يتناول كتاب “الإنسان والقيم في التصور الإسلامي” لمؤلفه الدكتور محمود حمدي زقزوق وزير الأوقاف المصري السابق مجموعة من الخواطر حول الانسان والقيم فى التصور الاسلامي. وهو عبارة عن رؤية حول تميز الإنسان منذ الخلق عن سائر الكائنات بالعقل والتفكير، حيث يعتبر الإنسان أهم قضايا الكون والخلق.
خواطر محمود حمدي زقزوق في هذا الكتاب تأتي على شكل مقالات موجزة ومركزة، تُعطى لمحات سريعة عن أحد الجوانب المهمة في طبيعة الإنسان وصلتة بالله، وعلاقاتة بسائر الكائنات في إطار القيم الأخلاقية والدينية. فالإنسان محور الكون كله، وهو سيد المخلوقات فكل شيء في الوجود سخره المولى سبحانه لخدمته، والديانات كلها جاءت من أجله، والوحي السماوي كله قد اتجه بالخطاب إليه، والقرآن الكريم كله يدور حول الإنسان، وصراع الخير والشر، والصراع بين الإيمان والكفر الذي تشهده النفس الإنسانية ومعطياتها في الحياة.
ماهو مفهوم القيم الإسلامية؟
قبل التطرق للتعريف بكتاب الدكتور “محمود حمدي زقزوق”، الذي يتناول بالأساس مسألة “القيم” وجب أن نلقي نظرة على مفهوم القيم الإسلامية وأنواعها ومصادرها.
تعرّف القيم الإسلامية بأنها مجموعة المعايير والأحكام الدينية، من حيث التصور الإسلامي والتشريع الإلهي، ولا سيما إنها عبارة عن تفاعل الفرد مع المجتمع، ومع المواقف اليومية والحياتية، ومن خلال تلك الموقف يكتسب الفرد الخبرات، ويضبط المجتمع وتصلح جميع جوانبه، لا سيما أن مصادر القيم الإسلامية، القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
والقيم التي يعيش بها الإنسان في حياته عبارة عن القيم الإسلامية و الوطنية و الانسانية، وهما الأساس للحياة الإنسانية السوية، وإذا ما قمنا ببحث عن القيم الإسلامية والوطنية والإنسانية، سيتضح أن الدين الحنيف أشمل كل تلك المعاني والقيم في قيمه وتعاليمه.
ما هي القيم الاسلامية وما أنواعها القيم ومصادرها؟
يقسم العديد من الباحثين القيم الإسلامية إلى:
قيم دينية: وهي عدم تعدي الحدود الدينية، وعدم التراجع عن الدين الحنيف، كما أنها تلك القيم التي تحرم التعدي في حدود الله، ورسوله.
قيم بدنية: وهي تلك القيم التي تؤكد على أهمية حفظ البدن، وحفظ الجسد من أي إهانة له، من خلال تشويه، سواء بالرسم عليه، وهو الوشم، او من خلال تدميره عضوياً وكذلك أجساد الاخرين، فيحرم الله التعدي على عباده، أو تشويه جسد أي إنسان.
قيم أخلاقية: والمقصود بها عدم التعدي اللفظي على أي شخص، وعدم الخوض في تجارب سيئة، وعدم فعل الفواحش، وعدم ارتكاب أي فعل مخالف للآداب العامة.
قيم عقلية: وتلك القيم التي يستوجب فيها حفظ العقل من التلف، ومن أهانته بالتفكير في المحرمات، ومن الوقوع تحت تأثير المخدرات والمسكرات.
هناك العديد من القيم الدينية التي يجب أن يعتز بها الفرد، ويطبقها حيث يكتمل الإيمان من خلالها، وقد تكون تلك في العمل أو ترك عمل ما يغضب الله تعالى، ولا سيما أن التخلي عن شرب الخمر قيمة ونضج كبيران، والتخلي عن الزنا، وعمل المنكرات كلها، بالإضافة إلى بعض القيم الإسلامية كالتراحم والصدق والعدل والصبر والإحسان والأمانة والرفق والتواضع والتزكية…وغيرها من القيم والمبادئ الإسلامية.
وقبل الحديث عن كتاب “الإنسان والقيم في التصور الإسلامي”، وجب أيضا الحديث عن مؤلفه الأستاذ الدكتور محمود حمدي زقزوق.
من هو محمود حمدى زقزوق؟
مؤلف كتاب “الإنسان والقيم في التصور الإسلامي” هو الأستاذ في جامعة الأزهر، الدكتور محمود حمدي زقزوق، وزير الأوقاف المصري السابق و الداعية الإسلامي المعروف (27 ديسمبر 1933 – 8 شعبان 1441 هـ / 1 أبريل 2020) ولد بقرية “الضهرية” التابعة لمركز شربين بمحافظة الدقهلية.
المؤلف حاصل على العديد من الشهادات العلمية كالإجازة العالمية من كلية اللغة العربية بالأزهر – عام 1959، والشهادة العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية بالأزهر – عام 1960. بالإضافة إلى دكتوراه في الفلسفة من جامعة ميونخ بألمانيا – عام 1968.
شغل زقزوق العديد من المناصب، حيث عين مدرسا للفلسفة الإسلامية بكلية أصول الدين جامعة الأزهر عام 1969، وعمل أستاذا مساعدا عام 1974، وأستاذا عام 1979. كما عمل وكيلا لكلية أصول الدين بالقاهرة ورئيس قسم الفلسفة والعقيدة (1978- 1980).
تم تعيينه عميدا لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر في الفترة من عام (1987وحتى 1989)، ومن عام (1991حتى 1995). كما عُيّن نائبا لرئيس جامعة الأزهر عام 1995، ثم وزيرا للأوقاف عام 1996.
وهو عضو في الكثير من الهيئات والمنظمات، فهو عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والمجلس الأعلى للأزهر، واتحاد الكتاب. وهو رئيس مجلس إدارة الجمعية الفلسفية المصرية، ومقرر اللجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة في العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر، و أيضا عضو مجلس الأمناء بالجامعة الألمانية بمصر.
الأستاذ محمود حمدي زقزوق أثرى المكتبة العربية بالعديد من المؤلفات والدراسات في مجال الإسلام، وله كتب ومؤلفات تتجاوز الـ 40 مؤلفا، نذكر منها:
- المنهج الفلسفى بين الغزالى وديكارت، الكويت، عام 1983.
- الإسلام في تصورات الغرب، القاهرة، عام 1987.
- مقدمة في علم الأخلاق، القاهرة، عام 1993.
- دراسات في الفلسفة الحديثة، القاهرة، عام 1993.
- تمهيد للفلسفة، القاهرة، عام 1994.
- مقدمة في الفلسفة الإسلامية.
- الإسلام في مرآة الفكر الغربي، القاهرة، عام 1994.
- الدين والحضارة، القاهرة، عام 1996.
- الدين والفلسفة والتنوير، القاهرة، عام 1996.
هذا بالإضافة إلى مؤلفات بالإنجليزية والفرنسية ولغات أخرى، فضلا عن ترجمة بعض مؤلفاته إلى العديد من اللغات. وهو حائز على العديد من الجوائز والأوسمة، أهمها جائزة الدولة التقديرية في العلوم الاجتماعية من المجلس الأعلى للثقافة – عام 1997.
وقد شارك زقزوق في عدة مؤتمرات محلية ودولية، على غرار المؤتمر الدولي للعلاقات الثقافية في مدينة بون بألمانيا عام 1980، والمؤتمر السنوي للجمعية الدولية لتاريخ الأديان بجامعة هامبورج بألمانيا عام 1988، ومؤتمر دار حضارات العالم في برلين بألمانيا عن الاتجاهات الإسلامية المعاصرة عام 1991، ومؤتمر مركز أبحاث الحوار(حريصا) – لبنان – عام 1995.
لا حياة بلا قيم
في كتابه “الإنسان والقيم في التصور الإسلامي”، الذي يقع في 270 صفحة من القطع المتوسط، والصادر عن الهيئة المصرية،القاهرة 2004، يتناول الدكتور محمود حمدي زقزوق شقين متكاملين للحياة الإنسانية في منظور الإسلام وحسبه بأنه لا يمكن تصور حياة الإنسان من دون قيم تحكمه، وعلى هذا يقسم المؤلف كتابه إلى بابين الأول يناقش فيه الإنسان في التصور الإسلامي فيما يخصص الثاني لمناقشة قضية القيم.
الكتاب قراءة حول تميز الإنسان منذ الخلق عن سائر الكائنات بالعقل والتفكير، حيث يبدأ الدكتور حمدي زقزوق حديثه عن الإنسان بصفته القضية الكبرى في هذا الوجود كله، فكل شيء في الكون مسخرا له والديانات كلها جاءت من أجله والوحي السماوي كله اتجه بالخطاب اليه،
الإنسان موضوع الكون
في نظر الكاتب الإنسان هو محور هذا الكون، بل أن الإنسان كموضوع يعد قضية القضايا في هذا الكون، فآيات القرآن الكريم تدور حول الإنسان، والعالم من دون إنسان يعد في منطق الملائكة واحة سلام بعيدة كل البعد عن المشكلات ولكن أي عالم هذا الذي لا يستطيع أن يعي نفسه ولا حيلة له من أمر نفسه ولا إرادة له في تسيير أموره؟ إنه يكون عالما لا طعم له ولا لون. ويقول الكاتب أما الإنسان فهو الكائن الوحيد في هذا الكون الذي يستطيع أن يقول لا حتى في مواجهة الأمر الإلهي ويخبرنا القرآن الكريم بذلك في قوله “قالوا سمعنا وعصينا” (البقرة-93)كما يبدو كذلك من قوله تعالى “فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر”(الكهف-29) وهنا نلحظ أن الله قد أسند الاختيار للإنسان نفسه الذي يستطيع أن يقرر مصيره.
الإنسان..قوة وضعف
وفي موضع آخر من الكتاب وتحت عنوان “وخلق الإنسان ضعيفا” يؤكد الكاتب على مفارقة غريبة في تكوين الإنسان وهي أن القرآن يبين لنا أن الإنسان خلق ضعيفا وأن الذباب لو سلبه شيئاً لا يستطيع أن ينقذه منه وفي الوقت ذاته وفي ظروف معينة يتصور أنه من القوة والجبروت بحيث يستطيع أن يخضع كل شيء لإرادته وسطوته كما في فرعون حين قال: أنا ربكم الأعلى. وقوله مبرهنا على ذلك: أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي» وأمثال ذلك كثيرة ويتساءل الكاتب متعجبا: كيف يمكن التوفيق بين ضعف الإنسان وسلوكه المدل لقوته وجبروته؟
يشير المؤلف إلى أن الحيوان يملك القوة المادية ولكن الإنسان يملك ما هو أقوى وهو قوة العقل التي بها استطاع إخضاع كل الكائنات، والجانب العقلي في الإنسان هو أثر من آثار النفحة الإلهية الروحية في الإنسان والتي من أجلها استحق التكريم والتفضيل على غيره من الكائنات.
وبما أن الله أنعم على الإنسان بالعقل فقد كلفه بتحميله مسؤولية هذا الكون وجعله خليفة في الأرض ولم يكن ذلك إجبارا من الله للإنسان ولكن باختياره. ويشير المؤلف إلى أمثلة على إساءة استخدام هذه الأمانة ومن ذلك التلوث الذي طال كل شئ مما سبب انتشار الأمراض وظهور أمراض أخرى لم تكن موجودة من قبل مثل الايدز، ناهيك عن الإشعاعات الذرية والكوارث التي تتسبب فيها لحياة الأحياء على الأرض.
الإنسان والمسؤولية
ويتطرق المؤلف خلال تناوله لقضية الإنسان في التصور الإسلامي إلى موضوعات عدة منها الإنسان والمسؤولية. ويقول إن افتراض الشعور بالمسؤولية قائم لدي كل إنسان اذا أننا كبشر لن نستطيع أن نتحلل منه تماما في حياتنا الواعية ولكن هذا لا يمنع من أن تكون حيوية هذا الشعور مختلفة من فرد إلى آخر وهناك ارتباط تام بين الشعور بالمسؤولية والضمير.
ويضيف أنه عندما نتحدث عن الضمير فإننا نعني ذلك الشعور الكامن في أعماقنا والذي له تأثيره الكبير في توجيه سلوكنا الوجهة الصحيحة ومن هنا كان التوجيه النبوي “استفت قلبك” ويقول أيضا إن المسؤولية في التصور الإسلامي فردية فلا يتحمل أحد وزر آخر”كل نفس بما كسبت رهينة” (المدثر – 38) والمسؤولية تفهم بمعنيين أولهما مسؤولية الإنسان تجاه نفسه وثانيهما مسؤوليته تجاه الآخرين متضمنة مسؤوليته الأدبية تجاه المجتمع الإنساني الذي يعيش فيه.
ويستطرد الكاتب في هذا الموضوع قائلا إن هناك أناساً يبررون ما يصدر منهم من أفعال خاطئة بأنها أمور مقدرة في الأزل وبالتالي فإنه لم يكن في استطاعتهم إلا أن يفعلوا ما كتب الله عليهم.
ويؤكد أنه لا يجوز لأحد أن يتعلل بالقضاء والقدر لتبرير ما يصدر عنه من جرائم، فالمسؤولية قائمة وما كتبه الله على الإنسان في الأزل ما هو إلا تسجيل لما يصدر عن كل فرد منا بإرادته الحرة وباختياره الذي لا إكراه فيه ومن هنا يتحمل الإنسان المسؤولية كاملة عن كل فعل يصدر عنه صغر هذا الفعل أم كبر “فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره” (الزلزلة-7).
القيم كمعايير للسلوك الإنساني
وينتقل الكاتب بعد ذلك إلى الشق الثاني في الكتاب ألا وهو القيم في التصور الإسلامي ويتطرق إلى قيم كثيرة منها الحياء والأمن والتعاون والصداقة والعلم والشكر والانتماء والتدين.
ويقول الكاتب إن القيم في كل مجتمع معايير للسلوك الإنساني والمجتمع المتوازن هو ذلك المجتمع الذي ينتشر فيه الوعي بالقيم ومن ثم الالتزام بها ويرتبط بازدياد الوعي بالقيم والإحساس بها مفاهيم التقدم والتفاؤل والنظام والترابط.
ومن الحقائق الواضحة أن منظومة القيم الأخلاقية لها جذورها الضاربة في أعماق النفس البشرية لدي الشعوب المختلفة منذ آدم حتى يومنا هذا والى ان تقوم الساعة، فلا خلاف على ان الصدق والأمانة والعدل والإحسان إلى الوالدين من الفضائل التي ينبغي على الإنسان أن يلتزم بها وأن ما يقابلها من الكذب والخيانة والظلم وعقوق الوالدين من الرذائل التي ينبغي على الإنسان أن ينأى بنفسه عنها وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على ثبات القيم رغم اختلاف تصورات الأجيال في النظر إليها.
القيم المطلقة والقيم النسبية
ويؤكد الكاتب على اننا يجب علينا أن نفرق بين القيم المطلقة والقيم النسبية أو الوسيلة حتى لا تختلط الأمور وتضيع منا معالم الطريق وينقلب هرم الأولويات.
كما يؤكد أيضا على ما طرأ على المجتمعات البشرية المعاصرة من تغيرات كثيرة لها تأثيرها على سلوك الأفراد سلبا أم إيجابا مما لا شك فيه أن هذه التغيرات أحدثت الكثير من الاهتزاز في القيم وخاصة في جانب الأجيال الجديدة الذين يبدون رفضا لما يقوله الجيل القديم.
ولكن يجب ألا نضيق ذرعا بما يبدو من مظاهر التمرد لدى الأجيال الجديدة في نظراتها إلى القيم فهي في حاجة أن ترى القيم التي يتحدث عنها الجيل القديم تتجاوز مرحلة الكلام إلى مرحلة العمل، فالجيل الجديد في حاجة إلى نماذج يسترشد بها. وحسب الدكتور محمود حمدي زقزوق فإن الاهتزاز في القيم الذي طرأ على مجتمعاتنا يرجع من ناحية إلى المتغيرات التي طرأت على حياة المجتمع ولكنه في جانب كبير منه يرجع إلى افتقاد الجيل الجديد للقدوة.
فنحن كما يقول الكاتب في أشد الحاجة إلى فهم المتغيرات الاجتماعية وطموحات واهتمامات الأجيال الجديدة حتى نكون أكثر قرباً منهم، وبالتالي نكون أقدر على المساعدة ويقول إنه من الصعب أن نقف في وجه هذه المتغيرات.
ويؤكد الكاتب على الحاجة إلى غرس قيم الاحترام والثقة بالنفس والاعتزاز بالكرامة الإنسانية في الجيل الجديد فقد خلق أبناؤه لزمان غير زماننا وهذا ما ينبغي أن ندركه جيدا وإلا أخطأنا الطريق في تربية الجيل الجديد.
ويقول الكاتب أنه من أجل الحفاظ على القيم الإسلامية ينبغي على المؤمنين التحلي بمكارم الأخلاق واستخدام العقل لخدمة البشرية والحضارة، بل وتشغيل التفكير بأعمال العقل لأعمار الكون، فضلا عن الالتزام بالعبادات، وحصد الحسنات لأنها الطريق نحو الجنان والصلاح في الدين والدنيا وحسن الخاتمة يوم القيامة.