بداية لا بد من تحديد عِدة قضايا في سياق (الإسلام والآخر بين احترام الفطرة والتمرد عليها)، وأول هذه القضايا ، هو المقصود بالآخر، فنحن نقصد به الآخر غير المسلم ، سواء أكان من أصحاب الكتب السماوية أم كان من أصحاب الديانات البشرية ، فهذه هي القضية الأولى .
القضية الثانية، وهي إن التمرد على الفطرة ليس وليد اليوم ، وإنما هي قضية تمتد جذورها في عمق التاريخ ،كما أن أساليب التمرد على الفطرة متعددة ومتنوعة ، وتتخذ أنماطًا متعددة ، فمنها ما يتعلق بالقضايا الكبرى كالتمرد على الهداية والرشاد، قال تعالى : { وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَىٰ عَلَى الْهُدَىٰ فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (فصلت: 17) وهذا يكون نابعًا من الأشخاص أنفسهم .
وقد يكون بفعل فاعل كما قال : النبي ﷺ :” يقول الله إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمَت عليهم ما أحللت لهم ” (صحيح مسلم).
وقوله ﷺ:” كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ ، كَمَثَلِ البَهِيمَةِ تُنْتجُ البَهِيمَةَ هَلْ تَرَى فِيهَا جَدْعَاء” (البخاري ومسلم) .
فهذه أعلى درجات التمرد، وهو التمرد على الذات الإلهية، واختيار الطريق الخطأ، وإيثار الضلالة. وهذا مستمر على مدار التاريخ والأمم ، وكانت دعوة الرسل في الأساس من أجل هذه القضية، قضية الحق والباطل، الإيمان والكفر ، قضية وقف التمرد على الله عزوجل.
وقد ظهرت أنواع من التمرد في الأمم السابقة تختلف من أمة إلى أمة، ومن حقبة زمنية إلى حقبة أخرى، إلا أنه يوجد نوع من التمرد في عهد لوط عليه السلام، يخالف ما تعارفت عليه البشرية ، من نزوع الرجل إلى المرأة ، ونزوع المرأة إلى الرجل ، وهذا من قوانين الكون في الذكر الأنثى، ولذلك سطر القرآن الكريم هذه النقطة بصورة دقيقة، فقال : {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ } (الأعراف : 80) ، لماذا قال لهم ما سبقكم بها من أحد من العالمين، لأنهم كانوا بداية هذه الظاهرة، ومن عندهم يبدأ التاريخ لتلك الظاهرة المجرمة .
وكانت نهاية هؤلاء المجرمين – قوم لوط – كما قصَّها القرآن الكريم علينا – الخسف- .
والآن ظهرت هذه النعرات من جديد، لكنها تحت مسميات جديدة، وبصورة منظمة ومقننة كحرية الجسد ، وتلبية الرغبات، وغير ذلك، وأن هذا لديه ميول خاصة، إلخ ، ومعها قضايا أخرى ، وأصبحت ضمن قوانين إلزامية لدى أمم متعددة، يعاقب من ينتقدها أو يحاول اعتراضهاـ بل أصبح من الجريمة سؤال الأطفال عن نوعهم ، هل هذا ولد أم بنت ، ولكن ينادي عليه بلفظ يحتمل هذا وهذا – الذكر والأنثى – والذي يعنينا هنا ، بداية اتخاذ موقف واضح من هذا الأمر، والقضايا التي تفرعت عنه، كالعبور الجنداري، وغيره .
الأمر الثاني، ما الذي يدفع هؤلاء البشر إلى تقنين هذا الأمر واعتباره قضية يمكن نقاشها والحديث حولها .
الأمر الثالث: ما دوافع تقنين ونشر الشذوذ الجنسي في الأمم والشعوب، وبين كافة الفئات بصورة ملزِمة ، وإجبارية ؟
الأمر الرابع : السبيل إلى مواجهة هذا التمرد الخاطىء على الفطرة .
بداية للإجابة على هذه الإشكاليات الأربعة ، فإن المحور الأول التي يتضمن اتخاذ موقف واضح حيال هذه القضية، كما أسس لذلك القرآن الكريم، في بيان جريمة قوم لوط، وأن هذا الفعل لا يمكن قبوله بحال من الأحوال تحت أي مسميات سواء الحرية أو المرض أو غير ذلك، فالغالب في هذا الأمر ليس كما يصوره الآخر أنه نوع من المرض، وإن كانت هذه النقطة تحتاج إلى معالجة ، وإنما الحقيقة أن هذا نوع من التمرد الخاطىء على الفطرة السليمة، وأن الموقف الصحيح هو موقف لوط عليه السلام من ذلك ، وأن من يتبنَّى هذا الأمر ويحاول نشره في البشر إنما هو دائما يحاول معادة كل ما هو إلهي أو من قِبل الوحي – تعاليم السماء- ، فهو دائما يقف في جانب الشيطان .
وإذا انتقلنا إلى النقطة الثانية حول الدوافع لهذه القضية ، ما الذي يحرك هؤلاء البشر من أجل هذا الشذوذ؟
نحن لا نناقش من الجوانب الشرعية، فأصحاب هذه الدعوة الخبيثة سواء الأصلاء أو التابعين لا يؤمنون بالتعاليم السماوية بالأساس، ولذلك نحن ننقاش من جوانب عقلية وواقعية، فالعقل البشري ، وغيره من المخلوقات يخبرنا أن الذكر ينزع إلى الأنثى والعكس، لذلك كان نزوع الرجل إلى الرجل – اللواط – ، ونزوع المرأة إلى المرأة – السحاق ، نوعًا من الخلل العقلي المؤسس على التمرد الشيطاني في حقيقة الأمر .
هذا هو الدافع الأساسي ، وهناك دوافع فرعية متعلقة بذلك يزعمها أنصار هذا التوجه الخبيث المنافي للفطرة، من أن السلوك الحيوني يسمح بذلك، وأن الشذوذ الجنسي نوع طبيعي يولد مع الإنسان، وغير ذلك من الأكاذيب التي لا ترقى إلى مستوى النقاش ، والمؤكد الذي يمكن نقاشة هو أن هذا التوجه له داعمون يسعون من خلاله للسيطرة على ملفات معينة في مناطق معينة ، واستخدام هؤلاء كأوراق ضغط وشرعية للتدخل في شئون الدول . – لوبيات –
وللإجابة على النقطة الثالثة : الدوافع لتبني الشذوذ كتوجه عالمي يسعى أصحابه إلى فرضه على الأمم بأساليب مختلفة، ووسائل متعددة، مرنة، وخشنة، للوصول إلى الهدف المنشود، هذا السؤال يحتاج إلى إجابة دقيقة وحاسمة، فلا يمكن قبول الإجابات المخادعة أو المزيفة التي يقدمونها كالحرية أو اعتبار الأمر من قبل القضايا المرضية وتحتاج إلى معالجة سلوكية، أو نفسية، فهذه كلها إجابات مزيفة ظهر كذبها عندما بدأ الآخر ممارسة الأساليب الخشنة في فرض ذلك في كافة الوسائل الإعلامية والتعليمة ، وسَن القوانين من أجل ذلك، ومعاقبة من يخالف أو يناهض ذلك، وقد اتخذ الغرب مساحات واسعة في ذلك في كافة مؤسساته. ففي بعض الدول الغربية يأخذون الأطفال إجباريًّا وفقًا للقانون ويتم اعدادهم بصورة توافق هذه التوجهات، وكذلك يقومون بأخذ الأطفال اللاجئين دون الستة عشر سنة لمدارس معينة، ويتم إعداهم بصورة معينة وفق هذه الفلسفة ، والسؤال هنا لماذا كل هذا ؟
الإجابة هنا تتعلق بالإعتقاد أكثر من كونها تتعلق بالجوانب السياسية أو علم النفس أو الجنس، وإنما تتعلق بالبعد العقدي المؤسس في الإسلام على الطهر وقوانين علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة المرأة بالرجل، وأنها هي العلاقة الصحية عقلا وشرعًا وفق ضوابط الشرع ، وبين منهج آخر يصادم ذلك ويريد أن يؤسس له منهج ينشىء مشروعية جديدة تقوم على معادة الفطرة ومحادة الألوهية تحت مزاعم “الإنسان محور الكون” ، لذلك هؤلاء دائما مع أي تصور ضد تصورات السماء هذه هي الإجابة الحقيقة ، بعيدًا عن الإجابات المزيفة أو المخادعة .
هذا التصور يسمح لهؤلاء بإنشاء أجيال بهيمية منتكسة فطريًّا ، يمكن السيطرة عليها عقليًا، وفكريًّا واسخدمها كما يشاؤون، وهذا هو الهدف من معظم القضايا التي ينادون بهم ،أي ليصبح لهم صوت ينادي بقضاياهم ، لكنهم يغلفونها بأغلفة براقة ، مزيفة حتى يستطيعوا تمريرها .
وختاما لهذه المقالة حول الموقف الصحيح من هذه الظاهرة الخبيثة، هو الموقف القرآني الصحيح ، الذي حدده الله (عز وجل في كتابه ، وبيان أن هذه القضية لا يمكن التنازل عنها أو اعتبارها نوع من القضايا التي يمكن نقاشها بالصورة العلمية، إنما هي قضية فاسدة، وباطلة ولا يمكن تناولها بغير هذا الجانب .