وصف الخوف صوره وعلاجه في النظرة الإسلامية وذلك من خلال بيان أنواع الخوف وأسبابه وبواعثه، المحمودة منها والمذمومة وطرق علاجه.
خلق الله تعالى في البشر مشاعر تحميهم من كثير من المخاطر وتظهر فيها تجليات الإنسانية بضعفها وحاجتها إلى الحماية الدائمة مهما امتلكت من قوة ومن هذه المشاعر الخوف الذي يملأ النفس فيعطلها عن العمل والفكر والحركة او يكسبها احتياطا تقدر به حركاتها وسكناتها وسكوتها وكلامها فتنجو من كثير من الشرور بالتوفيق الإلهي و الاحتياط.
ويقع الخوف في النظرة الإسلامية كنوع من الابتلاء {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} [البقرة: 155] ومن لطف الله تعالى أن أخبرنا بذلك في كتابه الكريم لكي تتهيأ النفس لمثل هذا الاختبار فوجود المخاوف المتعددة أمر يتناسب مع طبيعة الحياة التي تختلط لذاتها بالكدر والألم وما على المسلم إلا أن يحسن التعامل مع هذه المخاوف لينجو من آثارها أو يخرج منها بأقل الخسائر
أقسام الخوف
ويمكننا تقسيم الخوف إلى أنواع:
- خوف يتعلق بالدنيا ويشمل الخوف على النفس والمال والعرض والمستقبل والأولاد وغير ذلك.
- الخوف من الله: وقسم آخر أعظم وأهم ووجوده ضابط لحركة الحياة وفيه صيانة للعمران البشري وحقوق الإنسان ألا وهو الخوف من الله بما يتضمنه من صحة العقيدة وسلامة العبادة وصيانة الكائنات كلها من بشر ونبات وحيوان من العدوان الإنساني عندما يغيب عنه الخوف من الله
الخوف والعلم
ويرتبط وجود الخوف وغيابه بحضور العلم وتأثيره في السلوك الإنساني فقد قصر الله تعالى خشيته على أهل العلم { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28]وكلما كان العبد أعرف بالله كان أكثر خشية وكلما قلت المعرفة كلما قلت الخشية بل إن العلم بالعواقب الضارة في الأمور الدنيوية أيضا هو الذي يحدد إقبالنا عليها أو انصرافنا عنها
صور من الخوف
خوف النبي ﷺ على قومه
وقد كان الخوف على الأمة وكراهية أن ينزل بها من الشر ما لا تطيقه أحد أهم مفاتيح القلوب التي استخدمها الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه لكي ترى الخير وتقبل النصح ومن ذلك قول النبي ﷺ: «مَثَلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهَا جَعَلَ الْفَرَاشُ وَهَذِهِ الدَّوَابُّ الَّتِي فِي النَّارِ يَقَعْنَ فِيهَا، وَجَعَلَ يَحْجُزُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَتَقَحَّمْنَ فِيهَا، قَالَ فَذَلِكُمْ مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ، أَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُمْ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ، هَلُمَّ عَنِ النَّارِ فَتَغْلِبُونِي تَقَحَّمُونَ فِيهَا»[1].
إن الرجل الذي أوقد النار حريص كل الحرص على حماية الفراش منها والفراش حريص كل الحرص على أن يقع في هذه النار التي تهلكه وإلى الآن تقدم النصيحة بمنتهى الأدب والصدق والإخلاص وتجد من يفر منك ليلقي بنفسه في النار فلا تبتأس بما كانوا يفعلون.
خوف فرعون
مهما كانت قوة الإنسان وسيطرته إلا أن الخوف كامن فيه انظر إلى فرعون الذي خاف من صغار بني إسرائيل فأمر بقتلهم
وخاف من موسى عليه السلام لما كبر {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ } [غافر: 26] كيف يبدل دينهم أو يظهر في الأرض الفساد ومقاليد الأمور بين يدي فرعون وخصومه ضعاف لا يملكون من أمر أنفسهم شيئا
الخوف على مستقبل الأبناء
إن الخوف على الأبناء يدفع الآباء أحيانا إلى فعل ما لا يرضي الله تعالى فيدعوهم لأكل الحرام والكذب والذل وسائر الأخلاق السيئة التي تغضب الله تعالى، ويظن هؤلاء الجهلة بالله عز وجل أنهم يحافظون على أبنائهم من الفقر وأنهم يهيأون لهم مستقبلا مشرقا، وأي مستقبل يمكن أن يبنى على انتهاك حقوق الضعفاء وسلب أموالهم بالحيلة أو بالقوة؟
من أين تأتي السعادة – لنا وأبنائنا – وقد بنياناها على دماء الناس ودموعهم وآلامهم؟
إن من يخاف على أبنائه عليه أن يترك لهم عملا صالحا خالصا لوجه الله الكريم و سمعة طيبة، عليه أن يعين الناس ويفك كرباتهم حتى يجنب الله تعالى ذريته الكروب، ويحسن إلى الناس فيسخر الله تعالى لذريته من يعاملها بإحسان، عليه أن يطعم أبناءه من حلال ويؤدبهم بالأخلاق الحسنة التي تفتح لهم القلوب وأبواب الرزق.
قيود حديدية أو حريرية
تخاف الأسرة على ابناءها من المكروه فتقيد حركتهم البدنية والفكرية ويشتد الخوف حتى يصل الأمر إلى الكذب وذكر عواقب وخيمة قد تكون أوهام في ذهن الوالدين لكن هذا الخوف الذي يبثه الآباء في نفوس الأبناء لا يقف وحيدا بل يقف إلى جواره الرغبة في التجربة مهما كانت مكلفة ويحفز هذه التجربة ويجعلها مثيرة ما يسمعه الأبناء من الرفاق وما تصوره شبكات التواصل. على الاباء وضع رغبة الأبناء في التجربة في حسبانهم وعدم التخويف إلا بأشياء حقيقية لأن أبناءنا لن يبقوا صغارا سيدكون عاجلا أو آجلا وساعتها قد يلتسمون العذر للآباء والأمهات وقد لا يفعلون.
إننا حين نربي أبناءنا على الخوف المحسوب الذي يقدر الموقف كما يقدر العواقب وبعد ذلك ينطلقون مستعينين بالله تعالى مستضيئين باليقين في لطف الله عز وجل نربي جيلا متوازانا ينجو من الجبن وآثاره السلبية كما ينجو من التهور وأخطاره.
إن الخوف يفقدنا التوزان بل يجردنا من كل قدراتنا بل يحول بيننا وبين حواسنا فالخائف لا يرى بشكل صحيح ولا يسمع بشكل سليم ولا يدرك الأمر على حقيقته تسيطر عليه الوساوس والهلاوس فيؤذيه الخوف أكثر ما يؤذيه كل عدو ولذلك كانت الحرب النفسية أنجع الحروب لأنها تنهي الحرب قبل ان تبدأ وتشعر الطرف الآخر بعدم قدرته على خوض الحرب وعدم قدرته على تحمل نتائج فعله وتجعله يتصور العدو أقوى مما هو عليه وأكبر من حجمه الحقيقي.
الخوف من الطلاق
مع أنه حل شرعي مستحق عندما يظلم الأفق وتعجز جميع المحاولات الصحيحة المخلصة للإصلاح عند ذلك نعود لقوله تعالى {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا} [النساء: 130]
خوف حقيقي وخوف متوهم
هناك خوف من خطر حقيقي يتعامل معه المؤمن بنور الله تعالى فيقدر حجم الخطر وما هي أنجع الطرق للتعامل معه بجرأة وحكمة وخوف متوهم لا صلة له بالحقيقة ولا بالواقع هذا الخوف المتوهم يقيد صاحبه ويعرقل حركته
المنجيات من الخوف
يتعامل المسلم بطريقة صحيحة مع مشاعرة السلبية والإيجابية على حد سواء فإذا خاف سعى للطمأنينة بكل ما يمكنه من همة ونشاط ومن المنجيات من الخوف:
1- العمل: كانت العرب تتنقل في صحراء منقطعة يغيب فيها الأمن ويكثر الخوف من قطاع الطرق استخدم النبي ﷺ هذه الصورة الذهنية في إرشادالخائفين أيا كان نوع الخوف فقال : «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ أَدْلَجَ فَقَدْ بَلَغَ الْمَنْزِلَ، أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ”[2]
فمن خاف من شيء بذل كل ما يستطيع في سبيل دفع هذ الخوف والنجاة من أخطاره وبتوفيق الله تعالى وبالعمل الدؤوب يصل إلى الأمان.
2- خشية الله في الغيب والشهادة: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: «وَعِزَّتِي لَا أَجْمَعُ لِعَبْدِي أَمْنَيْنِ وَلَا خَوْفَيْنِ، إِنْ هُوَ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ أَجْمَعُ عِبَادِي، وَإِنْ هُوَ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ أَجْمَعُ فِيهِ عِبَادِي»[3]
3- ذكر الله: {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28]، ذكر عظمته سبحانه وأنه تعالى أكبر يذكرنا الأذان بذلك كما تذكرنا تكبيرة الإحرام في الصلاة وتكبيرات الانتقال فنطمأن إلى معونة الله تعالى وحمايته،نذكر الله فنذكر ذنوبنا ونصلحها فنتجنب الآثار السيئة للذنوب ومنها الخوف
4- الرجوع لأهل الاختصاص: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } [النساء: 83]
في زمن المخاوف تكثر الأقاويل كل يدلي بدلوه وتتقبل النفوس الضعيفة كل ما يثير الرعب والعاقل هو الذي يعود بالأمر لأهله الذين يفهمون ويمتلكون من الأمانة والصدق والحكمة ما يقدمون التوجيه الصحيح للناس لأن القضايا العامة صحيح أنها تحتاج لجهود الجميع لكن الأمر كما يقال:
الرأي قبل شجاعة الشجعان هو أول وهي المحل الثاني
فكم من قول باطل لا نصيب له من الواقع أثار الذعر وأوهن القوى وعاد بالخيبة والخسران وكم من رأي سديد جنب الأمة بلاءا عظيما وخطرا جسيما وكلما طال سكوت أهل الخبرة الصحيحة والمشورة السليمة كلما نمت بيئة الإشاعات وازداد تأثيرها.