ربما لا يروق للبعض هذا العنوان الذي يعتريه شيء من الغرابة والغموض .. ، لكن إذا ما تدبرنا مصطلح العلمانية وفهمنا أنه يحوي في طياته دلالات فصل الدين عن الدولة ، أي فصله عن واقع الحياة ، حتى يظل حبيس النظرية ، ولا واقع له في حياة الأمة والدولة ..
إذا ما استحضرنا هذا .. عقلنا ، كيف يمكن لممارسات البعض في تدينهم ، وحركة تفاعلهم مع الرسالة السماوية والنصوص الشرعية ، أن يصيبها نوع من الفصل بين النظرية والتطبيق ، وبين ما هو مفروض وما هو واقع ..، وهو نوع من العلمانية !!.
ربما ترون وتسمعون عن بعض المتدينين – أو قل المتمسلمين – كيف يحافظ على مظاهر التدين الشكلية ، لكن في كثير من ممارساته وأخلاقياته ينحي الدين جانبا ..، بل ربما يكون يصلي ويزكي ويفعل الكثير من الطاعات – الأوامر – ..، لكنه أمام المحظورات – النواهي – شيئ مختلف تماما !!..
فتجده سارقا غشاشا ظالما للعباد مرابيا ، لا مشكلة لديه في ارتكاب المحرمات والفواحش ..، علما أنه هوهو الذي يمارس الصلاة ويؤدى العبادة في المسجد ؟؟!!.
أنها نوع من العلمانية الخفية – إن صح التعبير- !! وانفصال بين مبادئ الدين والحياة !!.
ألا يمكن أن نفهم من حديث النبي الكريم ( كاسيات عاريات ) ، بُعدا مجازيا لا حقيقيا .. فنقول : إنهن كاسيات الثياب ( محجبات ) ، لكنهن عاريات من القيم والأخلاق والاستقامة الحقيقية ؟؟!! .
وربما شاهدتم أو تناهى لأسماعكم ، أن نسوة متحجبات ملتزمات في قالبهن ..، لكنهن نمامات كاذبات طاعنات في الأعراض ، و يهتكن ستر الله في الخفاء !!.
إنها علمانية مقيتة فصلت بين مكونات الدين النقي المتكامل !!..
ألا يمكن أن نفهم من حديث النبي الكريم ( كاسيات عاريات ) – رواه مسلم – ، بُعدا مجازيا لا حقيقيا .. فنقول : إنهن كاسيات الثياب ( محجبات ) ، لكنهن عاريات من القيم والأخلاق والاستقامة الحقيقية ؟؟!! .
لأجل هذا جعل النبي الكريم – عليه الصلاة والسلام – التدين الحقيقي والإيمان الصادق ، ذاك الذي يطوع صاحبه هوى النفس وما تميل إليه من مغريات وغرائز وفقا للشرع ولما يرضي الله ، قال : (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به). كتاب الحجة و الجامع الصغير.
فالقضية ليست انتقائية ويحكمها التشهي ، وإلا لما أصبح دينا !!.
وهناك نوع من علمانية التدين يظهر في كثير من البيئات الإسلامية والثقافات العربية .. ذاك الذي يحصر الدين في العبادات والأنساك .. ويجعل السلوكيات والأخلاق في منظومة العلاقات الاجتماعية محكومة بالعرف أو العادة – ( العيب ) – .. ، فهو – أي العرف – المعيار الضابط لحركة الإنسان في المجتمع لا الدين الحق والشرع الحكيم !!.
فممكن أن تضرب الأحكام الشرعية بعرض الحائط لمخالفتها للعادة !! ولما يسمى بالعيب!!.
وهذا لعمري الظلم بعينه للشريعة الغراء ، أن تجعل تبعا لا متبوعة ، وجزءً لا كلا ، ومحكومة لا حاكمة ..!! فما قيمتها حينئذ إن لم تكن قائمة على شبكة القيم الاجتماعية ؟!! ومنظمة لأخلاقيات الناس وشؤونهم .
نضرب لذلك مثلا – ربما يكون ساذجا لكنه واقعي – حتى تتضح الصورة :
إذا ما قلت لبعضهم .. إن الإسلام يبيح للأنثى التعلم وممارسة حياة عملية ومهنية طبيعية خارج المنزل ضمن حدود الأدب وضوابط الشرع ..، فلربما شخر ونخر ، وعبس وبسر ، وصوّب وصعّد ، وأدبر واستكبر .. منكرا عليك ، مسفها أحلامك ، ناعتا لك بقلة النخوة والشهامة !! واصفا ذلك بالعيب المخل !!
وهذا واقع نشهده ونسمعه !! وهناك ما هو أفظع !! والأمثلة كثيرة ..
وهذا لعمري الظلم بعينه للشريعة الغراء ، أن تجعل تبعا لا متبوعة ، وجزءً لا كلا ، ومحكومة لا حاكمة !! فما قيمتها حينئذ إن لم تكن قائمة على شبكة القيم الاجتماعية ؟!! ومنظمة لأخلاقيات الناس وشؤونهم .
قال الله تعالى : ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما ). النساء : 56 .
إن الإيمان الصادق هو: التسليم لنصوص السماء والحكم الإلهي والقضاء العدل ، وإلا فهو تدين مزاجي يخلو من أي معنى وروح..!! ويسيئ أكثر مما يصلح ، لصاحبه وللمجتمع ..