسول صحابته بتفسير آية، ومنه: ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم عن أبي هريرة أن النبي قال:” قيل لبني إسرائيل { ادخلوا الباب سجدًا وقولوا حطة تغفر لكم خطاياكم } (البقرة: 58)، فبدلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاههم، وقالوا: حبة في شعرة “. وما أخرجه الإمام البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: “قال رسول الله : ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة ولا اللقمتان، إنما المسكين الذي يتعفف، اقرؤوا { لا يسئلون الناس إلحافًا } (البقرة: 273) إن شئتم يعني قوله: أن يتأول أمرًا أو نهيًا في القرآن الكريم.
  • والتأول هو ما يقوم به من أفعال تكون تفسيرًا للخطاب القرآني، ومثال ذلك قوله تعالى: { وأنذر عشيرتك الأَقربين } [3] والمتتبع  لمصنفات السنة النبوية التي أفردت أبوابًا للتفسير المأثور عن النبي يجد أنها ذكرت عددًا من أسئلة الصحابة رضي الله عنهم لرسول الله فيما أشكل عليهم من القرآن الكريم. كما تضمنت كثيرًا من تفسير رسول الله ابتداء بعدّه مبلغًا عن الله تعالى، ومبينًا لما جاء في كتابه الكريم.

تفسير القرآن بالسنة

أما تفسير القرآن بالسنة: فهو تفسير يدخل ضمن دائرة الاجتهاد؛ إذ يخضع إلى محاولات المفسر البحث عن المعنى المراد من خلال الأحاديث النبوية التي يمكن أن تكون تفسيرًا للآية المراد شرحها، ومثال ذلك قوله تعالى: { الذين يجتنبون كبائر الإِثم والفواحش إلا اللمم } [4] روى الطبري عن ابن عباس أنه قال: “ما رأيت شيئًا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي : “إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تتمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

أنواع التفسير النبوي الخمسة

بينما عرف البعض [5] التفسير النبوي للقرآن الكريم إجمالا  بأنه ماورد عن الرسول من قول، أو فعل، أو تقرير في بيان معاني القرآن وقد قسم هذا الرأي التفسير النبوي إلى أنواع على النحو الآتي :

  1. التفسير النصي اللفظي الصريح:  وهو ما ورد عن النبي- من لفظ صريح في تفسير آية، كتفسير لفظ الظلم بأنه الشرك بالله  فيما ورد في قوله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ } [6] وتفسير”الحساب اليسير”بالعرض في قوله تعالى: { فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا } [7]
  2. التفسير الموضوعي: وهو أن يستفاد من السنة النبوية في بيان الموضوع الذي تضمنته الآية تقريرًا، أو تفصيلًا دون أن يكون في الحديث تفسير مباشر للآية، مثل قوله تعالى: { فإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [8] فعند ذكر هذه الآية يتم تفسير النار بالأحاديث التي وردت في شأنها، وتفصيل صفاتها، وأحوالها. تفسر بالأحاديث الآتية: أبي هريرة عن النبي-- قال: ناركم هذه التي توقدون جزء واحد من سبعين جزءًا من حر جهنم. قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله. قال: فإنها فضلت بتسعة وستين جزءًا كلهن مثل حرها”.وعن أبي هريرة أيضًا عن رسول الله - أنه قال: “إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم.”  وأيضًا مارواه أَبِو هُرَيْرَةَ قَالَ:  كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” -:تَدْرُونَ مَا هَذَا؟ قَالَ: قُلْنَا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: “هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا، فَهُوَ يَهْوِي فِي النَّارِ الْآنَ حَتَّى انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا”.
  3. التفسير اللغوي: بمعنى أن يستفاد من السنة  في بيان المعنى اللغوي للفظة من ألفاظ القرآن. وهذا النوع لم يكن موجهًا للصحابة؛ لأنهم عرب أهل لغة، وبيان، وفصاحة.والقرآن قد نزل بلسان عربي مبين؛ لذا لم يكونوا محتاجين إلى بيان  الغريب، ومعاني مفردات القرآن  كحاجة من بعدهم. ومن أمثلته عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله تعالى عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَا أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ، ولَيْسَ بِالحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا ذَهَبَ قَدْرُهَا، فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ، وصَلِّي”. فهذا الحديث يفيد في بيان معنى القرء في اللغة أنه الحيض، وإن اختلف الصحابة في تفسير القرء على قولين الحيض والطهر، في قوله تعالى: { والْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ } (البقرة: 228).
  4. التفسير الاستشهادي: وهوأن يذكر النبي -- الآية في حديث من غير أن يكون فيه تفسير مباشر لها، بل يذكرها على سبيل الاستشهاد لحادثة،أو التأكيد والتقرير لحادثة ما. ومن الأمثلة على ذلك: عن علي بن أبي طالب  أن رسول الله -- طرقه وفاطمة بنت النبي -عليه السلام- ليلة، فقال :”ألا تصليان؟” فقلت: يا رسول الله، أنفسنا بيد الله، فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا، فانصرف حين قلت  ذلك، ولم يرجع إليَّ شيئًا، ثم سمعته وهو مول يضرب فخذه، وهو يقول: { وكان الإنسان أكثر شيء جدلًا } [9]  فهذا الحديث يفيد في تفسير الآية بوجه غير مباشر.
  5. التفسير العام: وهو عموم سنته القولية، والفعلية،  والتقريرية؛ مما يفيد في بيان شيء من القرآن.ولا يندرج تحت شيء مما سبق، فلا غنى للمفسر عن النظر في عموم سنته، وسيرته--،وما فيها من التطبيق العملي للقرآن الكريم. وقد قال الإمام الشافعي:”جميع السنة شرح للقرآن.