على مدار التَّاريخ شهد دور المؤسَّسات الدينية في العالم الإسلاميّ موجاتٍ مُتتابعةٍ من المدِّ والجزر؛ بخاصة في العصر الحديث الذي ثار فيه جدل لم ينقطع حول أزمة المؤسَّسة الدِّينية، وطبيعة إشكالاتها، وأدوارها ومهامها في الزمن الراهن، فضلا عن جملة التَّحديات الجديدة التي فرضها، ويفرضها، الواقع المعاصر؛ وفي مقدِّمتها : الخوف المتنامي من الحركات الدِّينية الصَّاعدة منذ عشرينيات القرن الماضي، وتهالك المرجعية الدِّينية، وسحب بساط السُّلطة من تحت هذه المؤسَّسات لصالح نجوم الفضائيات الدِّينية، والزَّخم الدِّيني والدعوى على شبكة الإنترنت، ونقيضه أيضا ممثلا في المدّ الإلحادي الجارف لدى قطاعات ليست قليلة من الشباب في العالم العربي الإسلامي.
وفضلا عن هذا الصُّعود المتزايد للبدائل التي ملأت فراغاتٍ خلَّفتها أزمة المؤسَّسة الدِّينية الإسلامية المعاصرة من ورائها، وقيام تلك البدائل بكثير من الأدوار التَّقليدية التي كان معهودًا في السَّابق أن تقوم بها المؤسَّسات الدِّينية، بل وأن تحتكرها، فإنَّ ثمة أزماتٍ بنيوية تتعلَّق ببنية المؤسَّسات الدِّينية التَّقليدية وتقنينها وهيكليتها، وخطاب كثير من الممثِّلين لها. وإذا تجاوزنا بعض الأزمات التي تتعلَّق مباشرة بإدارة أو تدبير الشَّأن الدِّيني المحض؛ فإنَّنا نلاحظ أنَّ الأزمات التي تتعلَّق بإدارة الشَّأن الدُّنيويّ الخالص، أو ما يجمع بينهما، ظلَّت لحقبة طويلة الأكثرَ إثارةً للجدل وحِدَّةً في آنٍ معًا.
ما المقصود بالمؤسَّسات الدِّينية؟
نعني بالمؤسَّسات الدِّينية تحديدًا؛ تلك التي تتبنَّاها الدَّولة بشكل رسميٍ، وهي التي يمكن أن نُطلق عليها لقب “مؤسَّسات المتن”؛ شأنُ الأزهر في مصر، والزَّيتونة في تونس، وهيئة كبار العلماء في السُّعودية، تمييزًا لها عمَّا نطلق عليه مُسمَّى “مؤسَّسات الهامِش”؛ ونقصد بها تلك التي تحظى بشهرة أوسع ربما – بفضل انتشار الفضائيات ومواقع التَّواصل الاجتماعي- ولكن بمصداقية أقل.
ومن ثم لا يدخل في اهتمامنا الأفراد من الفقهاء والعلماء وأمثالهم، وكذلك الحركات الإسلامية غير الرسمية؛ على الرُّغم من أننا لا نزال في أمسِّ حاجة لأن نبحث طبيعة العلاقة التي تربط فيما بينها وبين المؤسَّسة الدِّينية الرسمية؟! وما إذا كانت تلك الحركات قد استفادت من ضمور التَّأثير، وتكلُّس المصداقية بالنِّسبة لتلك المؤسَّسات الرسمية أم لا؟! وما هي الطُّرق المثلى التي يمكن أن تنْهض بدور تلك المؤسَّسات من جديد؟!
ولا شكّ أنَّ الحديث عن واقع وتحديات المؤسَّسات الدِّينية في الزَّمن الرَّاهن يفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من التَّساؤُلات التي تتوزَّع بدورها على محاور عدَّة منها ما يتعلَّق بسؤال الأصالة والتَّجديد، ومنها ما يختصُّ برصد حالة الشَّدِّ والجذْب مع السُّلطة السِّياسية، ومنها ما يدور حول هامشية تأثير تلك المؤسَّسات في الفضاء الاجتماعيّ بعد أن كانت حاضرةً – وبقوَّة – في فضاء التحرُّر الوطني أثناء الحِقْبة الاستعمارية، ومنها ما يتعلَّق بمواقف تلك المؤسَّسات من ثورات، أو انتفاضات، الرَّبيع العربيِّ : سلبًا، أو إيجابا، ومنها ما يتعلَّق بإسهام – أو قدرة – تلك المؤسَّسات في/على دعم عملية الانتقال الدِّيمقراطي؛ خاصَّة فيما يتعلَّق بقضايا المواطنة، والحقوق العامَّة، والدور الاجتماعيّ للمؤسَّسات الدِّينية…إلخ.
أيضًا ثمة أسئلة تتعلَّق بوضع تلك المؤسَّسات في الدستوريْن الأخيريْن اللذين صدرا في مصر بعيد الثورة، ونوعية الوثائق السِّياسية التي صدرتْ عنها، واختصاص الأزهر – ممثَّلا في هيئة كبار العلماء – بدور شبه تشريعي فيما يتعلَّق بسن القوانين التي تتَّصل بأمور الشَّريعة الإسلامية، ومنها ما يتعلَّق برصْد امتدادات هذا الحضور خارج الحدود الجغرافية وفقا لثالوث: المكانة، والتَّأثير، والحصانة.
وعلى ما يبدو؛ فإنَّ الأزمات الكبرى التي تُعانيها المؤسَّسات الدِّينية في الزَّمن الراهن نابعةٌ في أغلبها من هيمنة السُّلطة السِّياسية عليها بما يضمن تدْجِينها واستتباعها والحيلولة دون استقلاليتها.
أيضا تطرح تلك الأزمات سؤالا مهمًّا حول طبيعة التَّجمُّعات والهيئات والائتلافات التي طرحتْ نفسها بديلا عن المؤسَّسات الرسمية للقيام بجملة أدوارٍ اجتماعية وسياسية ترى عجْز المؤسَّسة التَّاريخية عن النهوض بها، أو على الأقل قصور أدائها فيها، مع ملاحظة اقترابها من طروحات الجماعات والحركات الأصولية.
وإذا كانت الوظيفة الاجتماعية للمؤسَّسة الدِّينية في المجال العام تكون عبر جسْر الفتوى والإفتاء؛ فإنَّ التَّركيز على دور دار الإفتاء من الأحداث السِّياسية قبل الثورة وبعدها يحتل أهمية كبرى في سياق دراسة المؤسَّسات الدِّينية. وعلى هذا؛ فإنَّ المؤسَّسة الدِّينية المصرية تتقاسمها رموزٌ ثلاثة هي : الأزهر الشَّريف (جامِعًا وجامعةً)، ودار الإفتاء، ووزارةُ الأوقاف.
أمَّا الأزهر؛ فقد عُرف طوال تاريخه بوصفه رحِمًا للثورات الشَّعبية. وأمَّا دار الإفتاء؛ فلأنها الجزء الباقي من نظام متكامل للإفتاء الشَّرعي في مصر، كان بدوره جزءا من نظام المحاكم الشَّرعية. وأمَّا وزارة الأوقاف؛ فلأنَّها تضطلع بأدوار تتجاوز حدود تنظيم العمل الدعوي إلى تأميم المساجد، فضلا عن اختراقها – بل تبعيتها الكاملة- من قِبل الأجهزة الأمنية.
الدِّين الرَّسمي والدِّين الشَّعبي
يُفرِّق كثير من الباحثين ما بين شكلين رئيسين من أشكال التَّديُن: أولهما رسمي، وثانيهما غير رسمي، أو شعْبي. والحال أنَّ التَّمييز بين ما هو رسميٌّ وما هو غيرُ رسمي إنَّما يقومُ في الأساس على اعتبار أنَّ الأول منهما هو عبارة عن تديُن يركنُ إلى الأصول والنُّصوص والشَّريعة والسُّـنَّة، بينما الآخر يقوم على الاختيار الرُّوحي للأولياء الذين يدخلون في وساطة بين اللَّه وبين النَّاس، مع ضرورة التَّفريق بين نوعين من الأولياء: الأولياءُ الموقَّرُون الذين يحْظون بالقداسة على المستويات كافّة، والأولياءُ الشَّعْبيُون وهم أصحابُ مظاهر فلكلوريةٍ تجتمع لديهم البرَكة ويمنحونها لمريديهم.
ومن ثمَّ؛ فإنَّ التَّديُن الشَّعبي هو في الأصل عبارة عن ممارسة الدِّين في الحياة اليومية استنادا إلى تعظيم الأولياء والقدِّيسين. وهذا النوع من التَّديُن، بوصفه أداةً من أدوات العوام لحلِّ مشاكلهم بطريقةٍ ذاتيةٍ، يُعدُّ بمثابة ردِّ فعل عفوي من أجل التَّعامُل مع المشكلات اليومية العويصة التي تقف حائلا دون إشباع الاحتياجات الفردية والجماعية. وإذا كنَّا نُشير هنا إلى أنَّ التَّديُن الشَّعبيّ، أو التَّنظيمات المرتبطة به، بوصفها آلية مهمَّة لتخفيف شكوى المعْدَمين من وطأة الحياة المادية شديدةِ الصُّعوبة؛ فإنَّه يُمكنُنا أنْ نُميز أيضًا بين العقل البروليتاري وعقل السُّلطة؛ خاصَّة وأنَّ التَّناقُض الكائن بينهما يجعل من الدِّين أرضية مُشتركة بين أطراف التَّناقض!
ويتبع التَّفريق بين المؤسَّسات الدِّينية (مؤسَّسات المتن ومؤسَّسات الهامش)، تفرقة أخرى يُقيمها الباحثون بين “الدِّين الرسميّ” من جهة و “الدِّين الشَّعبي” من جهة أخرى. أمَّا الأول؛ فيُقصدُ به جملة المعتقدات والممارسات الدِّينية كما تُحدِّدها النُّصوص الدِّينية، والمؤسَّسات الدِّينية التَّاريخية، وكما يحدِّدها علماء الدِّين القائمون عليها. ويتمثَّل في المجتمع العربي عند المسلمين بالمعاهد الدِّينية والمساجد والزوايا الصوفية ومدارس العلم العتيقة والفقهاء والشيوخ وعلماء الدِّين المعنيين بتفسير المعتقدات والطُّقوس انطلاقاً من النَّصِّ القرآني والشَّريعة والوحي. ويُعتبر الأزهر الشَّريف لدى السُّنَّة أهم رموز هذه المؤسَّسة الرسمية، بينما يُعتبر النَّجف الأشرف مركز المؤسَّسة الشِّيعية.
كذلك يتمثَّل “الدِّين الرسمي” لدى المسيحيين العرب بالكنائس والبطريركيات المختلفة. ومن منظور هذه المؤسَّسات يصدر ما يُعتبر التَّفسير الصَّحيح والأصيل للمُعتقدات والممارسات الدِّينية. ومن ثمَّ يترسَّخ الدِّين الرّسمي حيث تقوم “تراتُبية هرمية” بين رجال الدِّين وعلمائه فيحصلون على الألقاب والامتيازات، وتتوثَّق علاقتهم بالسَّلطة السِّياسية؛ وبخاصة منذ العهد العثماني حين مُنِح علماء الدِّين رُتَبًا وألقابًا تدلُّ على مواقعهم في هرمية السُّلطة الدِّينية.
أمَّا العناصر الأساسية التي يتشكَّل منها “الإسلام الرسمي”؛ فهي : النَّص أو الوحي الإلهي أو الكلمة، والشَّريعة، وفكرة التَّوحيد مقرونةً بغياب وسطاء بين المؤمن واللَّه، والتَّفسيرات الأصولية، والمؤسَّسة الدِّينية، والعلاقة الوثيقة بالسُّلطة المركزية والطَّبقات أو العائلات الحاكمة، والمساجد، والزَّوايا، والعلماء. ويكون مركز المؤسَّسة الدِّينية الرسمية المدن؛ وبخاصة العواصم، ويضعف نفوذها – أو تقلُّ سلطتها – في الأرياف والبوادي.
أمَّا الدِّين الشَّعبي؛ فيُقصد به جملة المعتقدات والممارسات الدِّينية التي تتمُّ ممارستُها باستقلالٍ نسبيٍ عن المؤسَّسة الدِّينية الرسمية. وهو شديد التنوع بحسب البيئات ونظُم المجتمع والأحوال الاقتصادية والأنماط المعيشية، كما أنَّه يتمركزُ عادة حول المزارات، أو أضرحة الأولياء والقدِّيسين الصَّالحين، ممن لهم أصول في التَّاريخ، وبالمثل حول شخصيات أسطورية غير تاريخية.
التَّصوف بوصفه مظهرا من مظاهر التَّديُن الشَّعبي
يتميز التَّديُن الشَّعبي بمجموعة من العناصر في مقدِّمتها : تدرُّجات القداسَة، والتَّفسيرات الرَّمزية، وضعف العلاقة مع علماء الدِّين (خاصَّة من يُمثِّلون السُّلطة)، والتمسُّك بتقاليد مشتركة بين مختلف الطَّوائف مُستمدَّة من عهود قديمة قد تعود في بعضها إلى ما قبل نشوء الدِّيانات التَّوحيدية.
ومن عناصره الأخرى : التَّشديد على شخْصَنة القوى المقدَّسة والوسطاء بين المؤمن واللَّه، والتَّشديد على أهمية التَّجربة الرُّوحية الذَّاتية والورَع الدَّاخلي للأفراد، والإيمان بالعجائب الخارقة وبالكرامات والبرَكَة، وتأويل النُّصوص تأويلا باطنيا، كما يتمركز التعبُّد حول شخص الولي والقدِّيس أكثر منه على النُّصوص والتَّعاليم المجرَّدة.
ولهذا يُعدُّ “التَّصوف” من أبرز الفضاءات التي تتجلَّى فيها ممارسات التَّديُّن الشَّعبي بشكل واضح حيث ينتشر التَّديُّن الشَّعبي؛ خاصَّة في الريف والبادية وبين الفقراء والمحرومين والضُّعفاء، كما أنَّه محبَّبٌ كثيرًا إلى النِّساء خاصَّة المتقدِّمات بالعمر، وحيث يقوم فصْلٌ بين عالمَي المرأة والرَّجل، والطَّبقات الدُّنيا والفلاحين وجموع البُؤساء.
وبحسب الباحثين؛ فإنَّ المجتمع العربي يتميَّز بتقسيم فضائيٍّ بين الجنسين؛ “فكلُّ ما هو مُغلق ينتمي إلى فضاء المرأة، وكلُّ ما هو عام ينتمي إلى فضاء الرجل. وقد لوحظ أنَّ زيارة الأولياء شبه مقصورة على نساء الطبقات الفقيرة؛ وذلك لأنَّ الحاجة إلى زيارة الأولياء ترتبط بمشاكل المجتمع التي تمسُّ النَّاس ومنها البطالة، والرُّسوب المدرسي، كما يتيح الفرصة للتَّعبير عن النَّفس؛ أي الإفصاح عن الآلام والصُّعوبات الدَّاخلية التي لا يتمُّ التَّعبير عنها بصوت عالٍ”.
وبقدر ما تكون الثِّقة عميقة بالأولياء الصَّالحين بقدر ما يكون الابتعاد عن العلماء ورجال المؤسَّسات الدِّينية الذين يتمسَّكون حرفيًا بالنُّصوص الشَّرعية. كذلك يتَّسع انتشار أنماط التَّديُّن الشَّعبي عندما يتحوَّل “اللَّه” إلى فكرة مجرَّدة نادرة التَّجلِّي في الواقع المعيش. من هنا تأتي نظرية ديفيد هيوم (1711 – 1776) التي تقول بالصِّراع والتَّأرجُح بين سيادة تعدُّد الآلهة والتَّوحيد. وفي رأي هيوم؛ فإنَّ المجتمعات تنتقل من التَّعدُّدية إلى التَّوحيد ثم تعود إلى التَّعدُّدية من جديد عندما يبتعد “اللَّه” عن النَّاس؛ أي عندما يُصبح مفهوم “اللَّه” شديد التَّجريد فيحتاج المؤمن إلى وسيطٍ حِسِّيٍ يصل بينه وبين اللَّه.
وانطلاقاً من هذه النَّظرية استخدم إرنست غلنر مفهوم “البندلوم”(Pendulum) للإشارة إلى الصِّراع القائم في الإسلام بين “الدِّين الرَّسمي” من جهة، وبين “الدِّين الشَّعبي” من جهة أخرى في المجتمعات العربية، أو التأرجُح بين سيطرة أحد القطبين : قطبُ التَّوحيد والسُّنَّة والوحي من ناحية، وقطبُ التَّعبُّد للأولياء على أنهم وسطاء بين المؤمن واللَّه والاختبار الذَّاتي والحدس من ناحية أخرى.
وبعيدًا عن التَّنظير المتعلِّق بإظهار الفرق بين الدِّين الرَّسمي ونظيره الشَّعبي، فإنَّ ثمة يقينًا يسودُ في الحسِّ الجمعي بأنَّ ظاهرة الأولياء جزءٌ لا يتجزأ من التُّراث الشَّعبي الدِّيني Folk Religion، الذي يخلع عليهم مكانة كبيرة دون غيرهم. ولا شك أنَّ وجود أكثر من (2850) مقامًا للأولياء في مصر يُرسِّخ ذلك الاعتقاد ويكشف في الوقت نفسه عن طبيعة البنية الذِّهنية للمجتمع المصري، والتفكير الجمعي السائد فيه، كما يكشف أيضًا عن آليات صنع/ابتكار النَّسيج الأسطوري الذي يتكوَّن من خلاله كلٌّ من الفكر والاعتقاد.
الأبعاد الخمسة للتَّديُن
يتحصَّل مما سبق؛ أنَّ ثمة اتفاقا عامَّا على إمكانية دراسة “الظَّاهرة الدِّينية”، أو ما يُطلَق عليه “التَّعبير الجماعيُّ عن الخبرة الدِّينية”، وفق ثلاثة محاور رئيسة هي :
أولا : الدِّين الفرديُّ (المعْتَقَد/ قاعُ الظَّاهرة الدِّينية)؛ أو ما يمكن أن نُطلق عليه مُسمَّى “الحِسُّ الدِّيني” أو “الخِبرةُ الفردِّية للدِّين”.
ثانيا : الدِّين الجمْعِيُّ (الطَّقْس/ وسَطُ الظَّاهرة الدِّينية)؛ وهو الذي يُعدُّ نتاجًا للخبرات الدِّينية الفردية، ومكوِّنًا للمعتقد الدِّيني اجتماعيا، أي أنه الذي يحيلُ الدِّين إلى “ظاهرة اجتماعيّة”.
ثالثا : الدِّين المؤسَّسي (الأُسْطورة/ ذُروة الظَّاهرة الدِّينية)؛ وهو الذي تتحوَّل فيه “الخِبْرة الدِّينية” إلى “مُؤسَّسة سياسية” أو “دينٍ جمعيٍ” بحيث يُسْتَخْدَمُ كأداةٍ للضَّغْط والتَّحكُم. وهو الذي يُمارَس فيه الدِّين أيضًا بوصفه بنية اجتماعية تشَّكلتْ مع بروز شكل الدَّولة في المجتمعات الإنسانية؛ خاصَّة في المراحل الانتقالية ما بين “المجتمعات القروية” ونظيرتها “المدينية” الأولى.
ويترتَّب على هذه الأنواع خمسة أبعادٌ أو أنماط للتَّديُن؛ هي :
1- بُعْدٌ تجريبيٌّ للحياة، أو الخِبْرة الدِّينية.
2- وبُعْدٌ شعائِريٌّ يتمثَّل في جُملة الممارسات والطُّقوس التَّعبُّديَّة.
3- وبُعْدٌ إيديولوجيٌّ يسْتندُ إلى العقيدة أكثر مما يتَّكِئُ على الشُّعور الدِّيني.
4- وبُعْدٌ ثقافيٌّ فكريٌّ يرْتبط بصورةٍ أوسعَ بما يتجاوز النُّصوص والعقائد.
5- وأخيرًا بُعْدٌ نتائِجِيٌّ؛ أي مُحصَّلة النَّتائج المختلفة التي تنتجُ عن الحياة التَّجريبية، والممارسات والعقائد الدِّينية.