تشهد الساحة الثقافية العربية بين الفينة والأخرى مبادرات علمية تعزز من مكانة اللغة العربية وتعليمها خاصة مع الإقبال المتزايد عالميا على تعلمها، وتساهم في ردم هوة الجهل باللغة. ومن هذه المشاريع التي برزت في السنوات الأخيرة التنال العربي .. شهادة الكفاءة الدولية في اللغة العربية، وهو مشروع انطلق من الأردن على يد الأستاذ الدكتور عبدالرؤوف زهدي مصطفى وبدأ في الانتشار عربيا وعالميا.
والدكتور عبد الرؤوف زهدي مصطفى هو رئيس مجلس إدارة التنال العربي وصاحب فكرة المشروع عمل سابقا كمساعد رئيس جامعة الشرق الأوسط في الأردن وعمل كذلك عميدا لكلية الآداب والعلوم بالجامعة كما سبق له العمل كأستاذ جامعي في عدة جامعات عربية، له أكثر من 25 مؤلفا في علوم اللغة العربية منها (تذوق النص الأدبي) و (مهارة القراءة) و (مهارات اللغة العربية) و (الجامع في الصرف) و (الجامع في النحو) وغيرها، بالإضافة إلى عديد الأبحاث المنشورة والعضويات العربية والدولية.
إسلام أون لاين التقته وطرحت عليه بعض الأسئلة عن طبيعة التنال العربي وما الذي يتميز به عن برامج اللغة العربية الأخرى؟ ما هي المهارات التي تركز عليها شهادة الكفاءة الدولية في اللغة العربية؟ وهل هناك فوائد من اجتياز امتحان التنال العربي؟ هل هناك قطاعات مهنية تستطيع الاستفادة من التنال العربي أم هو مقتصر على الطلبة والطالبات؟
فإلى الحوار :
بداية نود تعريف القراء بمشروع التنال العربي شهادة الكفاءة الدولية في اللغة العربية ؟
حياكم الله، مشروع التنال العربي هو شهادة الكفاءة الدولية في اللغة العربية، مشروع بني على غرار التوفل والايلتس (امتحانات قياس مستوى اللغة الإنجليزية) وشهادة التومر (امتحان تقييم اللغة التركية) وشهادة الدالف – ديلف (امتحان قياس مستوى اللغة الفرنسية). ويتكون التنال العربي من عدة محاور:
- المحور الأول: بناء بنك أسئلة في المهارات اللغوية كباقي امتحانات الكفاية العالمية.
- المحور الثاني: بناء المناهج لأقسام اللغة العربية بمعايير جديدة غير تقليدية، وبناء الحقائب التدريبية.
- المحور الثالث: برنامج “تنال السفير” للسلك الدبلوماسي.
- المحور الرابع: برنامج “تنال الوافد” للعمالة الوافدة.
- المحور الخامس: برنامج “تنال لبيك” للحجاج والمعتمرين.
- المحور السادس: برنامج “تنال الأكاديمي”.
ومسمى التنال مأخوذ من كتاب الله من الآية الثانية والتسعين في سورة آل عمران: {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون}. كما أن كلمة “تنال” تتكون من الأحرف الأربعة: التاء، والنون، والألف، واللام، وهي تعني تقويم ناطقي العربية، والناطقين بغيرها. هذا هو وجه الخلاف بيننا وبين امتحانات الكفاية اللغوية في العالم، إذ كلها موجهة للناطقين بغيرها، لكننا وجدنا بعد الدراسات أن الضعف في اللغة العربية عند أبنائها أكثر من الضعف عند الآخرين. لذلك هو موجه للناطقين بالعربية أولاً، ثم الناطقين بغيرها الذين أنهوا الثانوية العامة في البلاد العربية أو باللغة العربية في بلادهم.
هناك أنواع عديدة من برامج التنال العربي، منها “تنال الأكاديمي”، و”تنال السفير”، و”تنال الوافد”، و”تنال لبيك” للحجاج والمعتمرين. كما قمنا ببناء مناهج للصغار من السنة الخامسة إلى الخامسة عشرة، بحسب الإطار الأوروبي المرجعي العام للغات (CEFR) – معيار دولي معروف لوصف مدى إتقان اللغة – وتتضمن 6 مستويات: A1 مبتدئ، A2 أساسي، B1 متوسط، B2 متوسط مرتفع، C1 متقدم، وC2 متقن. وعلى نفس المنوال، بنينا مناهج تنال للكبار بحسب الإطار الأوروبي المرجعي العام للغات (CEFR) مقسمة إلى 6 مستويات.
نختلف عن كل الاختبارات الأخرى بأن اختبارنا موجه للناطقين بالعربية ثم للناطقين بغيرها في آن واحد، لأن نسبة الشبه في محتوى المادة المقدمة بين الفئتين تصل إلى 100%. كذلك ما يميز التنال العربي أن كل امتحانات الكفاية اللغوية في العالم تعتمد على أربع مهارات، أما التنال العربي فيعتمد على خمس مهارات. ستسأل كيف؟ لأننا وجدنا أن الضعف الحقيقي عند أبناء اللغة العربية يكمن في تركيب الجملة، النحو والصرف، والإبلاغ والترقيم، والأخطاء الشائعة. فوجدنا أن نسبة الضعف عند أبنائها بلغت 90% في هذه الأمور، فطلبنا من جمعية ممتحني اللغات في أوروبا (ALTE) بجامعة كامبردج، وهي منظمة تضم عضوية كل امتحانات الكفاية اللغوية، وقدمنا دراسة كاملة ووافقوا على طلبنا، وهذا ما نتميز به عن باقي اختبارات الكفاية اللغوية في العالم.
ما الأسباب الداعية للتفكير في هذا المشروع؟ ألا تقوم المؤسسات التعليمية بدورها ؟
هذا السؤال مهم. وأقول أننا ضعفنا فضعفت لغتنا واللغة لا تكون قوية إلا بأهلها كما كانوا أجدادنا أقوياء في الأندلس كان الأوروبيون يدرسون في جامعات الأندلس في ذلك الوقت وعندما ضعفنا وانتهينا أخذوا علومنا ثم أمسينا في هذا العصر نأخذ هذه العلوم مترجمة وهي بالأساس علومنا التي طوروها ونسخناها فمسخناها وسلخناها مع الأسف. لذلك اللغة هي هُوية تقوى بقوة أبنائها وتضعف إذا ضعفوا ولكن عزاؤنا أن الحافظ لها هو الله، لأنها لغة أُنزِل بها أشرف كتاب على أشرف رسول نبينا محمد ﷺ، بسفرة أشرف ملك، على أشرف بقعة أرض، في أشرف شهر من شهور السنة، وفي أشرف ليلة من ليالها، فإنها رسالة السماء وبها نتعبد الله سبحانه وتعالى.
هناك من يقول إن التركيز المكثف في تعليم اللغة العربية لا يخدم خطط التنمية ولا يواكب التقدم العلمي، لذا يجب إعطاء الأولوية في التعليم للغات الأجنبية، كيف ترد على هذه الفكرة؟
هذا كلام رائع أريد به شيء آخر، سبب كره اللغة العربية في التعلم والتعليم هم المرسلون الأساتذة، فهم غير مؤهلين وغير مدربين، ويحتاجون إلى إعادة تربية تعليمية في لغتهم. فالإنسان يتخرج بشهادة البكالوريوس في اللغة العربية ثم يُدفع به إلى الميدان وهو لا يستطيع بناء جملة بشكل صحيح. وهذه مشكلة واضحة، ولا نخص بها جهة معينة، بل هي مشكلة عامة على مستوى العالم كله.
أصبح أبناؤنا يتحدثون لغة “العربيزي” و”العربفنسي” ولغة “الحُقل”، وهي لغة البهائم التي لا يفهمها إلا سليمان عليه السلام. وبالتالي، التقصير نابع من السياسات التعليمية التي تأخذ ما عند الآخرين، وتصور ذلك بتنفيذ برامج ومناهج وضعت لغيرنا ننفذها كما هي بعد أن حذفوا منها ما يريدون. فلا يوجد لدينا أبطال، ولا عدالة، ولا قانون. أخذنا ما عندهم وقلنا إن هذا مقدس يُعبد، للأسف.
كيف يستطيع مشروع التنال العربي من سد الفجوة الحاصلة في تعليم اللغة العربية؟
بداية أقول إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فالأمم التي تحترم نفسها، من قيادتها إلى أصغر فرد فيها ساهموا في بناء امتحان الكفاية اللغوية وتُجبر على اجتياز امتحان لغتها، كما فعل اليهود مع اللغة العبرية وكانت لغة شبه ميتة لكن عندما أسسوا الجامعة العبرية في سنة 1925 م وضعوا قرارات منها : لا يقبل أي طالب مهما كان جنسه ودينه ولغته إلا بعد إجتيازه امتحان اللغة العبرية.
ثانيا لا يكتب أي مؤلف، ولا أي أمْلِية، ولا أي بحث إلا باللغة العبرية باستثناء المصطلحات الطبية التي لا ترجمة لها، أما نحن وللأسف نعمل ضد ذلك.
ثالثا التنال ليس بدعًا ولا خرقًا، وليس ضدًا ولا ندًا، وإنما يحق لنا كغيرنا أن تكون لنا هوية وشخصية، فكان التنال العربي. وأبشركم أن التنال معترف به وينفذ عالميًا، فنحن أعضاء في منظمة ممتحني اللغات في أوروبا (ALTE) بجامعة كامبريدج، وصدر اعتراف بكتاب رسمي من قبل اتحاد البرلمان العربي باعتماده في الدول العربية.
لدينا موافقات واتفاقيات مع معظم دول العالم، وأول دولة أخذت بامتحان التنال العربي هي إيران، حيث اعتمدته كشرط للقبول في درجتي الماجستير والدكتوراة، والآن كشرط للتخرج من مرحلة البكالوريوس. وثاني دولة اعتمدته هي جمهورية مصر العربية، ممثلة بوزارة التربية والتعليم، لدينا معها اتفاقيات بحيث لا يُعين أي معلم مهما كان تخصصه، حتى لو كان معلمًا للغة الإنجليزية، إلا بعد حصوله على شهادة التنال العربي. يُقام هذا الامتحان كاملاً بواسطة شبكة الإنترنت، ويشتمل على بنك أسئلة في النحو الوظيفي والصرف الوظيفي والإملاء والترقيم والأخطاء الشائعة.
من الناحية العملية كيف يستطيع مشروع التنال العربي من خدمة قطاعات الأعمال والإعلام ودور النشر على سبيل المثال؟
في هذا المشروع لدينا (حقيبة وسطية الأئمة والوعاظ والخطباء) لترقية اللغة العربية عند أئمتنا أحيانا يزل لسانهم، وهي تطبق في دول عديدة، لدينا كذلك (حقيبة خاصة بالإعلاميين) وما أدراك بالأخطاء التي يقعون فيها. وبالمناسبة قد دعيت من قبل الرئاسة الجزائرية وأعطيت دورة تدريبية خاصة لكبار الإعلاميين في الجزائر، كذلك لدينا (حقيبة المترجمين)، وعندنا (حقيبة المحامين)، و(حقيبة القضاة)، و(حقيبة الشرطة)، و(حقيبة الإفتاء)، فكل مهنة لديها حقيبة تدريبية لغوية ويقابله امتحان التنال في المادة نفسها، ليس ثقافةً بل لغة.
معنى ذلك أن طموح مشروع التنال العربي هو الوصول إلى اعتماد امتحان دولي في اللغة العربية يشبه امتحانات التوفل والآيلتس في اللغة الإنجليزية، أليس كذلك؟
بلى، بل أكثر من ذلك. إن امتحاننا الآن هو شهادة الكفاءة الدولية في اللغة العربية، ويعتمد على خمس مهارات. ويُعمل به في دول عديدة كشرط قبول لدراسة الماجستير والدكتوراة، وشرط للتخرج من درجة البكالوريوس، وشرط للتعيين والترقية، وشرط لممارسة مهن المحاماة والإعلام وغيرها. ومن هذه الدول التي تعتمد التنال العربي: إندونيسيا، والآن انضمت أوزبكستان، حيث ألغيت عندهم كل امتحانات الكفاية اللغوية الأخرى، بما في ذلك امتحان اللغة الروسية، وبقي امتحان التنال العربي كشرط قبول لدراسة الماجستير والدكتوراة، واعتمد كشرط للقبول الجامعي بداية بامتحان تحديد المستوى، وشرط لاعتماد المترجمين. وكل من يجتاز امتحان التنال العربي من الموظفين العموميين في أوزبكستان يزداد راتبه بنسبة 50%. وليس الأمر مقصوراً على أوزبكستان وحدها، بل هناك دول كثيرة تعتمد هذا النظام، والحمد لله.
ما المميزات التي سيتحصل عليها كل من اجتاز اختبار التنال العربي؟
كما قلت سابقا، إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، الدول التي تحترم لغتها تحترم كتابها ولغتها أجبرت أبناءها في جميع المجالات على أن يحصلوا على هذا الامتحان، وهذا يحتاج إلى دراسة واطلاع قبل أن يتقدم الإنسان إليه بالإضافة لدينا برنامج خاص لتدريب المدربين بلغة هذيل، في هذا البرنامج يدخل الطالب إما قبل 24 ساعة أو 33 ساعة بحسب الامتحان القبلي فيدخل الدورة كاملة وفي آخر الدورة يتقدم للامتحان فمن يحصل على درجة 85 % على الأقل يصبح مدرسا معتمدا لدى التنال العربي.
هل من كلمة أخيرة تود إضافتها؟
ختاماً، أرجو أن نتقي الله في لغتنا العربية، وأرجو أن نخلع قميص التبعية ونلبس قميص هذا الدين العظيم المقدس المبارك. أرجو أن يهدي الله أبناء أمتنا وينزع من عقولهم أن من يتقن اللغة الإنجليزية ويعمل بها سيأخذ وظيفة ويصبح غنيا. لا والله .. إن الأمة التي يسفك لسانها تبتر وتمسخ وتسلخ من ماضيها وحاضرها ومستقبلها.