تعدُّ الأعياد وآثارها على المسلمين أو على غيرهم من الديانات الأخرى من الموضوعات التي لم تُطرق كثيراً ولم يؤلف عنها الكثير من الكتب والدراسات المستقلة تتناول تاريخها وتطوراتها عبر مراحل التاريخ المختلفة، رغم مكانة الأعياد في مختلف الديانات وورودها في بعض مصادر ما قبل الإسلام، بالإضافة إلى المصدرَيْن الأساسيّيْن في تاريخ الإسلام (القرآن الكريم والسنة والنبوية).
ومع هذا، فإن هناك بعض الكتب التي تحاول أن تستعرض جوانب من طبيعة وعادات وأنواع الأعياد في محطات التاريخ، ومن تلك الكتب كتاب “الأعياد وأثرها على المسلمين” لسليمان بن سالم السحيمي، الذي يحدثنا فيه عن مفهوم العيد، وأعياد اليهود والنصارى والمجوس والعرب في الجاهلية، كما يحدثنا عن الأعياد الشرعية في الإسلام، ثم الأعياد المبتدعة التي نشأت بسبب “الابتعاد عن كتاب الله وسنة نبيه محمد ﷺ، والمسارعة إلى التشبه بالأمم الأخرى في أعيادها واحتفالاتها”[1].
العيد لغةً واصطلاحاً
يعرف العيد في اللغة بأنه كل يوم فيه جمع، ويُجمَع على أعياد، والعيد عند العرب الوقت الذي يعود فيه الفرح والحزن والشوق، وهناك من يربطه بالفرح فقط، يقول ابن الأعرابي: “سمي العيد عيداً لأنه يعود كل بفرح مجدد”، وهناك من يرجع العيد إلى الاجتماع والتلاقي، يقول شيخ الإسلام بن تيمية: “العيد اسم لما يعود من الاجتماع على وجه معتاد عائد، إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك.
وقد وردت كلمة العيد في القرآن الكريم، قال الله تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، كما تم ذكر العيد في الشعر العربي، واستطاع الشعراء أن يثبتوا أن العيد يعكس هموماً وقضايا مختلفة، فأحياناً يأتي بالفرح وأحياناً يأتي بالحزن، وحين نعود إلى كتاب “المفضّليات” للمفضّل الضّبّي (توفي نحو 168 هـ) نجده يعرض قصيدة للشاعر الجاهلي الصعلوك ثابت بن جابر المشهور بـ “تأبط شراً” المتوفى عام 80 قبل الهجرة، يذكر فيها العيد بمعنى ما اعتاده من حزن وشوق، حيث يقول:
يا عيد يالك من شوق وإيــــراق ومرِّ طيفٍ على الأهوال طراقِ يسري على الأين والحيات محتفياً نفسي فداؤك من سار على ساقِ
ثم إننا إذا نظرنا إلى الشعر بعد ذلك، سنجد قصيدة لأبي الطيب المتنبي (ت: 354هـ) يحاور فيها العيد، يقول في مطلعها:
عيد بأية حال عدت يا عيد بما مضى أم لأمر فيك تجديد أما الأحبة فالبيداء دونهم فليت دونك بيـدا دونها بيد
أما الشاعر الأندلسي أبو إسحاق الألبيري (ت: 459 هـ) فنجده يحدّد المعنى الحقيقي للعيد لدى المسلم، فيقول:
ما عيدك الفخم إلا يوم يغفر لكْ لا أن تجرَّ به مستكبراً حللكْ كم من جديد ثيابٍ دينه خلق تكاد تلعنه الأقطار حيث سلكْ ومن مرقع الأطمار ذي ورع بكت عليه السما والأرض حين هلكْ
الأعياد قبل الإسلام
تكشف لنا المصادر التاريخية القديمة والحديثة عن أعياد عديدة في الديانات التي كانت موجودة قبل الإسلام، حيث نجد عند اليهود جملة من الأعياد والعادات من أبرزها: يوم السبت الذي يحرم فيه العمل على الجميع، وعيد رأس السنة، وعيد المظال، وعيد الاعتكاف، وعيد الفصح، وعيد الغفران، وعيد الحنكة، وعيد الفوريم.
أما النصارى فمن أبرز أعيادهم وعاداتهم: عيد الأسبوع (يوم الأحد)، وعبد البشارة، وعيد الشعانين، وعيد الخميس، وعيد الختان، وعيد التجلي، وعيد دخول الهيكل، وعيد سبت النور، وعيد الصليب، وإذا نظرنا إلى هذه الأعياد الكثيرة سنجد “أن مبناها على الحوادث التي جرت لعيسى عليه السلام، حيث اتخذوا أيامها أعياداً وأفراحاً ابتداءً من البشارة وانتهاءً بالصلب كما في زعمهم”[2]. ولم يكن المجوس بدعاً من اليهود والنصارى، فقد كانت لهم أعيادهم وعاداتهم الخاصة، ومنها: عيد النيروز، وعيد المهرجان، وعيد السذق، وعيد الشركان، وعيد الفرودجان، وعيد النساء.
ثم إن العرب في الجاهلية كانت لهم أعيادهم وعاداتهم الخاصة بهم أيضاً، ويمكن تقسيمها إلى قسمين: أعياد زمانية وأعياد مكانية، فالأعياد الزمانية منها: سوق دومة الجندل، وسوق الشقر، وسوق السحر، وسوق عكاظ، أما الأعياد المكانية فمن أشهرها ثلاثة أمكنة كانت طواغيت العرب تشد إليها الرحال وتتخذها عيداً، وهي: (اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى)، وقد تم ذكر هذه الأعياد المكانية الثلاثة في قول الله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى}.
الأعياد في الإسلام
وعندما جاء الإسلام جاء يحمل معه أعياداً خاصة بالأمة الإسلامية، وهي أعياد شرع الله لعباده الاحتفال بها دون بطر بعيداً عن تقليد الأديان الأخرى التي كانت أعيادها مليئة بالرذائل والبطر، ويمكن تقسيم الأعياد الإسلامية إلى نوعين: أعياد مكانية وأعياد زمانية، فالأعياد الزمانية مثل: عيد الفطر وعيد الأضحى وأيام التشريق ويوم عرفة ويوم الجمعة.
وقد جاءت في القرآن الكريم والسنة المطهرة أدلة على هذه الأعياد التي شرعها الله لعباده المؤمنين مخالفة لليهود والنصارى والمجوس وعرب الجاهلية، حيث جاء في تفسير قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى}: أي أعطى صدقة الفطر وصلى صلاة العيد، أما قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} فقد ذكر ابن جرير الطبري لها تفسيراً كالتالي: “{فَصَلِّ لِرَبِّكَ} صلاة العيد يوم النحر، {وَانْحَرْ} نسكك”، وقد تم ذكر يوم الجمعة في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}، وفي قول رسول الله ﷺ: “يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا في الإسلام، وهي أيام أكل وشرب”.
أما الأعياد المكانية الشرعية، فهي الأماكن التي يقصدها المسلمون في موسم الحج والعمرة وهي ما تعرف بالمشاعر، يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: “فالمسجد الحرام ومنى والمزدلفة وعرفة والمشاعر جعلها الله تعالى عيداً للحنفاء ومثابة، كما جعل أيام التعبّد فيها عيداً”. وقد ورد ذكر الأعياد المكانية الشرعية في القرآن الكريم، مثل قول الله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}، وقوله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ}.
آثار الأعياد الشرعية
ويمكن هنا أن نتساءل عن مقاصد الأعياد الشرعية وآثارها على المسلمين، والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الأعياد في الإسلام فإننا سنجد أن لها مقاصد كثيرة وآثاراً جسيمة، فالعيد في الإسلام ليس مجرد احتفال فقط، بل يعتبر مظهراً من مظاهر التعبّد لله عز وجل، وله مقاصده السامية، ومنها: تحقيق العبودية لله عز وجل، وشكره على ما أنعم به علينا من إتمام الصيام وما تيسر من القيام، والفرح والسرور الذي يكون عوناً على طاعة الله ولا يكون سُلَّماً لمعصيته، وصلة الأقارب والعفو والصفو والتسامح، وتحقيق الأخوة الإسلامية، وتذكر رباط العقيدة[3].
ومن هنا فإن الآثار الإيجابية للأعياد الشرعية على المسلمين كثيرة يصعب إحصاؤها، ومن تلك الآثار الإيجابية: ارتباط الأعياد الشرعية بالفرائض الدينية، حيث نلاحظ أن عيد الفطر مترتب على إكمال صيام شهر رمضان المبارك، وعيد الأضحى مترتب على إكمال الحج، ويوم الجمعة (عيد الأسبوع) متعلق بإكمال الصلوات المكتوبة، وهكذا دواليك.
ثم إن من الآثار الإيجابية للأعياد الشرعية على المسلمين: اشتمالها على تغذية الروح والبدن، مثل: التجمّل للأعياد، والفرح والسرور، ومشروعية التكبير وذكر الله، كما أن هناك أثراً آخر يتمثل في التكافل الاجتماعي، حيث نجد أن “عيد الفطر يقترن بتشريع زكاة الفطر، وعيد الأضحى يقترن بتشريع نحر الأضحية، وذلك للبر بالمعوزين والتوسعة على الفقراء في وقت أعده الله لفرح المسلمين وسرورهم ولجأ الكل إلى المشاركة في بهجة العيد، وأعياد الإسلام شرع فيها ذلك لإزالة الأنانية والشحناء ولإشاعة روح البهجة بين المسلمين”[4].
الأعياد المبتدعة وآثارها
وإذا كانت فترة ما قبل الإسلام قد ظهرت فيها أعياد مليئة بالرذائل والعادات السيئة، فقد عرفت الإسلام ظهور مجموعة من الأعياد المبتدعة التي لها أثر سلبي على الإسلام والمسلمين، وهذه الأعياد يمكن تقسيمها إلى قسمين: أعياد زمانية مبتدعة وأعياد مكانية مبتدعة، فالأعياد الزمانية المبتدعة عديدة، ومنها: اتخاذ يوم عاشور عيداً، والاحتفال بالمولد النبوي، والاحتفال بالإسراء والمعراج، والاحتفال بعيد الأبرار، والاحتفال بعيد الغدير، أما الأعياد المكانية المبتدعة، فمنها: اتخاذ القبور أعياداً، واتخاذ الآثار أعياداً، واتخاذ الأشجار والأحجار ونحوها أعياداً.
وقد أكد المؤلف أن الأعياد المبتدعة لها آثار سيئة على الأمة الإسلامية، نظراً “لاشتمالها على مفاسد عظيمة تسخط الرب وتحبط العمل من صرف أنواع العبادة لغير الله، ذلك الفعل الذي يندى له الجبين، ويغضب لأجله كل من في قلبه ذرة إيمان وغيرة على التوحيد، وذم وتقبيح للشرك وأهله، حيث نفت تلك الأعياد توحيد العبادة الذي من أجله خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب”[5].
ولعل من المهم هنا أن نشير إلى مقارنة قام بها المؤلف بين الأعياد في الإسلام وفي غيره من الديانات الأخرى، وتوصل من خلالها إلى أننا إلى نظرنا إلى أعياد الكفار وما يحدث في أثناء الاحتفال بها، فإننا سنجد أن أعياد الكفار مشتملة على ما يجرح الأدب وما يفضي إلى الحرمات وما يدعو إلى الانحلال ونبذ الأخلاق، فجلّ الأعياد غير الإسلامية تعتني بالجوانب المادية، وإشباع اللذات الحسية، وعدم العناية بالجانب الروحي الذي ينمّي الأخلاق، أما الأعياد الشرعية فتتميّز بأمور إيجابية عديدة، من أهمها: الثبات في العدد والتسمية، والثبات في الأزمنة، والثبات في الاحتفال بها[6]، ويعود السبب في ذلك إلى أن الأعياد الشرعية مصدرها القرآن الكريم والسنة المطهرة، وبالتالي ليست خاضعة للأهواء والنفسيات.
وفي الختام، يمكن القول إن المسلمين مطالبون بالتشبّث بأعيادهم المتعددة التي شرعها الله وأغناهم بها عن الأعياد الأخرى المحرمة والمبتدعة المليئة بالرذائل والمفاسد العظيمة، كما عليهم التعرّف على أعيادهم والتعريف بها نظراً لقيمتها الجليلة التي تعود إلى أن مصدرها القرآن الكريم والسنة النبوية، ولهذا فإن المسلمين ليسوا بحاجة إلى من يبتكر لهم أعياداً جديدة، فلديهم أعياد عديدة تشمل كل نواحي الحياة، ولكنهم يحتاجون إلى إظهار قيمتها والافتخار بها عند الحديث عن الأعياد والمناسبات الأخرى.