دعا مشاركون في مؤتمر “التعدد القومي في الشرق الأوسط: نحو إطار حضاري مشترك” إلى إيجاد صيغ تعاون بين كل من العرب والترك والكرد والفرس في ظل الحضارة الإسلامية التي تجمعهم والجغرافيا المتداخلة في المنطقة.
في الجلسة الافتتاحية للمؤتمر -الذي دام يومين- في العاصمة القطرية الدوحة بمشاركة سياسيين وباحثين- قال رئيس الوزراء التونسي السابق حمادي الجبالي إن التعاون بين هذه القوميات كان سببا رئيسيا لعظمة الحضارة الإسلامية في السابق، متمنيا أن يكون المؤتمر لبنة من لبنات عودة هذه الحضارة.
وألقى الجبالي باللوم على أصحاب النزعات القومية الرافضة لغيرها من القوميات. وشدد على أن شعوب المنطقة أقحمت في صراعات عرقية ومذهبية، في وقت تبين أن هذه الشعوب تبحث عن الحرية والكرامة كما ظهر في ثورات الربيع العربي مؤخرا.
وفي كلمته، قال وزير الخارجية الإيراني السابق كمال خرازي إن الحضارة الإسلامية هي الموجه الرئيسي للوحدة في ظل تعدد قوميات المنطقة.ودعا خرازي إلى عقد جلسات حوارية لمناقشة سبل عودة الحضارة الإسلامية، مشددا على ضرورة التعاون بين الجامعات والمنظمات غير الحكومية في هذا الصدد.
ولفت وزير الخارجية الإيراني السابق إلى أهمية الاستثمار في تطوير العلوم والتكنولوجيا لتحقيق عوامل النهضة المنشودة.
من جانبه، أشار رئيس جامعة ابن خلدون في تركيا رجب شنتورك إلى أن الرؤية الإسلامية ترى في التنوع مصدرا للقوة والتنمية والحضارة، مذكرا بأن الدولة العثمانية حرصت على الحفاظ على هذا التنوع، واستشهد في ذلك بأن اللغات الرسمية للدولة كانت العربية والفارسية إلى جانب التركية.
وقال شنتورك إن القوى الاستعمارية سعت دوما إلى تقسيم الشعوب وإذكاء الخلافات القومية بينها. وأضاف أن من وصفهم بالمتطرفين لا يقبلون أبدا بالتنوع ويسعون دائما إلى جعل البشر جميعا على طريق واحد.
وفي كلمته في افتتاح المؤتمر أكد الدكتور حسن بن راشد الدرهم رئيس جامعة قطر أن هذا المؤتمر يناقش إحدى أهم القضايا التي شغلت الرأي العام في هذه المنطقة من العالم لعشرات السنين حيث تعدُ “المسألة القومية” من القضايا المركزية في المشهد الإسلامي منذ مطلع القرن العشرين ، وأضاف الدكتور حسن الدرهم أن التنوع العرقي نمطٌ من أنماط الاختلاف الذي يعد سنة إلهية في الاجتماع الإنساني، وسنة الاختلاف تنعكس إيجابا في المجتمعات المتقدمة؛ فتشكّل ثراءً حضاريًا قادرًا على استيعاب الفروقات والتباينات دون إقصائها.
ورأى مدير مركز ابن خلدون في جامعة قطر نايف بن نهار -الذي أدار الجلسة الافتتاحية للمؤتمر- أن المسألة القومية من القضايا المركزية في المشهد الإسلامي منذ مطلع القرن العشرين، إذ أنه بعد سقوط الخلافة العثمانية ظهرت بوضوح أزمة تزاحم الهويات لدى القوميات المختلفة في الشرق الأوسط.
وأشار إلى أن بعض القوى السياسية والأيدلوجية سعت لتوظيف هذا التنوع لخدمة مصالحها الضيقة، مما يقلب المعادلة ويحول التعدد القومي من كونه إضافة مثرية إلى عبء يمزق أواصر العلاقات في عموم المشهد الحضاري.
وتناول المؤتمر -الذي ينظمه مركز ابن خلدون في جامعة قطر بالتعاون مع مركز الجزيرة للدراسات وجامعة ابن خلدون في تركيا- ثلاثة محاور هي عوائق التلاقي الحضاري بين قوميات الشرق الأوسط، وتوظيفات القوى الإقليمية والدولة لقوميات الشرق الأوسط في العصر الحديث، والأسس الفكرية لتشكيل الإطار الحضاري المشترك لقوميات الشرق الأوسط.
وناقش المؤتمر موضوع القومية من حيث بنيتها الداخلية، وتفاعلها مع بقية القوميات، وعلى محاولات التوظيف السياسي والأيدلوجي للتعدد القومي، وعلى آفاق الاجتماع الحضاري المشترك بين قوميات الشرق الأوسط .
ويأتي هذا المؤتمر ضمن إطارَيّ المواكبة والأقلمة؛ ليكون بمثابة محاولة لتسليط الضوء ليس على القومية من حيث بنيتها الداخلية، بل على القومية من حيث تفاعلها مع بقية القوميات، وعلى محاولات التوظيف السياسي والأيدلوجي للتعدد القومي، وعلى آفاق الاجتماع الحضاري المشترك بين قوميات الشرق الأوسط، وذلك وفقًا للمحاور الآتية:
المحور الأول: عوائق التلاقي الحضاري بين قوميّات الشرق الأوسط: سؤال التأريخ والأيدلوجيا. يتناول هذا المحور دواعي بروز إشكالات المسألة القومية في الشرق الأوسط في العصر الحديث، والعناصر التي شكّلت عوائق في سبيل التلاقي الحضاري العابر للقوميات.
المحور الثاني: توظيفات القوى الإقليمية والدولية لقوميات الشرق الأوسط في العصر الحديث. يسلط هذا المحور الضوء على الجهود المبذولة في العصر الحديث من قبل القوى الإقليمية والدولية لتوظيف قوميّات الشرق الأوسط سياسيًا وأيدلوجيًا.
المحور الثالث: الأسس الفكرية لتشكيل الإطار الحضاري المشترك لقوميات الشرق الأوسط. يطرح هذا المحور سؤال المرجعية في عملية تشكيل الإطار الحضاري المشترك بين قوميات الشرق الأوسط، وذلك من خلال تسليط الضوء على الأسس الفكرية التي تؤسس لهذا الإطار.