مفهوم التراحم عُنى القرآن بالتأسيس له عناية بالغة، وحضّ عليه حضًّا شديدًا فقال (جل شأنه): ﴿فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ * فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ * أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ * ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ﴾ (البلد:11-17).
وثقافتنا بناءً على ذلك الهدي القرآنيّ قد ملئت بالآثار والأخبار والحكم التي تحضّ على الرحمة والمرحمة والرفق بالضعفاء، بل ندبنا الله للقتال من أجل تحريرهم وتحرير إرادتهم: ﴿وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا﴾ (النساء:75). فالراحمون يرحمهم الله “ومن لا يرحم لا يرحم” “إنّما تُنصرون بضعفائكم”.
وقد كون القرآن والهدي النبويّ أسسًا وقواعد لثقافة التراحم: “ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا” ولقد تنوعت مظاهر الرحمة بالضعفاء وذوي “الاحتياجات الخاصَّة” في أوقاف المسلمين، فنجد أوقافًا لإيواء المسنين من النوعين تجري عليهم فيها الأرزاق، ويقدم لهم فيها الدواء والكساء وسائر احتياجاتهم.
فكيف أزيحت هذه الثقافة القرآنيَّة النبويَّة لتحل محلها أمثال مريضة كافرة منها:
“إذا قابلت الأعمى خذ عشاه ما أنت أرحم بيه من اللّي عماه”
“اتق شر من أحسنت إليه”
“حسنة لا تعمل سيئة ما تجيك”
“يا روح ما بعدك روح”.
“اللي ما عندوش قرش ما يساوي قرش”.
فانتهت إلى استبدال تلك الروح القرآنيّة وما تؤدي إليه من فضائل إلى روح أنانيّة فاجرة داعرة قد تقتل الأم أو الأب والجد أو الجدة والأخ للاستيلاء على بضع جنيهات يدخن بها الحشيش أو يفعل أي فعل ساقط.
إنّ الاستهانة بالضعفاء، والاستيلاء على ما قد يكون لديهم من قليل بدلاً من العناية بهم ومساعدتهم منطق الكافرين، وليس بمنطق المؤمنين: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ أَطْعَمَهُ إِنْ أَنْتُمْ إِلا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ﴾ (يس:47). فكيف انتقلت أفكار يفترض أن لا تصدر إلا عن الكافرين لتصبح أفكارًا وثقافة للمؤمنين؟
إنّه الفهم الخاطئ المنحرف والمعوج للآيات الكريمة التي أنزلها الله (تبارك وتعالى) لتحرير وجدان الإنسان، وربطه بالله (تعالى) وحمايته من الخضوع لإنسان مثله: ﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ (هود:6)
ينسى صاحب الفهم المنحرف إيجاب الله (سبحانه) الزكاة وندبه للصدقة، وحضّه على إطعام المسكين، وكفالة اليتيم… الخ وذلك لا ينافي كونه (جل شأنه) الرزاق ذا القوة المتين: ﴿إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ﴾ (الذاريات:58).
هنا لا بد أن نعيد النظر في مناهج تعاملنا مع القرآن المجيد، وكذلك علينا أن نعيد النظر في مناهج تراثنا وتدبرنا له. وبمدى سلامة قنوات التربية والتعليم والتكوين لأفرادنا وأسرنا ومجتمعاتنا.
– فئات الضعفاء: ذوي الاحتياجات الخاصة، كبار السن، الأيتام، المرضى، الأطفال، المحرومون من الفرص، العاطلون عن العمل.
– التراحم والتعاون في مقابل المصالح والتعاقد.
– فالتديّن يجب أن يكون واقيًا من انحراف السلوكيَّات العامة التي قد تحدث نتيجة الضغوط الاجتماعيَّة والاقتصاديَّة و انتشار الزحام وغلبة النزعة الفرديَّة.