تناول كتاب “قصة الورق .. تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة ” تأليف جوناثان بلوم وترجمة د. أحمد العدوي، و الصادر عن دار أدب للنشر والتوزيع 2021 م ، الدور المحوري الذي لعبه الورق في تطور الحضارة الإسلامية والكيفية التي نقل المسلمون بها المعرفة عن طريق صناعة الورق من شرق آسيا إلى غرب أوروبا في القرون الوسطى.
وفي ظل مجتمعات العولمة أضحى انتقال المعلومات فيما بينها في أقل جزء من الثانية إلا أن الصعوبة تكمن في مكان الوصول إلى أطياف محددة من المعرفة لاسيما تلك التي مازالت في بطون الكتب التقليدية المطبوعة على الورق.
وتتمثل صعوبة الوصول إلى مثل هذه الكتب في ندرة الكتب الأجنبية المنشورة في بلاد أخرى في المكتبات أو في دور بيع الكتب المحلية. بل ربما لم يسمع جمهور القراء المهتمين بها قط .
جاء الإلهام لمؤرخ الفن والعمارة الإسلامية والآسيوية البروفيسور الأمريكي جوناثان بلوم بدراسة هذا الموضوع أثناء دراسته للمخططات الهندسية في ديار الإسلام في القرون الوسطى على فرضية وجودها لكن أي هذه الأدلة وماهي النتائج المستخلصة من إثبات الفرضية ؟ وفي محاولة إجابة هذه الأسئلة على شكل مقالات ثم تقدم بمقترح لمطبعة جامعة يل (Yale University Press) يقضي بتأليف كتاب حول هذا الموضوع وأثارت اهتمام الناشر وبدلا من الحديث عن تاريخ الورق عالميا جاء محور تركيز الكتاب حول تاريخ الورق في العالم الاسلامي.
يقول مترجم الكتاب الدكتور أحمد العدوي في مقدمته : إن أحدا من الباحثين السابقين لم يعتن بدراسة أثر الورق في الحضارة الإسلامية كما فعل بلوم في هذا الكتاب ، فقد عالج بلوم قصة الورق في العالم الإسلامي على نحو مختلف تماما عما فعل غيره. بل أظنه فتح بابا من التساؤلات حول وجود تأثيرات أخرى لحلول الورق محل الرّق وأوراق البردي بوصفه حامل الكتابة الرئيس في العالم الإسلامي منذ منتصف القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي على أصعدة الحياة الفكرية والفنية والتقنية.
ويضيف مترجم الكتاب العدوي : ونسب بلوم الفضل للحضارة الإسلامية فيما تعلق بإدخال تقنيات صناعة الورق إلى أوروبا فقد اخترع جوتنبرج المطبعة في أعقاب معرفة أوروبا بالورق عن طريق مسلمي صقلية والأندلس مباشرة. وجادل بلوم في أن اختراع جوتنبرج المطبعة في أعقاب معرفة أوروبا بالورق عن طريق مسلمي صقلية والأندلس مباشرة .
وجادل بلوم في أن اختراع جوتنبرج ماكان ليجدي نفعا لو استخدمت آلته في الطباعة على الرق، فقد كانت تكلفة طباعة الكتاب على الرق تعادل تقريبا تكلفة نسخ الكتاب بخط اليد . وهكذا لولا صناعة الورق – أوروبا عرفت سر صناعتها من المسلمين – لما كان لاختراع جوتنبرج فائدة عملية تذكر.
على الرغم من تركيز المؤلف على تاريخ الورق في سياق العالم الإسلامي فإنه عرض تاريخ الورق على نحو شامل ، ومن منظور مقارن بين الصين والعالم الإسلامي وأوروبا .
ناقش بلوم في الفصل الأول حوامل الكتابة في بلاد ماوراء النهرين ومصر والصين منذ فجر التاريخ حتى اخترع الورق. ثم ناقش اختراع الورق في الصين وانتقاله إلى كوريا واليابان وآسيا الوسطى ثم معرفة المسلمين بالورق في نهاية المطاف.
وفي الفصل الثاني عرض بلوم للتحسينات الإقليمية التي أدخلها المسلمون على صناعة الورق، بعد أن وقفوا على سر صناعته من مسلمي آسيا الوسطى . كما ميز بين خصائص مختلف أنواع الورق الذي صنع على امتداد مساحات شاسعة من ديار الإسلام بداية من إقليم آسيا الوسطى مرورا ببلاد فارس والعراق والشام ومصر والمغرب وصولا إلى الورق المزجزج ذوي الجودة العالية المصنوع في شاطبة بالأندلس.
كما أظهر بلوم أثر ذلك الاتصال الحضاري بين الصين وآسيا الوسطى وبلاد فارس خاصة فيما يتعلق بتطوير تقنيات صنع الورق .
وفي الفصل الثالث ناقش بلوم أثر الورق في انتقال الثقافة القائمة على الحفظ والرواية في العالم الإسلامي إلى ثقافة مستندة إلى النص المدون ، كما ناقش خصائص الكتابة العربية ، وأثر الورق في تطور الخط العربي .
وناقش بلوم في كتابه “قصة الورق .. تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة ظاهرة ازدهار صناعة الورق وشيوعه بـ ” انفجار الكتب ” أو مانطلق عليه نحن في ثقافتنا “عصر التدوين ” كما تناول شيوع الورق وعلاقته بنشأة المكتبات الإسلامية العظيمة في القرون الوسطى ، وأخيرا أثر الورق في ثقافة التدوين.
وفي الفصل الرابع أوقف بلوم القارئ جليا على تلك التطورات التي نجمت عن معرفة المسلسل بالورق ، وكيف أعقب انتشاره تطور نظم التدوين بما في ذلك الترميز في مختلف العلوم والفنون كالرياضيات – التي حققت طفرة حقيقية مع تدوين الحسابات والمعادلات بالمداد والورق ثم الموسيقى ورسم الخرائط الجغرافية ، بل والتجارة أيضا .
في هذا الصدد تناو ل بلوم سلسلة من التأثيرات الثقافية التي ترقى إلى تغيرات ثورية تشبه كثيرا ملامح تلك المتغيرات التي تربت على اختراع المطبعة على يد جوتنبرج.
تناول الفصل السادس من كتاب “قصة الورق .. تاريخ الورق في العالم الإسلامي قبل ظهور الطباعة ” عملية انتقال صناعة الورق إلى أوروبا وتطورها هناك بعد ظهور الطباعة .
أما الفصل السابع فقد استعرض فيه المؤلف أثر ظهور الطباعة على تطور صناعة الورق وتصميم الخطوط العربية المبكرة في المطابع الأوروبية وبواكير المطبوعات العربية في مطابع أوروبا ولاسيما المصاحف. ثم عرج على رفض العالم الإسلامي تبني تقنية الطباعة وتفضيله عمليات النسخ التقليدية وسيلة لتكاثر الكتب.
وقارن بلوم بين موقف العالم الإسلامي في القرن الثاني الهجري / الثامن الميلادي عندما قبل المسلمون الورق بحماسة وبلا تردد وبين موقفه في القرن التاسع الهجري / الخامس عشر الميلادي عندما أظهر المسلمون التوجس والريبة من المطبعة . ودرس بلوم أسباب التفوق التقني لدى الأوربيين في مقابل الجمود والركود اللذين باتت تتميز بهما التقنية في العالم الإسلامي منذ آواخر العصر المملوكي ومعظم العصر العثماني .
وفي نهاية الكتاب اختتم بمقالة ببلوجرافية تضمنت عرضا لمصادر موضوعه ، وإرشادات عامة للباحثين بشأن نطاقها وكيفية التعامل معها . ثم أتبعها بقائمة المصادر والمراجع.