من فضل الله تعالى على الإنسان أن سخر له كل ما في هذا الكون من: نجوم، وكواكب، وجبال، وبحار، وأنهار، ونباتات، وحيوانات، وغير ذلك من المخلوقات مما لا يحصيه إلا الله عز وجل ، الجميع من فضله وإحسانه وامتنانه تبارك وتعالى: { وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه} [الجاثية: 13].
والتسخير: حقيقته التذليل والتطويع. فكل شيء في هذه الحياة الدنيا مذلل ومطوع لخدمة الإنسان؛ إذ سخر الله جل ثناؤه الشمس والقمر يجريان بأمره في الفضاء السحيق، وجعلهما ضياء ونورا ليستضيء بهما الناس في نهارهم وليلهم، ويستمدون منهما مواد الطاقة. وجعل النجوم ليهتدي بها المسافرون من بني آدم في ظلمات الليل والبحر، وذلل السحاب بين السماء والأرض، وهو مصدر الغيث الذي يسقي العباد والبلاد، فتنبت الأشجار والزروع والثمار المختلفة ذات الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع.
ومن كرمه ومنّه سبحانه وتعالى على عباده أن خلق البحر على هيئة يمكن معها السبح والسير في الفلك التي تمخر عبابه، وتمكين السابحين والماخرين من صيد الحيتان والأسماك الطرية ذات الأنواع الكثيرة والأحجام المختلفة، واستخراج اللآلئ الثمينة والجواهر النفيسة من أعماق البحار حلية وزينة للناس.
ومن فضله سبحانه وتعالى أن ألهم الإنسان صناعة الفلك بكيفية تجري في البحر بدون مانع، بما أودع فيه من خصائص يدرك بها ناموس الأشياء. كما جعل السفن تسير على وجه الماء بقدرته، وهي مُوقرة مثقلة لا ترسب تحت الماء، بل تطفو على وجهه.
ومن نعمته سبحانه وتعالى على الإنسان، أن خلق له الأنهار على كيفية تقتضي انتقال الماء من مكان إلى مكان، ومن قطر إلى قطر، فيشرب منها من تَمُرُّ عليه، وتُسقي بها الزروع والأشجار، وتُبني على ضفافها الدور البهية والمساكن الجميلة.
وعلى العموم، فالله تبارك وتعالى سخر للإنسان الأشياء وفق حاجته وتركيبه، وما يناسب نشاطه وراحته. وليست هذه سوى نماذج في صفحة آلاء الله ونعمه المديدة، وهي أكبر من أن يحصيها الإنسان.
ولكن حين يكفر الإنسان بالله جل ذكره ولا يشكر نعمه، بل يستعملها في المعاصي والموبقات، فإن الله تعالى يغير ما به، فيتحول تسخير الأشياء له إلى تسخيرها عليه، فيسلط عليه الكوارث والجوائح والمصائب، فلا يذوق طعما للراحة، والهناء، بل حين يتمادى في الطغيان والفساد، فإن عذاب الاستئصال والهلاك هو مصيره.
ولنا عبرة وعظة في عاد قوم هود؛ فحين تجبروا وطغوا في الأرض وأكثروا فيها الفساد، سلط الله U عليهم ريحا صرصرا عاتية، أي الشديدة العصف. فجعلها تضرب بأحدهم الأرض فيخر ميتا على أم رأسه، فينشدخ رأسه وتبقى جثته هامدة كأنها قائمة النخلة إذا خرت بلا أغصان[1]: { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية* سخر عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل ترى لهم من باقية } [الحاقة: 6-8].