شريعة الإسلام شريعة علم ومعرفة حثت على طلب العلم؛ بل جعلته فريضة من فرائض الدين، وبما أن التقنيات الحديثة في الاتصال تعد نوعا من العلوم فقد دعانا الإسلام إلى تعلمها وتوظيفها فيما يخدم البشرية ويعود بالنفع على العالمين. أما حين يساء استخدامها فهنا يكون للشريعة موقف آخر؛ لأن شريعة الإسلام تقوم في جوهرها على درء المفاسد وجلب المصالح، ولا ضرر ولا ضرار في الإسلام. فكيف هي العلاقة بين الإسلام وتقنيات الاتصال.
إن أول ما نزل على نبينا ﷺ هو قوله سبحانه “اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ*خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ*اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ *الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [القلم:1- 5].
ويؤكد على هذا المعنى رسول الله ﷺ فيقول: “طلب العلم فريضة على كل مسلم [رواه ابن ماجه]، والخطاب عام لكل من انتسب إلى هذا الدين ذكرا كان أم أنثى.
وتقنيات الاتصال سلاح ذو حدين، فهي نعمة جليلة وعظيمة لمن أحسن توظيفها واستطاع أن يسخرها فيما يعود بالنفع والخير على نفسه وأهله والناس أجمعين، وهي نقمة لمن سخرها في البحث عن المتع الزائفة، بل إن الأمر أخطر من ذلك؛ حيث يعمد البعض إلى قتل الأمة بتدمير شبابها سواء كان ذلك بتدميرهم أخلاقيا أو فكريا وعقديا.
محاسن ومساوئ
وإذا كان البعض قد استفاد من هذه الشبكة في تطويعها للقيام ببعض الجرائم المختلفة في حق نفسه وفي حق عائلته وبلده، بل وفي حق الإنسانية، فهناك الوجه المشرق، حيث حولت العالم إلى قرية صغيرة، وأتاحت العلم بشتى صوره أمام طلاب العلم والباحثين عن الحقيقة.
وعلى صعيد المعاملات الإسلامية أفرزت شبكات ووسائل التواصل صورا عديدة من التعاملات لم نكن لنسمع عنها لولا وجود هذه الشبكات، فانتشرت التجارة الإلكترونية واتسع نطاق تعاملاتها بانتشار هذه الشبكة العنكبوتية، وهذا بدوره أثار العديد من التساؤلات الفقهية حول ضوابط إبرام العقود عبر شبكة الإنترنت، وما هو المباح والمحرم في التجارة الإلكترونية، ولم يقتصر النشاط المادي على البيع والشراء عبر شبكة الإنترنت فحسب، ولكن امتد ليسع سوق الأوراق المالية، وهذا بدوره أثار التساؤل حول إمكانية تحقق الشروط الشرعية للصرف من خلال التعامل عبر هذه الشبكة.
ومن القضايا التي أثيرت بهذا الصدد مسألة التربح من المواقع التي تقدم أرقام النت المجانية، وأيضا حكم التربح من إنشاء منصات للتفاعل وبث أخبار وفيديوات، وغير ذلك من القضايا.
عالم غريب ومختلف
وبعيدا عن التجارة وأسواق المال فقد اتسع دور وسائل التواصل ليشتمل على بعض القضايا التي تتعلق بفقه الأسرة، وأهمها الحديث عن أحكام الزواج والطلاق عبر هذه الوسائل، وربط العلاقات بين الجنسين ووصلت إلى حد التعري أمام الكاميرات، وطال هذا الأمر كل فئات المجتمع، من صغيرهم إلى كبيرهم، ومن مثقفهم إلى جاهلهم.
في مجال العلاقة بين الجنسين أتاحت شبكة الإنترنت عالما افتراضيا يمكن للشخص أن يتواجد خلاله دون إبراز هويته الحقيقية، وهذا بدوره كسر حاجز الخجل والحرج عند الجميع الذكور منهم والإناث على السواء، وهذه الخاصية جعلت من شبكة الإنترنت أرضا خصبة وواسعة للتواصل بين الجنسين مع ما يترتب على ذلك من مخالفات ومحاذير شرعية؛ ولذلك كان لا بد من بيان الضوابط الشرعية لتواصل الجنسين عبر هذه المنصات وآداب المحادثة بين الجنسين عبر التطبيقات المختلفة أو عبر البريد الإلكتروني، وحكم إقامة صداقات بين الجنسين عبر شبكة الإنترنت، وغير ذلك من القضايا التي أفرزها هذا الواقع الافتراضي.
وسائل التواصل وفقه العبادات
وفي مجال فقه العبادات أثير الحديث عن دفع الزكاة لمواقع الإنترنت الهادفة، وصلاة الجمعة بخطيب واحد في مساجد متعددة عبر الإنترنت، وكذلك الأضحية عن طريق الإنترنت. وكان لا بد أن تكون هناك وقفة لبيان بعض الآداب والأخلاقيات للمتعاملين مع وسائل التواصل الإجتماعي. وكان لا بد من عرض كل هذه القضايا وكل ما يتعلق بالنواحي الاجتماعية والقانونية والدينية على المتخصصين للتدخل لوضع ضوابط معينة، وقاية للمجتمع من الضياع، على الرغم من أن أمر الضوابط هذا أصبح أكثر تعقيدا بسبب عدم وجود مخارج ومداخل واضحة، وصعوبة السيطرة على الوضع.