تُعد دولة قطر نموذجاً فريداً للتنمية الشاملة، حيث استطاعت أن تحقق قفزات نوعية في مختلف المجالات، مدفوعة بثروتها الهيدروكربونية ورؤيتها الاستراتيجية الطموحة. وفي قلب هذه المسيرة التنموية يكمن الاهتمام البالغ بـ التنمية الاجتماعية، التي لا تُنظر إليها على أنها مجرد قطاع خدمي، بل هي ركيزة أساسية لضمان استدامة التنمية الوطنية وتحقيق الرفاهية للمواطنين والمقيمين على حد سواء.
التنمية الاجتماعية في قطر عملية متكاملة تهدف إلى بناء مجتمع متماسك، قائم على الأخلاق الحميدة، ومُمكّن لجميع فئاته، ومحافظ على هويته الثقافية في خضم الانفتاح العالمي.
لقد تبلورت رؤية التنمية الاجتماعية في قطر في رؤية قطر الوطنية 2030، التي تمثل خارطة طريق واضحة المعالم لمستقبل الدولة، وتسعى إلى تحقيق التوازن بين الإنجازات التي تحقق النمو الاقتصادي والموارد البشرية والطبيعية. وتُعد التنمية الاجتماعية، إلى جانب التنمية البشرية والاقتصادية والبيئية، إحدى الركائز الأربع التي تقوم عليها الرؤية، مما يؤكد على الأهمية القصوى التي توليها الدولة لبناء الإنسان والمجتمع.
رؤية قطر 2030 .. الإطار الاستراتيجي للتنمية الاجتماعية
تهدف رؤية قطر الوطنية 2030 إلى تحويل دولة قطر، بحلول عام 2030، إلى دولة متقدمة قادرة على تحقيق التنمية المستدامة وعلى تأمين استمرار العيش الكريم لشعبها جيلاً بعد جيل.

وتحدد الرؤية الأهداف الاستراتيجية لركيزة التنمية الاجتماعية في بناء مجتمع عادل وآمن، مستند إلى الأخلاق الحميدة والرعاية الاجتماعية، وقادر على التعامل والتفاعل مع المجتمعات الأخرى.
وتعمل استراتيجية التنمية الوطنية الثالثة (2024-2030) على ترجمة هذه الأهداف إلى برامج وخطط عمل تنفيذية، مواصلةً بذلك مسيرة الجاهزية والانتقال بدولة قطر إلى مصاف الدول المتقدمة. وتتضمن هذه الاستراتيجية أهدافاً واضحة لتقوية نسيج المجتمع القطري من خلال دعم الأسر، وحماية المجتمعات، ورعاية الثقافة، والاستثمار في الرعاية الصحية، والتشجيع على تبني أسلوب حياة أكثر صحة .
الأهداف الاستراتيجية لركيزة التنمية الاجتماعية
في إطار التنمية الاجتماعية في قطر بصفة عامة، يمكن تلخيص الأهداف الاستراتيجية لركيزة التنمية الاجتماعية في رؤية قطر 2030 في النقاط التالية:
| الهدف الاستراتيجي | الوصف |
| بناء مجتمع متماسك | تعزيز التماسك الأسري، والحفاظ على القيم والأخلاق، ودعم دور الأسرة كحجر الزاوية في المجتمع. |
| توفير الرعاية الاجتماعية | ضمان توفير شبكة أمان اجتماعي فعالة للفئات المستحقة، والانتقال من الرعاية إلى التمكين. |
| تعزيز المشاركة المدنية | دعم دور الجمعيات والمؤسسات الخاصة، وتشجيع المسؤولية الاجتماعية والمشاركة الفاعلة للمواطنين. |
| الحفاظ على الهوية الثقافية | رعاية التراث والثقافة القطرية والعربية والإسلامية، وتعزيز الانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى. |
الأسرة والتماسك المجتمعي .. حجر الزاوية في التنمية
تُعد الأسرة في دولة قطر هي أساس المجتمع، وينص الدستور الدائم للدولة على أن قوامها الدين والأخلاق وحب الوطن، وينظم القانون الوسائل الكفيلة بحمايتها، وتدعيم كيانها وتقوية أواصرها والحفاظ على الأمومة والطفولة والشيخوخة في ظلها. هذا التأكيد الدستوري يعكس الأهمية القصوى التي توليها الدولة للتماسك الأسري كركيزة للتنمية الاجتماعية.
وضمن مشاريع واسترتيجيات التنمية الاجتماعية في قطر، تضطلع وزارة التنمية الاجتماعية والأسرة (MSDF)، التي تأسست عام 2021، بالدور المحوري في وضع وتنفيذ السياسات الوطنية والخطط الإستراتيجية التي تعزز التماسك الأسري والتنمية الاجتماعية الشاملة. وتتبنى الوزارة نهجاً شمولياً يركز على الانتقال من الرعاية إلى التمكين، وهو تحول استراتيجي يهدف إلى جعل الأفراد والفئات المستهدفة منتجين ومساهمين فاعلين في المجتمع بدلاً من الاكتفاء بتقديم المساعدات لهم.

من الرعاية إلى التمكين
تتجلى هذه الاستراتيجية في شقين رئيسيين:
1- الرعاية والحماية الاجتماعية:
- تقديم خدمات الضمان الاجتماعي للفئات المستحقة، مثل الأرامل والمطلقات والأسر المحتاجة والأشخاص ذوي الإعاقة والأيتام.
- تنظيم شؤون الجمعيات والمؤسسات الخاصة والإشراف عليها لضمان تقديمها لخدمات مجتمعية فعالة.
2- التمكين والمشاركة:
- إطلاق برامج توعوية تهدف إلى تعزيز الثقافة الاقتصادية للأسر، مثل برنامج “الوعي المالي”، لمساعدة الأسر على إدارة شؤونها المالية بكفاءة.
- تنفيذ مبادرات لدمج الأشخاص ذوي الإعاقة في سوق العمل، مما يعزز من استقلاليتهم ومساهمتهم في الاقتصاد الوطني.
- تشجيع المبادرات الاجتماعية الفردية والمجتمعية التي تخدم الأسرة والمجتمع، وتدعم الإبداع والابتكار، وتضمن أن تكون هذه المبادرات ذات أثر مستدام .
الاستثمار في الإنسان .. التعليم والصحة كرافدين للتنمية
لا يمكن أن تكتمل التنمية الاجتماعية في قطر بمعزل عن الاستثمار في الإنسان، ولذلك تولي قطر أهمية قصوى لقطاعي التعليم والصحة، اللذين يُعدان رافدين أساسيين لركيزة التنمية البشرية، والتي تتكامل بدورها مع التنمية الاجتماعية.
التعليم وبناء القدرات المعرفية
تُعد مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع (QF) مثالاً رائداً على هذا الاستثمار، حيث تعمل على بناء القدرات المعرفية والبحثية، وتوفير بيئة تعليمية عالمية المستوى. كما أن المبادرات التي تطلقها المؤسسات التعليمية، مثل مبادرة “قطر تقرأ” التابعة لمكتبة قطر الوطنية، تهدف إلى نشر ثقافة القراءة وتشجيع التفكير النقدي وغرس القيم الإيجابية، مما يساهم بشكل مباشر في بناء مجتمع واع ومثقف. إن التعليم النوعي هو الأداة الرئيسية لتمكين الأفراد من تحقيق إمكاناتهم الكاملة والمساهمة الفاعلة في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
الرعاية الصحية وأسلوب الحياة الصحي
تهدف رؤية قطر 2030 إلى تطوير نظام رعاية صحية شامل وعالي الجودة، يضمن توفير خدمات صحية متقدمة لجميع السكان. ولكن التنمية الاجتماعية في هذا القطاع لا تقتصر على العلاج، بل تمتد لتشمل الوقاية والتشجيع على تبني أسلوب حياة صحي. ويتم ذلك من خلال حملات التوعية، وتوفير المرافق الرياضية، وتنظيم الفعاليات المجتمعية التي تشجع على النشاط البدني، مما يساهم في بناء مجتمع أكثر صحة وحيوية.
تعزيز الثقافة والهوية والمشاركة المدنية
يدرك القائمون على- الدولة أن التنمية الاجتماعية في قطر يجب أن تكون متجذرة في الهوية الثقافية والقيم الأخلاقية للمجتمع.
الحفاظ على الهوية الثقافية
يُعد الحفاظ على التراث والثقافة القطرية والعربية والإسلامية ضمن استراتيجية التنمية الاجتماعية في قطر، فهو ركيزة أساسية في التنمية الاجتماعية. ويتم ذلك من خلال دعم المؤسسات الثقافية، والمتاحف، والمراكز الشبابية التي تعمل على نقل هذه القيم للأجيال الجديدة، مع تعزيز الانفتاح الواعي على الثقافات الأخرى. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة يضمن أن يكون المجتمع القطري قادراً على التفاعل مع العالم دون أن يفقد هويته.
المشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية
تُشجع الدولة على تعزيز المشاركة المدنية والمسؤولية الاجتماعية، حيث تقتضي استراتيجية التنمية الاجتماعية في قطر دعم دور الجمعيات والمؤسسات الخاصة كشريك فاعل في عملية التنمية. وتعمل هذه المؤسسات في مجالات متنوعة، مثل العمل الخيري، ورعاية الأيتام، ودعم الشباب، مما يعزز من التكافل الاجتماعي ويقوي الروابط المجتمعية. كما أن هناك تركيزاً متزايداً على تمكين الشباب وإشراكهم في صنع القرار، باعتبارهم قادة المستقبل وعماد التنمية.
الدور العالمي لقطر في التنمية الاجتماعية
لم تقتصر جهود قطر في التنمية الاجتماعية على النطاق المحلي، بل امتدت لتشمل دوراً ريادياً على الساحة الدولية. وتؤكد قطر باستمرار على أن حقوق الإنسان في صميم التنمية الاجتماعية لضمان مستقبل مستدام وشامل.
وقد تجلى هذا الدور في استضافة القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية في نوفمبر 2025، والتي تُعد منصة عالمية لمناقشة التحديات والفرص المتعلقة بالتنمية الاجتماعية على مستوى العالم.
كما أن “إعلان الدوحة”، الذي صدر عن مؤتمرات سابقة، يشدد على ضرورة التنفيذ الكامل لخطة 2030 وأهداف التنمية المستدامة، ووضع الإنسان في صميم العملية التنموية.

وتُعد دولة قطر شريكاً فاعلاً في المجتمع الدولي وداعماً لجهود التنمية الاجتماعية من خلال ما تقدمه من مساعدات ومساهمات للعديد من الدول والمجتمعات حول العالم، مما يعكس التزامها بمبدأ المسؤولية العالمية تجاه التنمية.
نحو مستقبل مستدام ومجتمع متماسك
تُظهر التنمية الاجتماعية في قطر التزاماً راسخاً ببناء مجتمع متماسك، عادل، وآمن، يوازن بين متطلبات الحداثة والحفاظ على القيم الأصيلة. إن رؤية قطر الوطنية 2030، وما تلاها من استراتيجيات وطنية، توفر إطاراً شاملاً لضمان أن تكون التنمية موجهة نحو الإنسان، وأن تستفيد منها جميع فئات المجتمع.
إن التحول الاستراتيجي من الرعاية إلى التمكين، والتركيز على الأسرة كحجر زاوية، والاستثمار المستمر في التعليم والصحة، كلها عوامل تضمن استدامة هذه التنمية. ومع استمرار قطر في تعزيز دورها العالمي في هذا المجال، فإنها لا تكتفي بتحقيق الرفاهية لشعبها فحسب، بل تساهم أيضاً في صياغة مستقبل أفضل للتنمية الاجتماعية على مستوى العالم. إن المسيرة مستمرة نحو تحقيق الأهداف الطموحة لرؤية 2030، وبناء مجتمع قطري متماسك ومستدام للأجيال القادمة.
