اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، الظلم هو ظلم النفس وظلم الناس والظلم في حق الله تعالى. ومن أشكاله ضياع الحقوق، وقتل النفوس أو إيذاؤها، وإهانة الإنسان وقهره، وانتهاك الحُرمات، أو ما يعرف في العصر الحديث بانتهاك حقوق الإنسان. يشمل انتهاك الحقوق استضعاف الناس، وحرمانهم، واضطهادهم دون مبرر أو بحجة ضعيفة.
فطرة الظلم ومصادره
الظلم منبوذ في النفوس فطرة، ولكن النفوس المريضة تجد فيه لذة الانتصار والتشفي. السلوك العدواني ينشأ مكتسباً في الإنسان وليس جبلة في خلقه، فقد يعود إلى أساليب تربوية خاطئة أو حوادث معينة في حياته أدت إلى تشوه نفسي في شخصيته. وهذا يخالف ما ذهب إليه المتنبي حين قال:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد == ذا عفة فلعلة لا يظلم
إذا كان ما ذهب إليه الشاعر شائعاً في بعض الأوساط التي عاش فيها صحبة الحكام، حيث التنافس بين الحاشية على أشده، فإن ذلك ليس طابع الحياة العام. لعله قد لمس الحقيقة حين استثنى العلة التي تحول دون قبول الظلم، وهو الإيمان بالله والاستجابة لرسالته المنافية للعدوان والتشفي. أما النفوس السليمة فتستعيذ بالله من الظلم لقبحه ومعارضته لشيمها وأخلاقها.
العواقب الوخيمة للظلم
قال تعالى على لسان يوسف عليه السلام: ﴿قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ نَأْخُذَ إِلَّا مَنْ وَجَدْنَا مَتَاعَنَا عِنْدَهُ إِنَّا إِذًا لَظَالِمُونَ ﴾ [يوسف: 79].
قد يحدث نتيجة الظلم ظلمٌ مضاد أقوى في ردة فعله من الظلم الأول، وربما أدى إلى دمار الظالم، ومن يتصل به، مصداقاً لقوله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾ [الأنفال: 25].
قد تحدث مضاعفات للمظلوم غير متوقعة حين يصاب بمرض نفسي أو جسدي خطير. فقد ثبت أن عدداً من الأمراض النفسية والعقلية عائد إلى ضغوط ناتجة عن ظلم شديد من طرف أقوى.
من الآثار القاسية نتيجة الظلم ما يسببه من الحروب والثارات الجماعية والفردية، والعدوان بمختلف أشكاله المادية والمعنوية. ينتج عن ذلك إراقة للدماء، وهتك للأعراض، وإكراه للنفوس، وسلب للأموال، واغتصاب للأرض والعرض. في أدنى ذلك ما يثير غضب الله وغضب الضمائر الحية في الناس. قال تعالى: ﴿وَمَا اعْتَدَيْنَا إِنَّا إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ﴾ [المائدة: 107].
فقدان الأمن والشعور بالخوف
أسوأ ما يقع من ذلك على النفس البشرية هو فقدان الأمن والشعور بالخوف والقلق، مما يسبب مشاعر الإحباط وضعف الأمل والإذلال والإقصاء. يترتب على ذلك قلة الغطاء المادي والمعنوي، وضآلة الإبداع الذي يتطلب الاستقرار النفسي والأمن التام من جميع أنواع الخوف. لذا، فقد امتن الله على قريش بالأمن باعتباره أحد أهم الحاجات الضرورية للإنسان، فقال سبحانه: ﴿فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (٣) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ ﴾ [قريش: 3-4].
خطر الظلم في القرآن الكريم
يتضح من قراءة بعض آيات القرآن الكريم أن خطر الظلم ليس مقتصراً على المظلومين، بل هو على الظالمين أكثر قسوة وأعظم خطراً؛ لأنه يقودهم إلى جهنم، حتى لكأنها لم تخلق لغيرهم نظراً لسعة الظلم، وشدة خطره، قال تعالى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾ [الأعراف: 41].
نفهم من بعض آيات القرآن أن الصفة الجامعة لكل أهل النار هي الظلم، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ﴾ [الأعراف: 44].
أشكال الظلم: العدوان
وردت الإشارة إلى العدوان في القرآن الكريم سبعاً وستين مرة، وذلك في سياق استنكاره، والنهي عن فعله، وألفاظه تلي ألفاظ الظلم عدداً وتقاربها معنى، وقد اقترنت هذه الصفة في القرآن الكريم بالإثم والبغضاء والظلم، فمن ذلك ما جاء في قوله تعالى قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ﴾ [النساء: 30].
العدوان محرم في الإسلام باعتباره أداة الظلم ووسيلة تحقيقه. لا يباح العدوان إلا للرد على المعتدي، ودون تجاوز حدود اعتدائه، وفي ذلك يقول تعالى على سبيل المشاكلة: ﴿فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ [البقرة: 194].
والعدوان ظلم سواء وقع على المسلم أو على غير المسلم، فقد امتدح الرسول الكريم حلف الفضول الذي عُقد في الجاهلية؛ لأنه يدعو إلى دفع الظلم على كل مظلوم، حيث تعاقد مبرموه، وتعاهدوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوماً من أهلها وغيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه حتى تُرد إليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول.
فقال عنه الرسول ﷺ وكان فيمن حضره: «لقد شهدت في دار عبد الله حلفاً ما أحب أن لي به حمر النعم، ولو أُدعى إليه في الإسلام لأجبت» ويتأكد تحريم الظلم في حق المعاهد، وهو الذمي الذي يكون في حماية الدولة، ويحتفظ بدينه، فقد روي عن عدة من أبناء أصحاب رسول الله ﷺ عن آبائهم دنية عن رسول الله ﷺ قال: «ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته، أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس، فأنا حجيجه يوم القيامة».
كم يبدو غريباً على الرغم من القائلين بالخوف من الإسلام والتحذير من كتاب الله بحجة التحريض على العنف، أو أنه لا يقبل الآخر، ولا يستوعب الحوار معه، أو لا يحترم حريات غير المسلمين، أو لا يحفظ حقوقهم. تبين بالدليل القاطع بطلان هذه المزاعم، وبدا جلياً أن العدوان مظهر مادي للظلم مرفوض من الإسلام بكل أنواعه. تناولت آيات الله وأحاديث رسول الله ﷺ العدوان بشيء من التفصيل والتمثيل.