عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل)) . الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في الأدب المفرد.

يوجه النبي الكريم – عليه الصلاة والسلام – في هذا الحديث أمته نحو العمل الجاد الدؤوب ، دون توان أو خمول..، حتى على افتراض قيام الساعة – مع ما في ذلك من رعب وفزع يخلع القلوب ويذهب بالأبصار ، ومع انتهاء الحياة الدنيوية وإقبال الآخرة – ، فإن النبي وجه من بيده الفسيل ( وهو صغار النخل ) أن يغرسها غير منتظر ثمرتها أو نتاجها ..

أنه حقا درس عظيم في الإيجابية و العمل والمثابرة ، أيا كان العمل .. ومهما كانت الظروف.. دون النظر في العواقب أو المثبطات والإحباطات التي تملأ الواقع أحيانا ، وينشغل بها المرء ..فتعيقه أو تمنعه من البذل وتسبب له اليأس والتقاعس .. المهم أن تقدم شيئا لرسالتك في الحياة ولبناء حضارة الإنسانية ولو كان قليلا ، أد واجبك .. وقم بما عليك ..وكن قدوة في ذلك وسيعمر الكون عاجلا أو آجلا ..

فالعمل له قيمة ووزن وإن استقله الناس واحتقروه ولم يقدروه ، قال – صلى الله عليه وسلم – : ((لقد رأيت رجلاً يتقلب في الجنة في شجرة قطعها من ظهر الطريق كانت تؤذي الناس)) .

وقال: ( لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تفرغ من دلوك في إناء المستسقي، ولو أن تكلم أخاك ووجهك إليه منبسط..) . ودخلت امرأة بغي الجنة بكلب سقته .

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا آخرة .

ولله در القائل :

إذا هجع النوام أسبلت عبرتي   وأنشدت بيتاً فهو من أحسن الشعر
أليس من الخسران أنَّ ليالياً       تمر بلا شيء وتحسب من عمر

ولو أن الهدهد استصغر واحتقر ذاته في مملكة سليمان عليه السلام – البالغة الشأن – لما جاء بخبر كان سببا في إسلام مملكة بحالها ودخولها في دين الله .. من دون تكليف من أحد أو انتظار من هو أقوى وأقدر على ذلك منه ( فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ (22) إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ (23) وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ (24)..) النمل

إن انتظار النتائج أو قطف ثمرات الأعمال قد يكون آفة تنساب إلى قلوب ونفوس المصلحين والمفكرين والدعاة .. الذين لا يعملون – أحيانا – إلا وفق قانون الكسب السريع والغنيمة الباردة – تارة أخرى – وربط العمل بمتلازمة الأثر .. والمنعزلة عن نواميس كونية حاكمة وسنن إلهية ناظمة للمجتمع.. فيسبتطئوا النصر والثمرة وييأسوا من روح الله ويقنطوا ..وهي آفة من الشيطان .