عند زيارتك لأية روضة من رياض الأطفال من المحتمل أن تشاهد طفلا يمثل أو يتظاهر بأنه شخص آخر.  هذا السلوك هو جزء أساسي من مرحلة الطفولة المبكرة، وبعيدا عن كونه سلوكا ممتعا بالنسبة للأطفال فإن البعض ينظر إليه باعتباره عاملا أساسيا وصحيا لنمو الطفل.

هناك أبحاث وجدت علاقة بين هذا النوع من اللعب وبين نمو الأطفال الإبداعي ، وتطور مهاراتهم في الفهم وقدراتهم في التواصل مع أقرانهم.

كشخص مختص في علم النفس يدرس الألعاب التخيلية وتطورات الطفولة وليس غريبا عن اجواء رياض الأطفال ، قابلت العديد منهم ممن لديهم أصدقاء متخيلين او يقومون بتقليد أشخاص آخرين ، واستطيع القول أن الأمر يتعدى فكرة الاستمتاع والتسلية عندهم ، فمثل هذه الأنشطة تعبر في الواقع عما يدور في أذهانهم .

السؤال الآن هو كيف يمكن ان يكون هذا النوع من الألعاب مفيد للأطفال؟ وهل الألعاب التخيلية موجهة للأطفال الأذكياء اجتماعيا أم ان هؤلاء الاطفال هم اكثر ميلا للانخراط في هذا النوع من اللعب؟ .

تعلم التفكير من زوايا نظر مختلفة

اللعب التخيلي قد يسهم في التطور الاجتماعي للأطفال، لانهم يمثلون أنفسهم ويمثلون أشخاصا آخرين في الوقت نفسه. وهذا يعطيهم الفرصة لاستكشاف العالم من زوايا نظر مختلفة، وهو عمل فذ يقوم به الطفل حين يفكر بطريقتين مختلفتين في الوقت نفسه. وهو أمر قد يجد الطفل صعوبة في ممارسته في ظل ظروف أخرى. ويمكنك ان تتخيل كيف يمكن ان يكون ذلك جزءا من تطور قدراته الاجتماعية.

على سبيل المثال اذا تظاهر الطفل بلعب دور الأم فعليه أن يتخيل مشاعر الأم حين يبكي طفلها ، او عندما لا يلتزم بالسلوك الصحيح، واذا تخيل الطفل انه الحيوان الأليف في المنزل فعليه ان يستنتج كيف يمكنه التواصل مع مالكيه بدون ان يتكلم . الطفل الذي يختلق صديقا متخيلا تكون لديه الفرصة لاكتشاف كل الفروق الدقيقة في علاقة الصداقة بدون ان يكون مضطرا للتعامل مع سلوك غير متوقع لشخص آخر(حقيقي) او المخاطرة بإنهاء الصداقة .

والطفل الذي يتقمص شخصية بطل أسطوري يمكنه ان يحقق أهدافه في مساعدة الاخرين وإنقاذهم . ومثل هذه القوى لا تتوفر له في سنه الصغيرة هذه ، لذلك يكون ممتعا له ان يرى هذا التغيير في حياته حيث يمكنه الاعتناء بالآخرين بدلا من ان يكون دائما في موضع تلقي الرعاية والأوامر .

تعلم فنون التفاوض

عندما يلعب الأطفال اللعب التخيلية مع أقرانهم يكون عليهم دائما التفكير جيدا في سلوكهم وفي الإشارات التي يرسلونها للآخرين والتي يجب ان تكون واضحة حول ما يقومون به. كما يجب أن ينتبهوا للإشارات التي تصلهم من الآخرين ويتعلمون كيف يفكون شيفرتها.

مثل هذا النوع من التواصل يحدث ايضا في تفاعلات الحياة الواقعية ، لكنه يتطلب قدرا أكبر من الانتباه للتفاصيل في الألعاب التخيلية . الأطفال هنا ينخرطون في مستويات معقدة من التواصل والتفاوض والمساومات والتعاون والتنسيق كي يحافظوا على تقدم مسار اللعبة.

في الواقع أن بعض الأبحاث ترى أن الأطفال المنخرطين في هذه الألعاب يقضون وقتا في وضع شروط وقوانين  اللعبة ومحتواها مساو للوقت الذي يقضونه في ممارستها.

لكن هناك تساؤل حول ما اذا كانت كل هذه الفوائد ناتجة بالفعل عن اللعب التخيلي أم انها في الحقيقة موجودة كعناصر مسببة له . بمعنى آخر أنه قد يكون الطفل الذكي اجتماعيا هو من يجد نفسه مهتما أكثر بممارسة هذه الألعاب أكثر مما ان الألعاب التخيلية هي من تجعل الطفل اكثر ذكاء. وقد تكون هناك عوامل أخرى غير اللعبة نفسها مسؤولة عن جعل الاطفال اكثر انخراطا فيها، مثل الوالدين.

الباحثة البارزة في هذا الحقل أنجيلا ليلارد، اطلعت وزملاؤها على العشرات من البحوث في هذا المجال، ووجدوا أدلة قليلة تدعم فكرة التطورات الإيجابية في النمو الناتجة عن اللعب التخيلي .

وهم يؤكدون أن اللعب التخيلي والتطورات الايجابية في النمو كلاهما قد يكونان ناتجان عن عوامل أخرى مثل التشجيع والدعم الذين يتلقاهما الطفل من البالغين،فضلا عن ذكاء الطفل نفسه وطبيعة شخصيته.

ويشير الباحثون إلى أن الأطفال يعشقون اللعب وهم مدفوعون دائما بهذ الاتجاه. لذلك سيكون من الأفضل للبالغين الذين يريدون تعزيز مهارات ومفاهيم وأفكار معينة عند الأطفال ان يجدوا الطريقة لتضمين هذه المفاهيم في الألعاب التخيلية .