الحمية (الريجيم) من الموضوعات التي انتشرت في حياتنا المعاصرة على نحو واسع، مما جعلها تمثل هاجسا كبيرا لدى شرائح واسعة من مجتمعنا العربي، خاصة لدى النساء، والملاحظ أن الكثير من عناوين المقالات في الدوريات الطبية وغير الطبية تربط السمنة بالمرض لا بالصحة، والأطباء غالبا ينصحون مريضهم بالانتباه إلى وزنه، ويعلقون النجاح في علاج مرضه بنجاحه في تقليل وزنه، يفعل أكثرهم ذلك وكلهم إيمان بأن السمنة تحمل كثيرا من الأخطار على صحة الفرد وعلى حياته بصفة عامة.
إلا أن الخطر الذي قد تمثله السمنة على الصحة العامة لا يمكن تقييمه بالرجوع فقط إلى أكثر الطرق الطبية شيوعا اليوم لتحديد مستوى السمنة أو النحولة التي تعتمد على حساب منسب كتلة الجسد، وهو الناتج عن حاصل قسمة الوزن بالكيلوجرام على مربع الطول بالمتر – فهناك عوامل أخرى عديدة من أهمها :توزع الدهون في الجسد ومناطق تجمعها، ومستوى اللياقة البدنية بغض النظر عن الوزن.
هل فكرة ارتباط السمنة بالمرض صحيحة؟
وهو ما يعني أن الأمور ليست أبدا بالبساطة التي تمكننا من إرجاعها إلى عامل واحد بالشكل الذي يسمح للأطباء في كل مكان في العالم أن يربطوا بين سمنة شخص ما بمجرد رؤيته والأمراض التي تصيبه.
ورغم ذلك الشيوع والأثر القوي لفكرة ارتباط السمنة بالمرض، فإن الباحث المدقق سيكتشف أو سيُصْدَمُ بأن ذلك الارتباط بين السمنة والأمراض ليس مؤكدا ولا قويا من الناحية العلمية والإحصائية بالشكل الذي يبرر التسليم الحاصل بأن السمنة مدعاة للمرض، ناهيك عن اعتبارها هي نفسها مرضا (باستثناء السمنة المفرطة بالطبع)، وهذا هو ما ينادي به كثيرون من العقلاء في الميدان العلمي والطبي، لكن أصوات هؤلاء نادرا ما تجد من يضعون لها الأبواق المناسبة.
والحقيقة التي لا يمكن إغفالها بالرغم من ذلك هي أن المجتمع من حولنا يحوي العديد من الأشخاص ذوي الوزن الزائد الذين لا تمثل سمنتهم مشكلة بالنسبة لهم في أي منحى من مناحي حياتهم، اللهم إلا شعورهم بأنهم يتعرضون للتفرقة الجسدية الاجتماعية؛ فهم مثار سخرية أو استغراب أو استظراف المحيطين بهم، وهم ضحية التحيز الاجتماعي للجسد النحيل أو الممشوق، كما أنهم يعانون في أبسط الأشياء كانتقاء الأزياء، خاصة في الدول المسماة بالدول النامية.
حميات مبتدعة لزيادة الوزن!!
الأنظمة الغذائية الخاطئة (المبتدعة) لإنقاص الوزن جميعها أنظمة تعتمد على خفض الوزن بصورة سريعة وبقدر كبير، ولعل آخر ما سمعناه هو “ريجيم” الأيام السبعة الذي يعمل على خفض الوزن من 5 إلى 7 كيلوجرامات خلال أسبوع واحد، وغالبا ما يكون محتوى الطاقة للنظام الغذائي اليومي 800 سعر حراري أو أقل.
ونظرًا لأن هذه الأنظمة تعتمد على عنصر واحد فقط من الغذاء، وتكون غير متنوعة فهي تؤدي إلى أمراضِ سوءِ التغذية؛ وهو ما يؤدي إلى خلل في كميات ونسب العناصر الغذائية التي يحتويها النظام؛ مما يجبر الجسم على هدم أنسجته، وإفراز كميات كبيرة من السوائل لإنقاص الوزن بمعدلات عالية وسريعة مقارنة بالمعدلات الناتجة عن النظم الغذائية المتوازنة.
ويستمر هذا الفقد لمدة أيام أو أسابيع بعدها يقل معدل فقد الوزن حتى يصل إلى الصفر بعد فترة تعتمد على نوع النظام، ومن الناحية الحيوية تُحْدِثُ هذه النظمُ جفافًا وخللا في التوازن الحمضي القاعدي للجسم، ويؤدي بعضها إلى إحداث خلل في إفراز الهرمونات.
وبمجرد التوقف عن النظام المبتدع يعاود الجسم كسب ما فقد من وزن بمعدلات قد تساوي المعدلات السابقة للفقد أو تزيد عنها؛ حيث يقوم الجسم بتعويض السوائل والعناصر الغذائية التي فقدها خلال اتباع هذا النظام.
ومن أشهر النظم الغذائية المبتدعة لإنقاص الوزن نظام استخدام خل التفاح مع “الليسيثين”، وهذا النظام لا يؤثر على معدل فقد الوزن بشكل فعلي بالإضافة إلى كونه نظامًا مكلفًا من الناحية المادية.
فخل التفاح يساعد على تقليل الشهية للطعام وزيادة حرق الدهون المختزنة (ولكن هذا لا يلغي أهمية الالتزام بنظام غذائي مناسب لإنقاص الوزن)، وقد أثبت عدد من الدراسات أن تناول خل التفاح يخفِّض فرص الإصابة بمرض القلب، ويقاوم خطورة ارتفاع الكوليسترول كأحد العوامل المهمة التي تهدر صحة القلب والشرايين، كما أنه يستخدم في علاج الدوخة والدوار، ويُوصَى باستعماله للمساعدة في الهضم، كما يُستخدم في علاج القيء، والمغص، وتطهير المسالك البولية، وتخليصها من الرواسب والأملاح، ويستخدم كذلك علاجًا للسعال.
النظام الأفضل للحمية
نظام الريجيم الذي يساعد الفرد على الوصول إلى الوزن المقبول والمحافظة عليه يكون عن طريق:
1- تعديل السلوك الغذائي الخاطئ.
2- ممارسة نشاط بدني مناسب.
ويجب أن يتم تصميم النظام الغذائي المتوازن بصورة شخصية، وبواسطة متخصص تغذية مؤهل، وتحت أشراف طبيب مختص، وبناءً على تقييم شامل للحالة الصحية للشخص السمين.
فتنظيم الغذاء والمداومة على الرياضة سبيلك الأمثل لإنقاص الوزن؛ حيث إنه من المفترض أن ينقص الوزن نصف كيلوجرام في الأسبوع أي 2 كيلوجرام في الشهر، وهو نظام ثابت ودائم مدى الحياة، وليس له أي آثار جانبية.
أكذوبة اسمها أغذية الحمية أو “الريجيم”
يعتقد الكثيرون أن اللجوء إلى أطعمة مخفضة للسعرات هو الحل الأمثل من أجل إنقاص الوزن، لكن للأسف! فإن النتيجة غير مجدية غالبا، وقد تعطي نتائج عكسية، وهناك كثير من الدراسات التي تمت على الإنسان والحيوان تؤكد ذلك؛ بل إن من نجحوا في إنقاص كمٍّ معين من الكيلوجرامات باستخدام البرامج المعتمدة على تناول أغذية مخفضة للسعرات – وهم قلة – لا يختلفون بعد عام واحد من متابعتهم عمَّن استخدموا أي طريقة أخرى في إنقاص أوزانهم؛ فالوزن المفقود تتم استعادته بل زيادته بعد مرور سنة في معظم الحالات.
وعلى الجانب الآخر نجد أن أكثر شركات إنتاج الغذاء الكبيرة أصبحت تمتلك خطوط إنتاج موازية لمنتجاتها الأساسية تقوم فيها بإنتاج أغذية تتم معالجتها بشكل أو بآخر من أجل تقليل السعرات الحرارية فيها لكي تصبح مناسبةً لمتبعي الحمية المنحفة، فإما أن تستبدل بالدهون الطبيعية في الغذاء بديلا صناعيا، أو تستبدل بالمواد السكرية مادة تحلية صناعية مثل الأسبارتام “Aspartame” أو السكارين “Saccharin”، وقد يتمّ تعويض المفقود من الطعم بإضافة البروتينات أو مكسبات الطعم.
حقائق كيميائية لا يعلمها الكثيرون
رغم أن البروتينات ألذّ طعمًا إلا أنها من أقل أنواع الغذاء التي تمنح الإحساس بالشبع لمن يأكلها!. فإذا أردنا أن نعرف لماذا يحدث ذلك فإن علينا أن نتذكر بعض حقائق الكيمياء الحيوية البسيطة التي لا يعلمها الكثيرون:
أولا: يعطي جرام البروتين مقدار الطاقة نفسه الذي يعطيه جرام السكريات أو النشويات، ولكنه لا يعطي الشعور نفسه بالشبع؛ لذلك عندما تجوع وتريد أن تأكل تبتعد عن السكريات لكي لا تكسب الوزن أو تفقده، وإذا اخترت غذاء غنيًّا بالبروتين منخفض السكر والدهون فستأكل ولن تشبع، وستعيد الأكل بعد فترة قصيرة، ودون أن تدري ستجد أنك أكلت من السعرات الحرارية أكثر مما يلزمك مع أنك لم تشعر بالشبع! ولو أنك أكلت غذاء طبيعيا لما وقعت في ذلك الفخ.
ثانيا: نقص السكر المناسب في الغذاء – وبالتالي في الجسم – يقلل من قدرة الجسد على استخدام الدهون؛ وذلك لأن استخدام الأحماض الدهنية في إنتاج الطاقة بدلا من السكر يؤدي إلى تجمع ناتجين من نواتج استقلاب الدهون هما حمضا الأسيتو أسيتك أو الخلّ الخلي “Aceto-Acetic Acid” والبيتا هيدروكسي بيوتريك “Betahydroxybuteric Acid”، وتراكُم هذين الحمضين يثبط أي استخدام للأحماض الدهنية، والتخلص منهما لا يكون إلا بتوفر سكر الجلوكوز، ومعنى ذلك أنك عندما تعتبر السكريات والنشويات أغذيةً ممنوعةً فإنك تضع جسدك في موقف العاجز عن استخدام مخزونه من الدهون.
ثالثا: الاستمرار على غذاءٍ منزوع الدهون والسكريات أو قليلها يجعلك في حالة جوع مستمر وشهية ملحة باستمرار؛ فأنت تحارب في اتجاهين أحدهما هو اشتهاؤك للسكريات والدهون، والآخر هو جوعك واحتياج جسدك إلى الطاقة، فإذا أخذت ما يسدّ جوعك من البروتين، فإنك – لا محالة – ستأكل بروتينًا أكثر من اللازم، وهذا البروتين الأكثر من اللازم سيتحول إلى دهون يختزنها جسدك الجائع الذي تحاول أنت أن تأخذ منه الدهون! وهذا لأن أولوياتك المعرفية عكس أولويات جسدك.
رابعا: علينا أن نراجع الأوليات فيما يتعلق بهضم واستقلاب البروتينات؛ فالبروتين يتكون من هضميدات “Peptides”، وهي عبارة عن أحماض أمينية، يستخدم جزء صغير منها في بناء الجسد، ويتمّ تحويل الباقي إلى مواد سكرية أو مواد دهنية؛ فأكثر الأحماض الأمينية يتحول إلى سكريات فقط، وبعضها يمكن تحويله إلى دهنيات فقط، وبعضها الآخر يمكن أن يتحول إلى سكريات أو إلى دهنيات حسب احتياج الجسد مثل “الفنيل ألانين” و”التيروسين” و”الأيزو ليوسين” و”التريبتوفان”.
وعندما نتجنب الدهون أو نعيش على أغذية الحمية المخفضة الدهون، يقوم الجسد بإنتاج كمية من الخمائر (أو الإنزيمات) تعمل على تحويل الأحماض الأمينية الأربعة الأخيرة إلى دهون بمعدل 14 ضعفًا مما ينتجه الجسد عند تناول الغذاء الطبيعي.
إذن من يكسب في النهاية؟ ألا ترى أن الوزن الحقيقي المفقود في النهاية هو وزن حافظة نقودك؟ ونستنتج من ذلك أن أغذية الحمية هي أكذوبة يروجها من لا يعرفون، أو من يعرفون ولكنهم يتكسبون من هذه الكذبة.. فهل الأمر يتوقف عند ذلك؟
للأسف لا.. فهناك بعض الدراسات التي تشير إلى تسبب بدائل السكر كالأسبارتام مثلا في أورام المخ واعتلال الأعصاب، وتسبب السكارين في سرطان المثانة البولية، وخبز الحمية في سرطان القولون.