قال الله تعالى: { وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا } (مريم: 31). جاءت هذه المقولة على لسان نبي الله عيسى عليه السلام وهو في المهد؛ أي في بداية مسيرة حياته، وهي في الواقع ليست مجرد تبيان لحقيقةٍ مرتبطة بالنبي عيسى عليه السلام؛ إنما هي شعار رائع ومبدأ عظيم للتمثل به والعمل بموجبه، {واجعلني مباركًا أينما كنت}! فقد كانت بركة عيسى ومحمد وجميع الرسل صلوات الله وسلامه عليهم متنزلة على أقوامهم ومتنامية، دون أن يكون خيرهم منتهيًا أو منقطعًا برحيلهم عن عالمنا، إنما ممتد باقٍ إلى يومنا هذا!.
والبركة تُعرف بالنماء والزيادة والسعادة والكثرة في كلِّ خير، والله سبحانه ألقى البركةَ على إبراهيمَ وعلى آله؛ قال تعالى: { وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ * وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ } (الصافات: 112- 113).
جاء في تفسير الوسيط لمحمد سيد طنطاوي: { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ } (المؤمنون: 29)، ﴿ وَقُل ﴾ أيضًا يا نوح: { رَبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلًا مُّبَارَكًا }؛ أي: أنزلني إنزالًا، أو مكان إنزال مباركًا، أي مليئًا بالخيرات والبركات، خاليًا مما حل بالظالمين من إغراق وإهلاك، ﴿ وَأَنتَ ﴾ يا إلهى ﴿ خَيْرُ المنزلين ﴾ بفضلك وكرمك في المكان الطيب المبارك.
وفي زماننا كم من الأُسر تشكو قلة البركة، وتظن أنه أُحيط بها، فلا بركة في المال، ولا بركة في الرزق، ولا بركة في الولد، ولا بركة في الزوجة، ولا بركة في الدار، ولا بركة في العمر، ولا بركة في الوقت وهكذا، ومن الأسر من تكون على النقيض من ذلك، فالبركة في كل شؤون حياتها، بركة في العمر وبركة في الوقت، وراحة البال، وزيادة في المال والعلم، تنام في رغد وخير وبر من الأولاد.
لذا صار لزامًا على كل أسرة أن تفتِّش عن مواطن الخير في نفسها، وفيمن حولها، حتى تستخرجها وتدلَّ أفرادها إليها، وأن يفكر كلُّ فرد في الأسرة: كيف أكون مباركًا في نفسي وأوقاتي، وكيف ينبغي أن أترجم البركة في بيتي وبين أهلي وصحبي؟ كيف أستخرج خيرهم وجميلَهم دائمًا؟ كيف يكون كلامي مباركًا كشجرةٍ طيبة تؤتي أُكلها كل حين! وكيف أكون كذلك في حركاتي وسكناتي وبداياتي ونياتي وأعمالي، كيف بوسعي أن أُنَمِّي الخير وأدعو للمعروف وسط معارفي وفي محل عملي؟ وكيف أطرح التنمية والتطوير في مجتمعي؟
عندما يترجم كل فرد البركة في أسرته، فمن الممكن أن يكون فردًا مباركًا ناميًا أينما حلَّ لا منقطعًا أو مبتورًا، يظل كلامه وفعله وتأثيره حاضرًا، وتبقى ذكراه طيبة عالية، فالله يبارك كل ما هو موصول بالخير ومنعقد بالإخلاص، فيزيده نماءً ويشعُّه نورًا ويحيطه بركة.
أهمية البركة
وللبركة أهمية على الفرد وعلى الأسرة منها:
- إذا حلت البركة في شيء ثبت الخير الإلهي فيها، وثبت نفعها وكثرتها ودوامها.
- إن الله تعالى امتنَّ بها على خلقه، وهذا دليلٌ على عظيم فضلها، وكثرة فوائدها، وتعدُّد منافعها؛ قال تعالى: ﴿ قَالَتْ يَا وَيْلَتَى أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ * قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 72، 73].
- إن الأنبياء والصالحين كانوا يسألون الله تعالى البركة، ولا يسألون إلا ما كان نفعه عظيمًا.
عندما زار إبراهيم عليه السلام ابنه إسماعيل لم يجده، ووجد امرأته، فقال لها إبراهيم عليه السلام: ما طعامكم، وما شرابكم؟ قالت: طعامنا اللحم، وشرابنا الماء، فقال – عليه السلام -: اللهم بارك لهم في طعامهم، وشرابهم، فقال أبو القاسم – ﷺ -: بركة بدعوة إبراهيم”؛ رواه البخاري.
أسأل الله أن يُبارك لنا في أزواجنا وأولادنا وذرياتنا وفي أعمالنا، وفي أموالنا وفي أوطاننا، وأن ينشر السعادة في كل بيت، وصلى الله على سيدنا محمد.