هناك اعترافات قد تبوح بها الزوجة لزوجها من قبيل الفضفضة، والثقة به بلا حدود لها، وهو بدوره قد أعطاها كل الضمانات المعنوية بأنه لن يتفوه بهذا الكلام أمام أحد أبدًا، وفجأة تكون الزوجة بصدد الحديث عن أحد من هؤلاء فتجد الزوج يُذكرها بسره، وتسمع لمزًا صادمًا من قبيل هذا الذي كان كذا وكذا.. وهنا تُصدم الزوجة وتقرر ألا تفضفض مع زوجها ثانيةً. فهل هناك شيء اسمه الأسرار الزوجية وكيف نعالجها ونتعامل معها؟
عندما تسعى الزوجة (أو الزوج أيضا) إلى استراتيجية الفضفضة ثم تصاب بالصدمة، فإن فكرها يأخذها أحيانًا لإعادة الحسابات وتظل تتهم نفسها بأنها فشلت في قراءة شخصية زوجها، وتتمنى أن كانت احتفظت بأسرارها.
المعايرة الزوجية
الحقيقة أن دراسة اجتماعية بعنوان “استمرار الحياة الزوجية واختلاف المعايير” للباحث الاجتماعي عزت عبد الله نوير، قد استوقفتني عندما ذكر بها أن 38 امرأة من بين 60 قد اعترفن بأنهن تعرضن للمعايرة من قِبَل أزواجهن بأشياء كُن قد فضفضن بها لهم في ساعة صفاء.
فما الذي يدفع رجلاً ناضجًا بأن يلمز بل يلكز زوجته بأشياء من قبيل المعايرة تخصها وتخص أقرباءها وهي التي ائتمنته عليها ووعدها ولو ضمنيًّا بأنه لن يأتي على هذه الأسرار أبدا في حياتهما ولا أمام أحد؟!
بحسب الدراسة، يتحجج الرجال في هذا الإطار ببعض المبررات منها أن الزوجة ساذجة طيبة لا تعرف معنى قيام هؤلاء الناس بهذه الأفعال، وأنه من خلال ذكره لهذه الأمور ومعايرتها بها يريد أن يلفت نظرها إلى أنها لا بد أن تقطع علاقتها بهذه الشخصية، أي أنه يريد مصلحتها ويلعب دور الناصح من خلال الهمز واللمز!
فهو الرجل يقرأ في أصحاب هذه التصرفات ما لا تقرؤه الزوجة ويكتشف من خلال تحليلاته الألمعية أن هذه أفعال مشينة فيلجأ لأسلوب أقل ما يوصف به أنه غدر، ويا للعجب! فالزوجة لم تحكِ هذه الأسرار لزوجها لتعلن كرهها لهذه الشخصيات أو أنها ترى أنها أفعال تشينهم فلو كانت ترى ذلك ما حكتها له، فقد كانت مجرد دردشة.
في الحرب.. كل الوسائل مباحة
يرى هذا النوع من الرجال أن أي خلاف في حواره مع زوجته هو جولة في معركة كلامية دائرة بينهم على مراحل تتباعد أحيانًا وأخرى تتقارب، وهنا كل الوسائل في الحرب مباحة، وسيلة الجدال، وسيلة السفسطة، وسيلة المعايرة… وما تكسب به العب به!
فهو يرى أنه يجب ألا يخسر، وأن وجهة نظره يجب أن تنتصر، فإن كانت في معرِض دفاع عن أحد أقاربها أو أصدقائها ذكرها بأن هذا الشخص هو من فعل يومًا كذا وكذا، في حين أن هذا الزوج يخسر أكثر مما يكسب بكثير، فصدمة زوجته فيه وإحساسها بضياع المعاني التي افترضت أن زوجها يمثلها من حفظ للسر وأمانة الحديث، فضلاً عن سقوطه المروع من نظرها.
كل ذلك يمثل له ولحياته خسارة أفدح وأقسى بكثير من النصر الكلامي الذي حققه أثناء جداله معها والذي دق به مسمارًا – ليس بالقصير- في نعش علاقته بها، فإن كنت، أيها الزوج المعاير، على قناعة بأن ما سمعته من زوجتك مشين وهو يمسها ويمس أقارب لها، فكيف تذكره في معرِض معايرة وهي لم تزل زوجتك وأم أولادك؟!
ويرجع الباحث هذا الأمر في أصله إلى نوعية شخصية الزوج، فهذه مسألة يؤثر فيها البُعد النفسي أثرًا بالغًا، فالشخصية الهستيرية مثلا تتغير بشكل حاد في سلوكها من حين لآخر، فنفس الزوج الذي وعد زوجته بأن يستر كل أسرارها هو الذي قد يعايرها فجأة وبدون حسابات منطقية، ثم يذهب ليبرر ذلك ويتحلل من شخصيته بتقمص شخصية أخرى مثل ذلك الذي يتحجج بأنه ناصح لزوجته ويريد مصلحتها.
والأقرب لارتكاب هذا النوع من الأخطاء هم أصحاب الشخصية الفصامية، وتحليل ذلك أن كون الزوجة قد أمِنت الزوج وصرحت له بسر لا تبوح لغيره به أنها قد رأت منه جانبًا يدعوها للاطمئنان له، وفي نفس الوقت كونه قد عايرها به في موقف ما يعني أنه فصامي لديه جانب آخر لم تكن الزوجة تراه، ولم يستطع هو أن يقاوم هذا الجانب بداخله، فتحول فجأة أمام زوجته إلى شخص آخر.
قراءة الشخصية
وعلى الجانب الآخر فتقبُّل الزوجة لمعايرة زوجها لها أو تباين ردود أفعالها حيال هذه المعايرة يرجع أيضًا لنوعية شخصيتها على المستوى النفسي توازيًا مع التغيرات الاجتماعية التي أصابت المجتمع؛ فلم يعد هذا الأمر من الأمور التي تتسامح فيها الزوجة وتقول “عيشة والسلام”.
قديمًا كانت مبررات تحمل المرأة لأخطاء الزوج عديدة على رأسها الأولاد والحالة الاقتصادية والتصور المعمَّق لطبيعة الرجولة ومفهومها، ولا شك – برؤيتي المتواضعة- أن هذه الأشياء كان منها ما يُعتبر قيمة اجتماعية عُليا كانت تدفع في اتجاه الحفاظ على قوام الأسرة وتماسكها، وكثيرًا ما كان يتم تخطيء الزوج، ولكن في إطار يحافظ على الأسرة وقوامها، وطبعًا كان منها ما هو خطأ في حق الزوجة وظلم لها.
وهو ما ينقلنا للوضع حاليًّا فقد استُغل هذا الظلم الذي مورس على المرأة ووظِّف في اتجاه هدم الأسرة أو على الأقل قلب الموازين الأسرية، فأصبح معنى نيل المرأة حقها أن يكون ملاذها السريع المحكمة أو طلب الطلاق، ومن المستغرب هنا أن حرص الزوجة على بيتها وأسرتها، وبالأخص أولادها لم يعد مثل ذي قبل، وطلبات الطلاق المقدمة في المحاكم لأتفه الأسباب خير شاهد على ذلك؛ وقضية المعايرة ليست قضية تافهة في حياة الزوجين، لكن الزوجة يجب أن تقيم التوازن الذي يحفظ عليها بيتها وأسرتها وفي الوقت ذاته يكون رادعًا قويًّا للزوج ألا يكرر هذا الفعل الجارح.
لا بد أن تستفيد الفتاة من فترة الخطوبة بقراءة شخصية خطيبها؛ فهذه الأمور من السهل استيضاحها أثناء فترة الخطوبة، فلا بد أن تراقب ردود أفعاله وتحللها أثناء خلافاتهم وتقرأ – بقدر المستطاع- ما وراءها من دلالات ومن هنا تقرر كيف ستتعامل معه ما دامت ستكمل معه المشوار، فمن المؤكد أن فترة الخطوبة ستأتي لها بالكثير عنه حتى أثناء حكاياته هو عن نفسه حيث يوضح الكثير من صفاته دون أن يدري.
أما من عانت بالفعل هذه التجربة فعليها إعادة حساباتها في هذا الإطار فهي أدرى الناس بزوجها إن كان العتاب واللوم سيجديان معه أم لا فلا بد أن تضغط عليه شعوريًّا وتؤكد له من حين لآخر أنه أخطأ في حقها بما فعله وجرحها في حين أنه لم يراعِ -حتى- أنها اختارته هو لتبوح له بهذه الأسرار دون غيره، وأن المسألة أثّرت فيها أثرًا بالغًا يمنعها – حتى- من التعامل معه بشكل طبيعي لمدة معينة، ربما تخرج باعتذار ووعد شديد التوثيق بألا يكرر ما فعل ثانيةً، وإلا فلتسقط الفضفضة.
عمرو طاحون5>