“سنخلق عالمنا بأيدينا، انتهى عصر تكميم الأفواه، لن يستطيع أحد أن يقف أمام عالمنا الجديد، وسنكتسب كل يوم أعضاء جدد في دنيانا البعيدة عن أيديكم..”
تلك إحدى العبارات التي تمتليء بها صفحات الملحدين العرب على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تعد أحد أهم معايير قياس مدى تأثيرهم في دوائر الشباب العربي والإسلامي.
لا أحد يستطيع التقليل من زخم الوجود الإلحادي على الشبكة العنقودية، لكنه وفي الوقت نفسه لا يمكن اعتبار هذا الزخم دليلا على نفوذ في العالم الواقعي، حيث إمكانية التضليل في أعداد المتعاملين مع تلك الشبكة بوسائل كثيرة.
مجهول الهوية
ربما أحد أسباب زخم التواجد على شبكات التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر ويوتيوب والمدونات، يعود لكونها تحفظ للشخص رغبته في أن يظل مجهول الهوية، بسبب خوف الملحدين العرب الدائم من الكشف عن هوياتهم حتى لا يتعرضوا للعقوبات التي تقررها أغلب دولهم..
وعن أعداد صفحاتهم وأشهرها على الشبكة العنكبوتية، فإن بحثا كان قد أجرته هيئة الإذاعة البريطانية عن كلمة “ملحد” باللغة العربية والإنجليزية على شبكات التواصل أظهر أن مئات من صفحات فيسبوك وحسابات تويتر التابعة لـ “ملحدين” من العالم العربي جذبت آلاف المتابعين لها.
زخم الملحدين على شبكات التواصل الاجتماعي يعود لكونها تحفظ للشخص رغبته في أن يظل مجهول الهوية بسبب الخوف من ردة فعل المجتمع
ويحتوى فيسبوك على العديد من الصفحات التي تدعو الملحدين العرب إلى الانضمام إليها، منها: “الملحدين التونسيين”، التي تضم أكثر من 10 آلاف متابع، و”الملحدين السودانيين” التي تضم أكثر من 3000 متابع، وأيضا “شبكة الملحدين السوريين” التي تضم أكثر من 4000 متابع.
وعلى تويتر، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم بين المئات والآلاف، فمثلا يتجاوز عدد متابعي حساب “أراب أثيست” الثمانية آلاف متابع.
ويتنوع محتوى النقاشات التي يجريها أصحاب هذه الحسابات، فبعضهم يقول إنهم يريدون “هدم خرافات الدين باستخدام العقل”، والبعض الآخر ينشر على حسابه تعليقات وصورا مضادة للإسلام مثل صور لنسخ للقرآن الكريم ممزقة.
بعض هؤلاء يقول إن هدفه إعمال العقل ونشر العلم وهناك من يقول إن تغريداته موجهة للأتباع الملحدين، وهناك من يصف نفسه بأنه “كافر وملحد” وينشر مشاركات تدعي “بأن الخطاب الإسلامي يشجع على العنف ضد الديانات الأخرى”.
وعلى يوتيوب، أنشأ بعض الملحدين العرب العديد من القنوات التي تجذب آلاف المشتركين، وغالبا ما ينشر أصحاب هذه القنوات مقاطع فيديو ضد الدين الإسلامي تحمل عناوين مثل: “خرافات الدين”.
وفي مكان آخر على شبكة الإنترنت، أطلق بعض الشباب العربي قناة تلفزيونية على الإنترنت تسمى “العقل الحر”.
يحتوى فيسبوك على العديد من صفحات الملحدين العرب أشهرها “الملحدين التونسيين”
ويعرف موقع “تلفزيون “العقل الحر” على الإنترنت بنفسه على أنه “إحدى وسائل الإعلام العلمانية عبر الإنترنت التي تهدف إلى تقديم أخبار بعيدة من هيمنة الرقابة الدينية والحكومية إلى شعوب الشرق الأوسط والعالم.
نشاطات محلية
على المستوى الإجمالي كان الحال كذلك بالنسب لعلاقة الملحدين العرب بالعالم الافتراضي، لكن نشاطات محلية على مستوى بعض الدول العربية كانت على أشدها، برغم بيئاتها المحافظة لدرجة التشدد عند البعض!
فتحت عنوان” موجة إلحاد تضرب السعودية” جاء تقرير موقع “مرئا ” الإسرائيلي في أبريل 2014م، والذي اعتبر وقتها أن الإسلام بات يتلقى الضربات في عقر داره، وهو شيء كان من الصعب تصديقه.. بحسب التقرير.
واستدل الموقع بتحقيق نشرته صحيفة” العرب” اللندنية بتاريخ 29 مارس 2014 حول انتشار الإلحاد في السعودية، وكيف أن نسبة الملحدين في المملكة هي الأعلى بين الدول العربية والإسلامية حيث تصل إلى 6% من إجمالي السكان.
شبكات التواصل الاجتماعي مثل تويتر وفيس بوك تلعب دورًا كبيرًا في نشر هذه الظاهرة بين الصغار، وقد رصدت مجموعة باسم” جمعية الملحدين السعوديين” جائزة بقيمة مليون دولار لمن يثبت وجود الله، كذلك قام أحدهم بالتقاط صورة على مقربة من الكعبة – أقدس الأماكن لدى المسلمين- حملت عبارة “Proud to be Atheist” وتعني ” ملحد وأفتخر”.
على تويتر، يتراوح عدد متابعي الحسابات التي يعلن أصحابها عن إلحادهم بين المئات والآلاف
ويطرح الملحدون السعوديون عبر مواقعهم الإلكترونية أسئلة كثيرة من قبيل لماذا يحرم شيوخنا الاستماع للموسيقى؟ ولماذا يتوجب على المرأة أن تغطي وجهها؟ ولماذا التصعب الأعمى للإسلام الذي يحط من قيمة العقل؟.
وينشرون صورة للافتة قالوا إنها بإحدى المتنزهات بالمملكة وقد كتب عليها” عفوًا..بأمر من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يمنع لعب الإناث فوق سن (9) سنوات”.
بينما علق ملحدون على الصورة بالقول:” الصورة من السعودية.. 9 سنوات..هو العمر الذي يبدأ بعده الرجال في السعودية في النظر للأنثى كأنها جسد يشتهوه.. 9 سنوات هو نهاية طفولة الفتاة وبداية إغراء الأنثى!! البيدوفيليا في أوضح صورها”.
وعلى ما يسمى بمنتدى شبكة الملحدين العرب يتساءل أحد الأعضاء الجدد والذي يظهر أنه أحد الوافدين عن إمكانية مراقبته من قبل السلطات والقبض عليه إذا نشر على الموقع، لكن عضوا قديما يطمئنه بالتأكيد إن السلطات السعودية ليست معنية حاليًا بمحاربة الملحدين، وأن ما عليه فقط هو تجنب التطرق للسياسة.
” مرئا” الإسرائيلي الذي يعني” المشهد” بالعربية قال إن الملحدين السعوديون ذهبوا إلى أبعد من ذلك حيث قاموا بتمزيق القرآن في خطوة لتحدي المتشددين.
ردود الفعل
وفي محاولة لفهم ردود الافعال تجاه هذا الانتشار على شبكة المعلومات الدولية من قبل المعنيين بالأمر على المستوى المؤسسي أو الفردي وصف هلال أبو غازي الخبير في إدارة التفاعلات على مواقع التواصل الاجتماعي هذه الردود بأنها بدائية على مستوى التكنيك وسطحية على مستوى الطرح وغير مؤسسية على مستوى التعامل.
يجب أن تتم مأسسة الردود على نشاطات الإلحاد في مواقع التواصل للحصول على نتائج اكبر وأدوم
وقال أبو غازي إن منتديات الإلحاد تشهد نقاشات حادة لا تقف عند سقف معين، وبالتالي فإن العمل عليها يحتاج إلى درجة من الوعي العلمي على مستويات شتى من العلوم الاجتماعية إلى جانب العلم الديني.
ولفت إلى ضرورة مأسسة العمل في إطار تلك الردود، بحيث لا يكون الرد فرديا يمكن أن يؤدي لنتائج عكسية، بل يجب أن تتم مأسسة العمل للحصول على نتائج اكبر وأدوم في إطار معركة فكرية تضرب فيها الفكرة بالفكرة والحجة بالحجة للوصول إلى أفضل النتائج مع هؤلاء الشباب.
وأشار أبو غازي إلى أن إدراكات هؤلاء الشباب ليست واحدة، وإنما متعددة بتعدد أسباب إلحادهم، حيث منهم الناقم على خطاب متشدد، ومنهم غير المؤمن بالرسالات مع إيمانه بالإله، ومنهم ضحل الفكر والثقافة الذي دخل إلى عالم الإلحاد كموضة اقتضتها بيئته الجديدة داخل الجامعة او غيرها، وبالتالي فلابد للمتصدين لهذه الموجات من إدراك الفوارق بين هؤلاء جميعا؛ لأن كلا منهم يحتاج بالضرورة إلى ردود ومداخل مختلفة.