في زمن يموج بالتحديات والضغوط، يبحث الإنسان عن سند داخلي يمنحه القدرة على الصمود، ويعيد لقلبه الاطمئنان وسط العواصف. وليس هناك أعظم من الإيمان ليكون هذا السند، فهو سر القوة في المواقف، والسكنية في القلوب. قال الله تعالى: { الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد:28). إنها الحقيقة التي يفتش عنها كثيرون: الطمأنينة الحقيقة لا تشترى بمال، ولا تنال بجاه، وإنما تغرس في القلوب بالإيمان.

وقد لخص النبي أثر الإيمان في حياة المؤمن بقوله:” عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له” (رواه مسلم). إن الإيمان يحول المحن إلى منح، ويجعل الإنسان أقوى من الظروف وأكبر من التحديات.

وفي صفحات التاريخ شواهد حية على أن الإيمان كان دائماً مصدر قوة وثبات. ففي غزوة الأحزاب، حين اجتمعت قوى الكفر ضد المسلمين، وصف الله حال المؤمنين بقوله: { وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا } (الأحزاب:22). لقد كان اليقين بالله سر الثبات أمام الخوف والجوع والبرد.

والإيمان لا يمنح القوة فقط، بل يسكب في النفس سكنية عجيبة، تجعلك أكثر رحمة بالناس، وأكثر تسامحاً مع من حولك. إنه يحررك من قيود الغضب والحسد، ويجعلك ترى في الصبر جمالاً، وفي العطاء حياة، وفي الرضا غنى. قال تعالى: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ} (النحل:127).

واليوم، ونحن نعيش في عالم مضطرب، تكثر فيه الضغوط النفسية والاجتماعية، يتأكد لنا أن العودة إلى الإيمان ليست خيارًا، بل ضرورة وجودية. فهو وحده الذي يجمع بين أمرين قل إن يجتمعا: قوة في مواجهة الواقع، وسكنية في أعماق الروح.

وفي الختام، نسأل الله تعالى أن يرزقنا هذا السر العظيم: اللهم ارزقنا إيمانًا صادقًا، ويقينًا راسخًا، وقلوبًا مطمئنة بذكرك، واجعلنا من عبادك الذين إذا أعطوا شكروا، وإذا ابتلوا صبروا، وإذا أذنبوا استغفروا، واجعل لنا من كل هم فرجًا، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاءٍ عافية.