إن الإسلام هو دين الأنبياء جميعا، وهو أصل الدين، وهو القدر الذي تلتق فيه جميع الرسالات السماوية وإن تنوعت الشرائع.

وقد تواترت الأدلة الشرعية بأن الله جل ثناؤه لا يقبل من أحد دينا سوى الحنيفية السمحة، وهي الإسلام العام: إسلام الوجه لله عز وجل، وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بكتبه ورسله واليوم الآخر.

وجاء القطع في الكتاب العزيز بأن الدين المقبول عند الله جل ذكره هو الإسلام: { إن الدين عند الله الإسلام } [آل عمران: 19]. وقال جل ذكره وهو يخاطب نبيه : { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون } [البقرة: 136].

وقال تقدست أسماؤه: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون } [آل عمران: 64].

وفي حديث ابن عباس: كان رسول الله أكثر ما يصلي الركعتين اللتين قبل الفجر بهاتين الآيتين الكريمتين: { قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا } و { قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم } [1]. وثبت في الجامع الصحيح للبخاري أن النبي قال: “الأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد[2]. (أي الإسلام). بل إن الله تعالى جعل مناط النجاة في الآخرة هو قبول دين الإسلام والدخول فيه؛ لأنه الدين الذي لا يقبل الله سبحانه وتعالى غيره من الأولين والآخرين: { ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } [آل عمران: 85].

على أن جميع الأنبياء والمرسلين كانوا مبعوثين بدين الإسلام. قال تعالى عن نوح عليه السلام: { فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين } [يونس: 72] وقال تقدست أسماؤه في حق إبراهيم عليه السلام: {إذ قال له ربه أسلم، قال: أسلمت لرب العالمين } [البقرة: 131]، وجاء على لسان موسى عليه السلام: { يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين } [يونس: 84]، وقال جل ثناؤه عن رسوله عيسى عليه السلام: { وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي ورسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون } [المائدة: 111].

والإسلام الذي فهمه الرسول وفهمه عنه أصحابه رضي الله عنهم هو: إسلام النفس كلها لله تعالى. وهو أن يكون كيان الإنسان كله متجها إلى الله تبارك وتعالى، وأن تكون أفكاره ومشاعره وسلوكه العملي محكومة بهذا الدين الذي أقره الله سبحانه وتعالى، واختاره لعباده المؤمنين: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا } [المائدة: 3].

كما فهم النبي وأصحابه الكرام من الإسلام أن الله جل ذكره هو المالك الوحيد لهذا الكون، والمدبر الوحيد لكل ما يقع فيه من أحداث. ولذلك هو وحده الذي ينبغي أن يعبد ويطاع، وتتجه إليه القلوب بالخشية والتقوى: {ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين }  [الأعراف: 54].

وبما أنه سبحانه وتعالى هو وحده واهب الحياة ومقدر الموت، وهو وحده النافع الضار، وهو وحده الرزاق ذو القوة المتين، فينبغي أن يبقى وحده رب العباد ومالك السموات والأرض، تتجه إليه القلوب بالتصديق، والتفويض والاستسلام، والإخلاص.

وفهم النبي وصحبه كذلك من هذا الدين: أنّ الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يملك ويحكم، وهو الذي شرع للبشر الأحكام ووضع لهم قوانين حياتهم ودستور معيشتهم ليحيوا حياة طيبة فوق سطح هذا الكوكب.

وهذا الأمر قديم قدم البشرية كلها؛ فقد نزل مع آدم منذ هبط إلى الأرض حين استزله الشيطان الرجيم وأغواه، وكان سببا في خروجه من الجنة: { قلنا اهبطوا منها جميعا، فإما يأتينكم منى هدى، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون } [البقرة: 38-39]. فهو أمر ملازم للبشرية في تاريخها كله، وفي حاضرها وفي مستقبلها إلى قيام الساعة: أن يلتزموا هدى الله تعالى ويتصرفوا بمقتضاه، ويقروا ويذعنوا لحكمه في كل شؤون حياتهم وينقادوا ويخضعوا لشريعته، وإلا فما هم بمسلمين.