إن السحر والأعمال السفلية من العادات السيئة التي يفعلها البشر منذ أقدم العصور، ويلجأون إليها لتحصيل أغراضهم والتي غالباً ما يصاحبها ضرر للآخرين، وأحيانا تكون لمجرد جلب المنافع دون إيذاء الغير، وكلاهما لا يجوز وجاء في تعاليم الإسلام مايفيد بـ التحذير من السحر، فإضرار الناس حرام، وكذا الإستعانة بالشياطين وجنود إبليس الذين هم أعداء الله والتقرب إليهم أمراً ينافي التوحيد وتعاليم الدين. والسحر كبيرة من كبائر الذنوب، وهو مُحرَّم بالكتاب والسنة والإجماع. قال تعالى: { وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ ۚ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّىٰ يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ ۖ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ۚ وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۚ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ۚ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ ۚ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [1].
وقال تعالى : { فَلَمَّا أَلْقَوْا قَالَ مُوسَىٰ مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} [2]. فبين الله تعالى أن السحر فتنة ويضر بالناس ولا ينفع ويفرق بين المرء وزوجه وأنه من عمل المفسدين، وأن السحرة لا يستطيعوا أن يضروا أحد إلا بإذنه. وبين ﷺ أنه من السبع الموبقات، فقال: (اجتنبوا السبع الموبقات قيل: يا رسول الله، وما هن؟ قال: الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)[3]. وكان رسول الله ﷺ يعوذ الحسن والحسين، يقول: أعيذكما بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة)[4]. ومنه سنة قراءة المعوذتين مع الأذكار اليومية. وجاء التعوذ منه في قوله تعالى: { وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِؤ[5]. قال الطبري: أي “ومن شرّ السواحر الّلاتي ينفُثن في عُقَد الخيط، حين يَرْقِين عليها[6].
وللسحر ثلاث أنواع: الأبيض والأسود والأحمر. وأخطرها الأسود وهو السفلي لأنه يستعمل في الأعمال الشريرة[7]، وكلها من أعمال الدجلة والمشعوذين. والمؤمن الحق لا يعمل السحر … لأنه كبيرة ويضر بالمسلمين. والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده[8]. ولا يقوم به إلا من امتلأت نفسه خبثاً وشرا وحقدا. وإلا لما يلحق الضرر بالأبرياء وهو يعلم. فمن كانت عنده حاجة يريدها في غير شر فليسأل الله تعالى ويلح في طلب السؤال. وليتيقن بأن الله تعالى سيستجيب له إما بتلبية دعاءه، أو بما هو أفضل منه. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها، قالوا: إذا نكثر، قال: الله أكثر)[9]. والإعتماد على الله والتوكل عليه في قضاء الحوائج باب من أبواب الإستجابة والتوفيق.
وكم من أُسرٍ فككتهم الأسحار وهدَّمت بيوتهم وشردت أطفالهم وضيعت المودة والسكينة فيها. وكم من مسحور يعاني المرض والضيق والضياع والتوَهَان والنسيان والآلام التي لا يعلم بها إلا الله. ومنهم من فُصِل من عمله أو شُلَّت قدماه، أو سقط في الإمتحان وحُرِم التوفيق وأصابه الفشل في كل شي. ومنهم من تأخر زواجها أو تم طلاقها، أو أصيبت بالعقم، أو كرهها زوجها، أو مات صغارها. ومنهم من تزوج دون اختياره بسحر المحبة، أو ترك زوجته، وأهمل أطفاله، وتعكست أموره. وغيرها من الصعاب والكوارث التي يمكن أن تحدث للمسحور. وكل ذلك حسدا وإيذاء من عمل السحرة. فيا لشر من يفعل هذا بخلق الله … مهما كانت الأسباب. فلا إنسان على وجه الأرض يسحق هذا، حتى وإن كان كافر مُسَّالم. ومن يفعل هذا فهو لا ضمير له، ويملأه الحسد والشر. والسحر يودي بعامله للكفر بدليل آية سورة البقرة، كما ذكر بن باز رحمه الله[10]. وقد أمر عمر رضى الله عنه بقتل كل ساحر[11]. وروى بن باز عن جندبِ بنِ عبدِ اللهِ البجليِّ رضِيَ اللهُ عنه: أنه قال: (حدُّ الساحرِ ضربُه بالسيفِ)[12]. فالساحر يسجد للشيطان ويقدم له القرابين ليحقق له ما يريد. وهذا كفر واضح وضرر للأبرياء. ولذا كان قتله هو الحل لحماية الناس وتخليص المجتمع من شروره إن لم يتب.
والسحر والشعوذة من الأفكار الفاسدة التي تُنشَر عبر وسائل الإعلام وشبكات الإنترنت ويقوم بنشرها الدجالين ليضحكوا بها على عقول العامة ويأكلون أموالهم بغير حق. ومن أكثر الفئات المستهدفة النساء والعوام. وأما من يقع عليهم السحر فأكثرهم من الشباب والنساء وكل من منَّ الله عليه بنعمة جلبت له الطمع أو الحسد. وفي هذا فساد كبير، وضرر على المجتمع وعلى المسحورين. وكذلك نشر أفلام السحر والشعوذة في قنوات التلفاز واليوتيوب وشبكات التواصل يلعب دور في الترويج لها. ومنها الفلم العالمي الشهير هيري بوتر والذي يدمن عليه الصغار والشباب. وهذا الفلم بعالميته وشهرته الكبيرة يقوم من أوله إلى آخره على فكرة تعليم الأطفال السحر والشعوذة. وهو محبوب كثيرا للصغار والمراهقين والشباب.
كما أن هناك غيره الكثير من الأفلام وبرامج وألعاب الجوال التي تروج للسحر وتزينه للأطفال ليبدو لهم في صورة محببة وبريئة وداعية للإنبهار والعجب. ولذا يتربى به جيل لا يرون بالسحر شيء ويأخذونه كموضوع للعب والقوة والإنبهار دون أن يعلم الأهل بذلك ليوُّعوا ابناءهم بخطره. فلا بد من تعليمهم أن السحر حرام وأنه باب شر لا يأتي منه خير، وكثيرا ما يرتد شره على الساحر، ولا يلجأ إليه الا قليلي الإيمان.
السحر من منظور مقاصد القرآن الكريم عند ابن عاشور
- إن السحر محرم بالإجماع، ولذا هو يتناقض مع مقصد التشريع للأحكام.
- السحر فيه ضرر للناس واذى للمسلمين دون رحمة بالمسحورين ولذا هو يتناقض مع المقصد الأعلى للقرآن وهو صلاح الأحوال الفردية والجماعية.
- السحر كفر وفيه افساد لعقيدة الناس ودعوتهم للتعلق بغير الله في طلب حوائجهم، سواء من الهة باطلة أو اسحار وشعوذة او غيره، ولأن السحر يتم بعد الاستعانة بمردة الشياطين ويظهر الساحر التذلل لها ولذا هو يتناقض مع مقصد إصلاح الإعتقاد وتعليم العقد الصحيح.
- السحر يلحق الضرر بالناس مثل إيقاع الخلاف بين الأزواج مما قد يصل إلى حد الطلاق. وكذلك قد يقوم بعضهم بعمل سحر المحبة مما يجعل المسحور يقع في حب الذي جلب السحر وفي هذا استغلال للناس وهي صفات ذميمة. ولذا السحر يتناقض مع مقصد تهذيب الأخلاق.
- من يقوم بالسحر ولا يبطله يقدم على فعل كبيرة من الكبائر ويصر عليها وهذا يعارض مقصد المواعظ والإنذار والتحذير والتبشير، حيث لا يرتدع الساحر ولا يستمع للإنذار والوعيد بالعقوبة في الآخرة إذا لم يتب.
النصائح والتوجيهات المقترحة
- يجب نشر الوعي في المجتمع وتعليم عامة الناس أن السحر كبيرة من الموبقات، وأنه أذى للناس، وتذكيرهم بوعد الله ووعيده.
- يجب ابلاغ السلطات عن أماكن السحرة والمشعوذين للقبض عليهم وحماية المجتمع من شرورهم.
- قراءة أذكار الصباح والمساء والتحصين بآية الكرس والمعوذتين في الصباح والمساء للحماية من السحر.
- على من وجد سحر في بيته أو متاعه أن يعمل على حله بالطريقة الصحيحة. وليتعلم ذلك بالرجوع إلى المراجع فيها. ويمكن التخلص من السحر “بمحوه إن كان مكتوباً، ونقضه وحل عقده إن كان معقوداً، مع قراءة المعوذات حال فك العقد، ثم يتلف الشيء المنقوض ويدفن أو يلقى في مكان بعيد”[13]. ويُستحسن لمن يجد سحر ملقى في الأماكن العامة كالشواطئ والمقابر ونحوها أن يعمل على حله أو رده لمن له خبرة بحله وتحرير المسحورين منها، ابتغاء الأجر عند الله ونفع الناس.
- يجب حظر قنوات السحر والشعوذة إن أمكن، ومنع عرض الأفلام التي تروج لها كفلم هيري بوتر وغيره. وكذا حجب مواقع السحرة وقنواتهم وحساباتهم على الإنترنت.
- تعليم الصغار في المدارس عن السحر وعواقبه الدنيوية والآخروية.