تُعَدُّ الأسواق المالية ( البورصة) في البلاد العربية، أسواقًا إسلامية إلى حد كبير من حيث آليات التداول، فلم تعرف هذه الأسواقُ الأدواتِ المالية التي تشتمل على المحرمات، من المشتقات المالية وغيرها، حتى أداة المارجن ( الهامش) لم يدخل هذه الأسواق إلا منذ وقت قريب.
مؤخرًا اعتزم أكثر من بلد عربي إدخال أداة (Short Sales ) وهو ما يعرف بالبيع على المكشوف، أو بالبيع القصير كترجمة حرفية للمصطلح الأجنبي.
ما هو البيع على المكشوف؟
قد يتوقع أحد المستثمرين أن أسعار إحدى الشركات سوف تنخفض، فحينئذ يعمد إلى عملية بيع قصير، وذلك باقتراض عدد من أسهم تلك الشركة من سمسار ويبيعها بسعر يومها، ثم يعيد شراءها عند تحقق حلمه بانخفاض الأسعار ليقوم بتسديدها إلى السمسار الذي أقرضه إياها رابحًا الفرق بين سعري البيع والشراء، وأما المقرض فإنه يأخذ المال الذي حصل عليه المستثمر لقاء بيعه هذه الأسهم، حيث يأخذه المقرض على أنه رهن، فينتفع بوجود المال معه حتى يسترد أسهمه.
مخاطر التعامل
تكمن مخاطر التعامل بالبيع على المكشوف في أتها تزيد مساحة الخسائر التي يمكن أن يتعرض لها السوق ، حيث إن خسارة البيع العادي مرهونة بثمن الشراء، لا تزيد عنه، فمثلا من اشترى أسهما بقيمة (10000) فإن أقصى خسارة محتملة أن تصبح الأسهم تساوي صفرا، فيخسر المستثمر قيمة الأسهم ال (10000)، وهذا أمر عمليا لا يحدث!
لكن مع الشورت سيلينج، إذا اقترض المستثمر أسهما وباعها بقيمة (10000) آملا أنه سيمكنه الشراء عند انخفاضها فيشتريها ب (8000) ليعيدها إلى مقرضها رابحا الفرق، فإن أحد الاحتمالات الممكنة أن ترتفع الأسهم إلى (25000) أو إلى ( 30000) ، أو إلى أكثر من ذلك، فتتضاعف خسارته، خاصة عند رفعه لقيمة الضمان درءًا للبيع رغما عنه.
الإشكالات الشرعية
يشتمل البيع على المكشوف على عدة إشكالات شرعية منها :
الإشكال الأول : إقراض الٍأسهم
من الأمور التي انتهى إليها البحث الفقهي أن ( السهم ) ليس له طبيعة مادية مستقلة، ولكنه يمثل ما يقابله من موجودات الشركة التي أصدرته، فإذا كانت الشركة التي أصدرت الأسهم شركة صناعية مثلا، فالسهم الذي أصدرته يمثل حصة شائعة في موجودات هذه الشركة من ( بضائع، ونقود، وديون، وسمعة تجارية، واسم تجاري، و….).
وقد اختلف العلماء المعاصرون في حكم إقراض السهم، هل يجوز أو لا يجوز؟
وإذا أخذنا برأي من ذهب إلى الجواز – وهو الراجح في نظرنا- ستقابلنا إشكالية فقهية، هي : ما الذي يجب رده للمقترض؟
وتبسيطا للمسألة، معلوم أن من اقترض مائة دينار مثلا، فإنه يجب عليه أن يرد مثلها ( أي مائة دينار)
ومن اقترض بعيرا، فعليه أن يرد بعيرا مثله ( في نفس عمره وسنه).
ومن اقترض عقدا ذهبيا، فعليه أن يرد عقدا ذهبيا مثله ( أي في نفس وزنه).
فالقاعدة أن القروض ترد بمثلها.
فكيف يمكننا أن نطبق هذه القاعدة في الأسهم؟
معروف أن وضع الشركة المالي ( أي موجوداتها ، من بضائع، ونقود، وديون، وسمعة تجارية، واسم تجاري، و….). يتغير من آن لآخر، فاللقطة المالية للشركة لا تتكرر غالبا، فمن اقترض السهم اليوم، واتفق على رده بعد شهر مثلا، يجب عليه أن يرد السهم في مثل وضعية الشركة وقت اقتراضها، وهيهات أن تتكرر هذه المثلية. ونظرة سريعة إلى قوائم الشركات المالية التي تصدر كل ثلاثة أشهر، يمكننا أن نتبين كيف أن وضع الشركة يتغير من دائنة إلى مدينة خلال ثلاثة أشهر، كما أن الموجودات ذاتها تتغيرـ فالشركة تبيع بعض موجوداتها، وتشتري أشياء أخرى ، وهكذا.
وحتى إذا افترضنا أن وضعية الشركة يمكن أن تتكرر، فهذا يقتضي فحص موجودات الشركة يوم الاقتراض ليتم رصدها وتسجيلها حتى يمكن ردها في مثل وضعها، وهذا من الأمور المتعذرة جدًّا؛ لأن الشركات تصدر قوائمها المالية، التي تبين طبيعة موجوداتها كل ثلاثة أشهر، وليس كل شهر ولا كل يوم. فهل يتم تقنين ألية ( البيع على المكشوف) لتتم في نفس اليوم الذي تظهر فيه القائمة المالية الربع سنوية، فيتم تفعيل الآلية أربع مرات فقط في السنة.
مكابرة
من الممكن أن يكابر البعض باعتبار الأسهم وحدات متساوية مثلية، بحيث يسوغ عنده أن من اقترض مائة سهم من شركة معينة ( ص مثلا)، فإن أي ( مائة سهم ) من نفس الشركة تحل محلها في أي وقت!
ويمكن معرفة مكابرة هذا القول إذا سألناه : ماذا يجب عندك في زكاة هذه الشركة ( ص) ؟ هل تظل قيمة الزكاة واحدة على أسهم هذه الشركة بقطع النظر عن موجوداتها؟ أم أنك توجب النظر إلى طبيعة الشركة؟ فإذا كانت تجارية أوجبت على عروضها 2.5 %، وإذا كانت زراعية أوجبت على حاصلاتها 10%….وهكذا؟
فإذا كنت تنظر إلى موجوداتها في الزكاة، دل ذلك على أن السهم ليس شيئا في ذاته، ولكنه يمثل حصة شائعة في موجودات الشركة، وحتى إذا كنت تحسب الزكاة حسب القيمة السوقية للسهم، فإن ذلك أيضا يدل على أن السهم ليس مثل السهم في كل وقت، بل يتغير حسب قيمته السوقية !
الإشكال الثاني : كوبون الأسهم
المراد بالكوبون، هو الأرباح التي تستحقها الٍأسهم التي سيتم إقراضها، ووفقا للمتبع في هذه الآلية فإن المقترض يستلم هذه الكوبونات، ثم يُلزم بردها إلى المقرض.
والإشكال هنا أن الأسهم تُملَّك بالاقتراض، فمن اقترض أسهما فقد تملكها، وتملك ما يتولد منها، فإذا اشترط عليه المقرض الاستفادة من الأرباح، كان هذا من الربا، الذي يعرف بكل قرض اشترط فيه نفع للمقرض فهو ربا بغيبر خلاف بين أهل العلم.
الإشكال الثالث: الانتفاع بثمن الأسهم
حينما يبيع المقترض الأسهم، لا يُسمح له باستلام ثمنها، بل يُعطى هذا الثمن للمقرض، حتى ينتفع به، بتقليبه في شراء الأسهم، أو يتم رهنه بمعرفة البورصة، فيوضع في حساب استثماري ويتوزع عائد الاستثمار على ( المقرض، وشركة السمسرة، والبورصة)
والإشكال هنا كما في سابقه أن ما يأخذه المقرض هو من الربا الذي يعرف بكل قرض اشترط فيه نفع للمقرض فهو ربا بغيبر خلاف بين أهل العلم، حتى لو كان هذا القرض في صورة ( رهن).
ويضاف إلى ذلك أنه غالبا ما سيكون استثمار هذا المال في ( بنك ربوي).