يعتبر التضخم من المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها جل الدول –إن لم نقل كلها- وهو في أكثر تعريفاته شيوعا عبارة عن “ضعف القوة الشرائية للعملة المحلية” أو “الارتفاع المستمر في المستوى العام لأسعار السلع والخدمات في دولة ما، سواء كانت هذه السلع والخدمات محلية الصنع أو مستوردة، وعلى ذلك فلا  تعتبر الزيادة المؤقتة للأسعار تضخما، كما لا تعتبر زيادة الأسعار على مستوى سلعة بعينها تضخما، وإنما يلزم أن تكون هناك زيادة مستمرة لمتوسط أسعار السلع والخدمات بشكل عام، حتى يمكن إطلاق مصطلح التضخم على ذلك.

وتتجسد خطورة التضخم في الآثار المترتبة عليه؛ فهو يسبب رعبا للمستثمرين لأنه ينطوي على نقص فعلي في قيمة أموالهم، فلو افترضنا أن شخصا استثمر في سندات تقدم له عائدا سنويا قدره 5% وكانت نسبة التضخم 4% فإن ذلك يعني أن ربحه انخفض فعليا بسبب التضخم إلى 1% فقط. ويؤدي التضخم غالبا لتراجع الصادرات أمام الواردات، وبالتالي العجز في الميزان التجاري، ومن آثاره كذلك تقليل القوة الشرائية للأفراد وتدهور مستوى المعيشة…

وينتج التضخم عادة عن زيادة في عرض النقود لا تقابلها زيادة في المعروض من السلع والخدمات، فزيادة الأجور مثلا من شأنها أن تؤدي لزيادة الطلب على السلع والخدمات وبالتالي زيادة أسعارها (التضخم). وزيادة مديونية الدولة قد تتسبب كذلك في التضخم، خاصة إذا ما تم اللجوء لخلق نقود جديدة للوفاء بأعباء خدمة الدين. كما أن انخفاض معدلات الفائدة بشكل مفرط قد يسبب التضخم لأنه سيشجع على تنامي منح الائتمان وبالتالي وفرة النقود. وقد ينتج التضخم أيضا عن زيادة أسعار المواد الأولية مما يفرض على الشركات  زيادة الأسعار.

ولمعالجة الاختلالات التي تنتج عن التضخم وإعادة اقتصاد الدولة إلى الوضع المتوازن، تلجأ الحكومات لمجموعة من الأدوات المالية والنقدية تهدف إلى الحد من خطر التضخم سنتعرض لأهمها بشيء من الإيجاز فيما يلي:

1- زيادة أسعار الفائدة يكبح معدل التضخم

تعتبر أسعار الفائدة أحد الأدوات النقدية التي تمتلكها المصارف المركزية  للتحكم في عرض النقود، ففي حالة التضخم تلجأ هذه البنوك لزيادة أسعار الفائدة، مما يؤدي لتوجه أصحاب الفوائض المالية إلى إيداع أموالهم في البنوك طلبا للأرباح، كما سيؤدي على الجانب الآخر لرفع المصارف التجارية للفائدة على القروض، مسببا كبح عمليات الاقتراض، وفي المحصلة ستؤدي سياسة زيادة سعر الفائدة إلى تقليل المعروض من النقود في السوق وهو ما سيؤدي بدوره إلى النقص في الطلب على السلع والخدمات وبالتالي تراجع أسعارها. ولا يخلو هذا الإجراء من سلبيات، منها أنه سيؤثر على حجم الاستثمار في البلد المعني لأنه سيؤدي – كما أسلفنا- لزيادة كلفة الإقراض، وبالتالي تعثر تمويل المشروعات الاستثمارية.

2- تغيير الاحتياطي الإلزاميوسيلة للتحكم في عرض النقود

الاحتياطي الإلزامي أو القانوني هو عبارة عن نسبة من ودائع العملاء يفرض المصرف المركزي على المصارف التجارية إيداعها لديه دون الحصول مقابل ذلك على أي عوائد،  ويعتبر تغيير المصارف المركزية لنسبة هذا الاحتياطي بالنقص أو الزيادة من أقوى الأسلحة النقدية التي يستخدمها للتحكم في الكتلة النقدية المعروضة في الدولة المعنية؛ ففي حالة التضخم مثلا فإن المصرف المركزي يلجأ لزيادة هذا الاحتياطي من أجل التأثير في حجم الائتمان من خلال سحب المزيد من النقود لتقليل المعروض منها في السوق ونقص الطلب على السلع والخدمات وبالتالي الحد من التضخم. وتؤدي زيادة الاحتياطي  الإلزامي إلى زيادة تكلفة المصارف التجارية نتيجة، زيادة نسبة الأموال المعطلة، وهو ما يفرض عليها في – بعض الأحيان- زيادة نسبة الفائدة الدائنة من أجل تعويض النقص الحاصل في السيولة لديها.

3- سياسة السوق  المفتوحة والتضخم

بالإضافة إلى معدل الفائدة ونسبة الاحتياطي القانوني فالمصارف المركزية تملك أدوات نقدية كثيرة منها ما يعرف بسياسة السوق المفتوحة، وهي إحدى أدوات التحكم في حجم السيولة لدى الأفراد والمؤسسات ، وتعني توجه المصرف المركزي إلى شراء أو بيع الأوراق المالية؛ ففي حالة الركود يلجأ لشرائها من أجل إنعاش الاقتصاد، أما في الحالة التي خصصنا لها هذا المقال وهي حالة التضخم، فالحل هو خفض الكمية المتداولة من العملة، وتقليل قدرة المصارف والمؤسسات المالية على منح الائتمان، وذلك من خلال بيع المصرف المركزي للأوراق المالية، وهو ما ينجم عنه تخفيض الأرصدة المتاحة للبنوك التجارية وبالتالي النقص في قدرتها على منح القروض، وذلك ما من شأنه أن يقلل عرض النقود وبالتالي تراجع مستوى التضخم.

4- السياسة المالية  والتضخم

قد تستخدم الحكومات أدوات أخرى غير الأدوات النقدية سالفة الذكر، وتعرف هذه الأدوات بأدوات السياسة المالية ومن أهمها الضرائب والإنفاق الحكومي، وتهدف إلى المحافظة على الوضع المثالي للاقتصاد الوطني ومعالجة جميع الاختلالات من انكماش وتضخم وغيرها، وذلك عن طريق تحديد مصادر الدخل وكيفية صرفه؛ ولأن الضرائب من أهم مصادر الدخل لكثير من الدول، تلجأ الدولة عادة إلى نقصها أو زيادتها لإنعاش الاقتصاد أو الحد من التضخم، ونفس الشيء بالنسبة للإنفاق الحكومي؛ فزيادة الضرائب على الدخل مثلا تؤدي إلى نقص الإنفاق الاستهلاكي لدى الأفراد، الذي ينتج عنه نقص الطلب على السلع والخدمات. كما أن زيادة الضرائب على بعض السلع والخدمات الكمالية التي يشتريها عادة قلة من الناس ذوي الدخول المرتفعة من شأنه خفض الطلب على هذه السلع والخدمات وبالتالي كبح التضخم. ولأن الإنفاق الحكومي يؤدي لزيادة المتداول من النقود، فنقصه يؤدي إلى نقص الطلب على السلع والخدمات وبالتالي الحد من التضخم.

إن معرفة الأسباب التي أدت للتضخم تعتبر ضرورية قبل الشروع في استخدام أي من الأدوات النقدية والمالية آنفة الذكر، لأن ذلك من شأنه أن يعين على استخدام الأداة أو الأدوات الأكثر فاعلية.