بين التأمل في الكون وأخذ العبرة من الأمم السابقة، وسؤال أهل الذكر والخبرة سعيا للأفضل ووصولا لأسرة هادئة، وزوجين يسود بينهما الود والتراحم؛ كلامهما حوار، وأمورهما شورى، ونظرتهما للأمور يغلب عليها حسن الظن.. نسلط الأضواء على مجموعة من اللقطات من الخلافات الزوجية والمشاكل العائلية التي قد تصادف أي أسرة في أي وقت وفي أي عصر، ونسردها كما جاءت على لسانهم دون تعقيب سوى الدعوة للتأمل فيها والتحاور حولها.
تحاول اللقطات رصد روافد الخلافات الزوجية، وتأثيرها على الأبناء، وأشكال احتجاج الأبناء عليها، وبعض إرشادات المستشارين والمختصين…
روافد الخلافات الزوجية
- اختلاف التربية: “أنا وزوجتي دائمًا في خلاف على أتفه الأسباب، ويرجع ذلك لاختلاف التربية في بيت كلٍّ منا”.
- انشغال: “انشغالك بالدراسة ومتابعة طفلك، فضلا عن تدبير شئون منزل الزوجية هل يتسبب في انشغالك عن زوجك، وتقصيرك في حقه، ولو على فترات؟”.
- فروق ثقافية: “هل زوجك حسَّاس من الفارق التعليمي بينكما؟”.
- توقعات: “مشكلتي تكمن في أنني عصبي مع زوجتي وأولادي، ومع غيرهم غير ذلك.. أندم على ذلك فيما بعد، ولكني أجد ما يسوّغ غضبي وعصبيتي؛ فأنا أعود من العمل مرهقًا أريد الراحة فلا أجدها…”.
- “أحس أن زوجتي لا تلبي جميع رغباتي”.
- اختلاف الطبائع: “أنا إنسانة متزوجة، وأم لطفل، أحب زوجي، وهو يوفر لي كل ما أحتاجه، ولله الحمد يحبني ويخلص لي، ولكن عيبه الوحيد أنه إنسان كثير الكلام واستفزازي لدرجة لا يمكن لأحد أن يتصورها، وأنا إنسانة رومانسية جدا، وهو لا يمت لهذه الرومانسية بشيء..”.
- رفض: “أنا متعبة جدًّا وبأمسّ الحاجة لسماع النصيحة من ذوي الخبرة. لقد تزوجت زوجي دون رغبة ولا قناعة بشخصه.. لم أقتنع بمظهره ولا بشخصيته، ولكني وافقت، ما دعاني للموافقة هو أن عمري تجاوز الثلاثين بعام…”.
تأثير الخلافات الزوجية على الأبناء
- مخاوف لا تنتهي: “ذات يوم حدثت مشاجرة بيني وبين زوجي، واستيقظ ابني -8 سنوات- على صراخنا، ومن يومها وهو يخاف إذا حدثت مشادة كلام بين شخصين…”.
- اضطراب النطق: “ما تعانيه الابنة من مشاكل في تركيب الجمل أو النطق ما هي إلا أعراض وانعكاسات طبيعية جدًّا بسبب زلزال الخلافات الزوجية المستمرة…”.
- التوقف عن المشي: “… ابنتي حساسة جدًّا، ولطيفة، وذكية، ولقد تعرضتُ لحالة نفسية سيئة جدًّا طوال فترة حملها، ومشكلتي أنا وهي من المشاكل اليومية المتكررة بيني وبين أبيها؛ فهو دائم الصراخ، ولا يراعي وجودها؛ فأصبحت تبكي كلما سمعت أحدًا يصرخ أمامها مهما كان الشخص؛ حتى وإن لم يكن يهمها، وتبكي كلما كلمها أحد فجأة، حتى إنها أقلعت عن المشي بعد أن بدأت به عقب إحدى المشاكل…”.
- صورة الاحتجاج: “… تأخذ الصورة السلبية بالعناد والكذب، وهي السلوكيات التي يعلم أنها تغيظ الوالدين، ولكنها سلاحه الذي يملكه في عقابهما نتيجة شعوره الدائم بعدم الأمان؛ نتيجة للخلافات المستمرة بينهما والتي لا يملك لها إيقافًا، ولا يستطيع أن يحدد منها موقفًا، ويرغب في عقاب طرفيها؛ فلا يرى وسيلة لذلك إلا بإغاظتهما وعمل ما يستفزهما ورفض أوامرهما”.
- “نشاط الطفل الزائد هو تعبير عن التوتر والقلق الذي يشعر به هذا الطفل في بيته…”.
لصالح طفلك
“… ذكر أريك أريكسون في نظريته لنمو الشخصية أن إحساس الطفل بالأمان في هذا العالم إذا نما نموًا نفسيًّا سويًّا في السنة الأولى من حياته يسلمه إلى مراحل سوية للنمو النفسي حتى نهاية عمره، وإذا حدث العكس فسيشعر الطفل أنه في وسط معارك، ولا يشعر بالأمان، وتبدأ أول خطوة له في رحلة الشقاء”.
“في المرحلة الأولى من عمر الأطفال حينما يتشاجر الوالدان فإن أخوف ما يخافه هؤلاء الأطفال هو انفصال الوالدين، أو ترك أحدهما أو كليهما لهم وتخليهما عنه؛ لذا امنحيه الثقة والأمن، وأشعريه بأن ما حدث كان مجرد شجار عابر، بتحسين العلاقة بينك وبين والده؛ ليشعر بالأمن والطمأنينة”.
- “… كما أن إنشاء عمارة من الطوب والإسمنت أمر يحتاج إلى تعاون بين المهندسين والعمال والفنيين؛ لتكون العمارة صالحة بعد ذلك لأن يسكنها أناس آخرون، فإن إنشاء أبناء على مقدرة لإعطاء الحب وأخذه مسألة تحتاج إلى الإحساس المتوازن من الأب والأم معًا”.
- “إن أحدًا لا يشك في أن أولى حاجات الطفل في هذه الحياة هي أن يكون له أب وأم بينهما حب قوي لا ينتهي؛ لأن الاثنين هما أساس حياته، والطفل يرغب في أن يكون عالمه الخاص به متماسكًا لا تمزق فيه ولا تصدع”.
- “لا يوجد حل إلا أن تجعلا الشيء الوحيد الذي تتفقان عليه أنت وزوجك إن لم تجدا أي نقاط أخرى للاتفاق هي مصلحة هذه الطفلة”.
وصفة علاج
- سياسة حافة الهاوية: لا يوجد في العلاقات الإنسانية بين البشر بصورة عامة وبين الزوجين بصورة خاصة قرارات نهائية قاطعة تستخدم فيها لغة “لقد رفضت رفضا قطعيا”.. أو “لقد طلبت الطلاق إذا لم أستجب لطلبها.. فالوصول بالأمور إلى حافة الهاوية هو وسيلة للتفاوض والضغط بين الدول، أو للتعامل بين الأفراد في القضايا الاقتصادية أو غيرها، ولكن لا تصلح أساسا للعلاقة بين زوجين تقوم حياتهما على التفاهم والحوار في كل أمر من أمور حياتهما.
- “إذا كنت تدركين أن الخلل منك، فشمري عن ساعد الجد لتغيير نفسك، وصدق الله العظيم حيث قال: “إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”.
- بداية التغيير: “وقفة مع النفس تحددين فيها وبدقة عيوبك الشخصية، وضعيها في جدول حسب خطورتها وحسب تأثيرها على علاقتكما، ثم ضعي خطة تدريبية للتخلص من كل عيب على حدة، وكافئي نفسك -بما تحبينه من طعام أو حلوى أو غير ذلك- عن كل مرة تنجحين في تجنب السقوط في هذا الخطأ. فإذا سقطت فيه فهذبي نفسك بصدقة أو صيام أو غير ذلك، وعندما تتخلصين من هذا العيب انتقلي إلى العيب الذي يليه في القائمة، وهكذا حتى تتخلصي من كل العيوب التي تهدد حياتك الزوجية”.
- اطلب عون شريكك: “حددي كل ما يضايقك من زوجك ويدفعك لهذه التصرفات التي ترفضينها، ثم انتهزي لحظات الصفاء، واعتذري له عن سوء معاملتك السابقة، واطلبي منه الصفح والغفران، وأخبريه أنك تجاهدين نفسك، وتحاولين أن تصلحي من أمرها لأجله ولأجل حبكما ولأجل طفلتكما. أعلميه أنك تحتاجين عونه ومساندته لك وذلك بتجنب ما يثيرك قدر المستطاع، واطلبي منه أن يهدي إليك عيوبك من وجهة نظره حتى تتجنبيها؛ لأنك تحبين رضاه، وتأملين أن تكوني في أبهى صورة في عينيه.
- في علاقات الحب بين الزوجين: لو أن أحد الأطراف كان دائم الإصرار على رأيه حتما ستفشل الزيجة؛ ولو أن أحدهما أيضا كان دائما متنازلا عن التعبير عن مشاعره وآرائه وأفكاره حتما أيضا ستمرض العلاقة بينهما.. العلاقة الصحية لا تقبل أن يكون بها ضحية ولو باختياره.. الوضع الصحي يحدث إذا تعلمنا كيف نعبر عن مشاعرنا وآرائنا وأفكارنا بلا خوف، وكيف نستمع (بالقلب والعقل) لمشاعر الآخر وأفكاره.. بعد هذه المرحلة من الوضوح يجيء التفاهم بشأن الاختيارات التي ترضينا معا، أو على الأقل التفاهم بشأن التنازل الضروري لهذا الموقف.. لو أننا على ثقة بعدم جور الآخر، ولو أننا أيضا على ثقة بأن المواقف دولة بيننا، مرة أختار أن أعطي ومرة أختار أن آخذ..
مديحة حسين -2004/12/08 5>