شيء أساسي في حياتكم أبنائي وبناتي أن تعرفوا عدوكم الأكبر وخصمكم اللدود حتى توجهوا كل جهودكم من أجل مقاومته دون هوادة. أتعرفون ما هو؟ إنه القصور الذاتي والضعف الشخصي. وقد تقولون لي: ما معنى القصور الذاتي؟ وأقول لكم: إني أعني بالقصور الذاتي هنا عدم كفاية القدرات الذاتية للمرء، أو عدم استثمارها على النحو الأمثل، كما أعني به ضعف إدارته على صعيد مقاومة رغباته وعلى صعيد قيامه بمسؤولياته. من السهل دائمًا أن يجد كل واحد منا شخصًا أو جهة أو حادثة أو ظرفًا… يدعي أنه هو السبب في إخفاقه ومشكلاته، لكن ذلك كثيرًا ما يكون غير موضوعي وغير مفيد أيضًا. حين هُزم المسلمون في (غزوة أحد)، وقال بعضهم: كيف نُهْزم ونحن جند الله؟ نزل قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:١٦٥].
كونوا على ثقة يا بناتي وأبنائي أنه لا يستطيع أحد أن يؤذي أيًا منكم من غير إذنه، وكونوا على ثقة كذلك بأن المرء يظل قادرًا على الإساءة إلى نفسه أكثر من أي شخص آخر.. وهذا الكلام ينطبق على الجماعات والشعوب والأمم. القصور الذاتي يتجلى في العديد من الأمور، منها الآتي:
1ـ عدم وضوح الأهداف التي يسعى إليها المرء، حيث إن كثيرًا من الشباب والشابات لا يعرفون ماذا يريدون، ولا يعرفون الشيء الذي سيشكل الفرق بين ما هم عليه اليوم، وبين ما سيكونون عليه بعد ثلاثين عامًا. هناك أمنيات وطموحات وأحلام وتطلعات، لكن ليس هناك أهداف. إن الهدف حين لا يكون واضحًا ومحددًا، فإنه لا يحفز صاحبه على العمل والعطاء وبذل الجهد، وهذا ما يعاني منه كثيرون منا رجالًا ونساءً وشيبًا وشبابًا
2ـ الكسل وفتور الهمة يسبب فتور الدوافع والمحرضات على العمل. وقد قال أحد الحكماء: إن الإنسان ليس ضئيلًا ولا عاجزًا، لكنه كسول إلى حد بعيد. إن من المهم أن ندرك أن للأعمال المضاعفة نتائج مضاعفة، وإن لتضييع الأوقات سدى، ولأداء الأعمال ببطء وخمول نتائجه الرديئة التي لا تخفى.
3ـ تسهم الفوضى بحظ وافر في القصور الذاتي، ولا سيما في هذه الأيام، فنحن كما تعرفون نعيش في عصر شديد التعقيد، وكثير المتطلبات، والفرص فيه عظيمة، ولذلك فلا بد من تنظيم الشأن الشخصي وترتيب الأولويات. ألزموا أنفسكم بأداء شيء جيد على نحو يومي مثل قراءة جزء من القرآن، والمحافظة على صلاة الجماعة، وقراءة في كتاب جيد، والوصول إلى مكان العمل في الوقت المحدد، وأداء خدمة تطوعية صغيرة.. فهذا يحد من الفوضى في حياتكم الشخصية.
4ـ التسويف عدو كبير لأصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية، ونحن سمعنا وقرأنا الكثير عن مساوئ التسويف، ومع هذا فإن كثيرين منا يعملون وفق المقولة التالية: “كل شيء تستطيع إنجازه غدًا فلا تنجزه اليوم”! إن التسويف نوع من العطالة والبطالة ونوع من التهرب من أداء الواجبات، وعواقبه كثيرًا ما تتجلى في فوات بعض الخير ووقوع بعض الخسائر. إن الزمان لا ينتظر أحدًا، ومن كان عاجزًا عن أداء واجبات اليوم، فسيكون أشد عجزًا إذا اجتمعت واجبات اليوم والأمس.
أوقدوا شعلة الإيمان في صدوركم، واتركوا نورها يضيء كل جوانب حياتكم، تخلصوا من العجز والكسل والتسويف والغموض والفوضى مستعينين برب كريم رحيم ودود معين.