تُرى ما هي الحسبة في الإسلام وماهي مصادرها؟ تدل الـمادة التي أُخذ منها اسم “الـحسبة” على العَدِّ والإحصاء؛ فالـحسبة: مصدر احتسابك الأجر على اللَّه تعالى، تقول: فعلته حسبة، ويُقال: احتسب أجره عند اللَّه؛ بمعنى ادَّخرَهُ عِنْدَه. والاحتساب في الأعمال الصالحات وعند الـمكروهات: هو البِدَارُ إلى طلب الأجر وتحصيله، أو باستعمال أنواع البِرِّ والقيام بها على الوجه الـمرسوم فيها؛ طلبا للثواب الـمرجو منها. وفي حديث عمر بن الـخطاب رضي اللَّه عنه : ((أيها الناس، احتسِبوا أعمالكم، فإن من احتسب عمله، كُتب له أجرُ عمله، وأجرُ حِسْبَتِه)).
وهي عند الفقهاء تعني: الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر، ففعل ذلك مما يحتسبه فاعله عند اللَّه تعالى.
وقد تمَّ الاستناد في ذلك الأمر إلى العديد من الآيات القرآنية؛ كقوله تعالى: ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾.[آل عمران: 104]
وقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّـهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ﴾. [الحج: 41]
وإلى الأحاديث النبوية الشريفة؛ كقوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم: ((مَنْ رَأى مِنْكُم مُنْكَرًا فَلْيُغَيرهُ بيَدِهِ، فإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبلِسَانِهِ، فإِنْ لمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وذلِكَ أَضْعَفُ الإيمَان)).
فموضوع الحسبة في الإسلام إذن هو: إلزامُ الـحقوق والـمعونةِ على استيفائها، لكنْ ليسَ لواليها أن يتجاوز ذلك إلى الـحكم الناجز الفاصل عند قيام الـمُنازعَة وخفاءِ الـحق منها. أمَّا قصورُها عن “القضاء“؛ فمن وجهين:
أحدهما: قصورُها عن سماعِ عمُوم الدعاوى الـخارجةِ عن ظواهِر الـمنكرات في العقُود والـمعاملات.
وثانيهما: اقتصارُها على الـحقوق الـمعتَرف بها. أمَّا ما يتداخله التجاحُد والتناكُر، فلا يجوز للمحتسب النظر فيه؛ لأن الـحاكم فيها يقضي على سماع بيِّنَةٍ وإِحْلاف يمين، ولا يجوز للمحتسب أيًّا منهما.
وقد اهتم الـمسلمون قديما بدراسة موضوع الحسبة في الإسلام، وأقدم كتابٍ صُنِّف فيها هو كتاب “الـحسبة الكبرى” لابن أبي العباس أحمد بن محمود بن مروان السَّرخسيِّ الـمتوفََّى سنة 286هـ، وله كتاب آخر مفقود هو “الـحسبة الصغرى”. ولهذا الكتاب أهمية كبرى لكونه يُعدًّ أقدم الـمصادر في موضوعه، ولأنَّ مؤلفه كان مُحْتَسِبًا في بغداد في عصر الـخليفة العباسي الـمعتمد باللَّه (256- 284هـ).
كما اهتم الـماوَردي (364- 450هـ) في كتابه: “الأحكام السلطانية” بمسألة الـحسبة حيث أفرد لها جزءا، وكذلك أبو حامد الغزالي (ت 505هـ) في كتابه: “إحياء علوم الدِّين. أمَّا كتاب: “نهاية الرُتْبَةِ في طلب الـحِسْبَةِ” لابن سالم الـمحتسب؛ فيُعدُّ أولَ كتاب طُبع في الـحسبة سنة 1907م، باعتناء الأب لويس شيخو اليسوعي.
ويُمكننا تقسيم الـمصادر الـمتعلقة بدراسة موضوع الـحسبة إلى قسمين رئيسين:
أولهما: هو الـمصادر الفقهية والكلامية.
وثانيهما: الكتب ذات الطابع العمليِّ التي تركِّز بصفة خاثة على وظائف الـمحتسب وبيان حدود سلطته.
ومن أبرز الفقهاء والـمتكلِّمين الذين أوْلَوا موضوعَ الـحسبة عناية خاصة: الـماوردي (ت 450هـ)، والغزالي (ت 505هـ)، وابن تيمية (ت 728هـ)، وابن جماعة (ت 733هـ). أمَّا الكتب العملية فيتقدَّمها كتاب: “نهاية الرُتبة في طلب الـحسبة” للشَّيْزَرِيِّ الـمتوفَّى سنة 589هـ، وكتاب: “معالم القُرْبَة في أحكام الـحسبة” لابن الأخوة الـمتوفَّى سنة 729هـ.
أمَّا في الأزمنة الـحديثة؛ فقد توزَّع الاهتمام بدراسة الـحسبة على اتجاهات عديدة، من أبرزها: الاتجاه السَّلفي الذي أولى عناية خاصة بمؤلفات ابن تيمية؛ خاصة كتابيه: “الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر”، و “الـحسبة في الإسلام”، حيث نُشرا عشرات الـمرات!
وقد اعتبر ممثلوا هذا الاتجاه الـحسبةَ بمثابة “وظيفة الدولة الإسلامية”؛ وهو العنوان الفرعيُّ الذي ألحقوه بنشراتهم العديدة لِمؤلََّف ابن تيمية سابق الذكر. كما ساهم محمَّد رشيد رضا (1282- 1354هـ/ 1865- 1935م)، من خلال مطبعة الـمنار، في نشر رسالة ابن تيمية.
ففي العام 1921م نشر صاحب الـمنار ثلاث رسائل لِمحمد بن عبد الوهاب (1115- 1206هـ) بعنوان: “هذه ثلاثة الأصول وأدلتها”، والتي تشتمل على ثمانية رسائل لابن تيمية. ثم أتبعها في العام 1927م بنشر “مجموعة التوحيد النجدية”، التي أشرف على تصحيحها وطبعها.
كما انعقد في العام 1961م مؤتمر الفقه الإسلامي في جامعة دمشق، والذي ركَّزت دراساته على موضوع الـحسبة، وطُبعت أعمال هذا الـمؤتمر في القاهرة تحت عنوان: “أسبوع الفقه الإسلامي”.
وفي السياق ذاته اهتم عدد كبير من شيوخ الأزهر بدراسة موضوع الـحسبة وبيان أهميتها وعلاقتها بالشريعة الإسلامية؛ كالشيخ أحمد مصطفى الـمراغي (توفي 1371هـ/ 1952م) الذي ألّف مقالا بعنوان: “الـحسبة في الإسلام”، نُشر أولا بمجلة الـموظَّف الغرَّاء، ثم طُبع ككتاب مُستقل بعد ذلك عام 1955م.
وعادة ما تبدأ الـمؤلفات الـمنتمية لهذا الصنف بالـحديث عن معنى الـحسبة لغة واصطلاحا/ شرعا، وارتباطها بمبدأ الأمر بالـمعروف والنهي عن الـمنكر، وسبب إحداثها، ثم توضِّحُ مراتب الـحسبة وآدابها، وأصناف الـمحتسبين وشروطهم، ووظائفهم الدينية والـمدنية، وحدود سلطتهم فيما يتعلق بتطبيق العقوبات الشرعية، وتبعيتهم للسلطان، والنظر إلى الـمحتسب بوصفه من رجال “الضبطية القضائية” باصطلاح العصر الـحديث.
وأخيرا اهتم ممثلوا “الاتجاه التاريخي” بدراسة نشأة الـحسبة وتطورها تاريخيا، مع إيلاء عناية خاصة بدراسة علاقتها بالـجانب السياسي أو الإطار التنظيميِّ لشؤون الدولة. وضمن هذا السياق نُصادف مؤلفات أكاديمية تُعنى بدراسة موضوع الـحسبة في حقب تاريخية محدَّدة، وأغلبها يكون عبارة عن أطروحات جامعية؛ كأطروحة الباحثة سهام مصطفى أبو زيد “الـحسبة في مصر الإسلامية من الفتح العربي إلى نهاية العصر الـمملوكي”، التي أعدتها بكلية البنات جامعة عين شمس سنة 1970.