لا يهتم العالم الإسلامي عادة بالخيال العلمي وفق صورة نمطية سائدة، وغالبًا ما تلقى مسؤولية الافتقار الملحوظ للإبداع والخيال والفكر المستقبلي على تحفظات دينية وحتى بسبب حكومات سلطوية، لكن كتابا جديدا صادرا حديثا يبدّد هذه الصورة المعتادة ويعتبرها غير صحيحة، حيث صدر مؤخرا كتاب جديد بعنوان “الإسلام والعلم والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة علم الأحياء الفلكية في العالم الإسلامي”، عن دار نشر آي بي توريس – إحدى دور النشر التابعة لبلومزبري البريطانية.

قام بتأليف الكتاب الدكتور يورغ ماتياس ديترمان، أستاذ التاريخ المشارك في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، وبالتعاون مع عدد من الباحثين المساعدين من خلال برنامج توظيف الطلاب في خمس جامعات بالمدينة التعليمية.

كتاب يتجاوز التحفظات

وحول الكتاب الذي يركز على موضوع الخيال العلمي في الإسلام والعالم الإسلامي قال مؤلفه ديترمان: إنه على الرغم من أن الخيال العلمي العربي كان دائمًا مزدهرًا، إلا أن هناك العديد من المفاهيم الخاطئة التي تدور حول أن الخيال العلمي كان اهتماما غربيا فقط، موضحا أن الإبداع والبراعة الأدبية وروح البحث دفعت العرب إلى طرح العديد من الاختراعات والاكتشافات والمفاهيم في الماضي، واستمرت في إنتاج الخيال العلمي الذي يروق لجماهير مختلفة في الوقت الحالي.

وأضاف “لا يعرف الكثير من محبي الخيال العلمي أن الحضارة الإسلامية ساهمت مثلا بواحدة من أقدم روايات هذا الخيال في القرن الثالث عشر في بغداد، “عوج ابن عنق”، للكاتب والطبيب زكريا القزويني.

وأكد الدكتور ديترمان أن استكشاف الاتساع الهائل للخيال العلمي في العالم الإسلامي استلزم وجود فريق بحثي من جنسيات مختلفة – وهنا تجلت ميزة العمل في حرم جامعي متعدد الجامعات والثقافات.

في كتابه “الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض.. ثقافة علم الأحياء الفلكية في العالم الإسلامي”، يعتبر يورغ ماتياس ديترمان الأكاديمي بجامعة “فرجينيا كومنولث” في قطر أن دولا ذات أغلبية مسلمة ودولا محكومة بأنظمة استبدادية أنتجت روايات خيالية عظيمة للغاية تنتمي لعلم الأحياء الفلكي أو البحث عن حياة خارج الأرض.

ويناقش الكتاب كيف كان العلماء من البلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة البحث المثير عن حياة خارج كوكب الأرض، ويجادل بأن التقاليد الإسلامية كانت بشكل عام داعمة لمفاهيم الحياة خارج الأرض (مثل الإيمان بوجود الجن).

خيال علمي “إسلامي

وفي هذا الكتاب الجذاب، يقدم المؤلف مسحا للنصوص والأفلام العربية والبنغالية والماليزية والفارسية والتركية والأردية، مستعرضا كيف كان العلماء والفنانون في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة البحث المثير.

ويخلص إلى أن القمع ساعد الخيال العلمي أكثر من إلحاق الضرر به، حيث شجعت الرقابة المؤلفين على إخفاء نقد السياسة المعاصرة من خلال وضع الحبكات القصصية في أزمنة مستقبلية وعلى كواكب بعيدة.

وقال المؤلف في مقدمة كتابه إنه أثناء نشأته في ألمانيا والنمسا خلال الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، كانت التأثيرات السينمائية لأدب ألف ليلة وليلة وعلاء الدين ذات صيت كبير، مبينا أنه أحب مخلوقات خيالية رائعة مثل الجني، وبعد ذلك أصبح أكثر اهتماما بالروابط بين الخيال التأملي والعالم الإسلامي.

ويتابع “عام 2013، عندما جئت إلى الدوحة، كنت مفتونا بأفقها.. بعد أن اعتدت على الهندسة المعمارية القديمة لفيينا، بدت العاصمة القطرية لي كمدينة المستقبل”.

كوكب قطر

وعرض ديترمان صورة خيالية فنية لكوكب يدعى “قطر-1ب” الذي اكتشف عن طريق مسح للكواكب الخارجية عام 2010، معتبرا أن الصور الحقيقية لا تكون مثيرة للغاية، في حين أن الصور الفنية المتخيلة تهم الصحفيين أكثر.

واعتبر المؤلف أن الصور الخيالية تعد نوعا من الخيال العلمي أو التخيّل العلمي، وهذا يعني أن “الفن يدعم العلوم، بل إن الفن جزء من العلوم، والفن يدعم العلميين في نشر بحوثهم ونتائجها في وسائل الإعلام العالمية”.

واعتبر المؤلف أن الخيال جزء هام من علوم الفضاء بشكل خاص، كما ناقش أصواتا دينية محافظة كانت ضد الخيال العلمي لأسباب عقائدية، مؤكدا أن الإسلام لم يكن ضد الخيال العلمي، ولفت -في الوقت ذاته- إلى أن الحكومات السلطوية في الشرق الأوسط لا تدعم الفكر الحر أو الإبداع بشكل عام.

ويستدرك المؤلف بأن الخيال العلمي والفكر المستقبلي لا يعتمدان بشكل كامل على نظام ديمقراطي، فقد أنتج الاتحاد السوفياتي كتبا وأفلاما عديدة في مجال الخيال العلمي، وكان الاتحاد رائدا في البحوث الفلكية والحياة خارج الأرض، وكذلك كان الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر رائدا في بناء مرصد حلوان، وكتب في عهده الأديب توفيق الحكيم مسرحيات خيالية لافتة.

وقال المؤلف إن كتّابا في الخيال العلمي نبغوا أيضا بين الإسلاميين، في مقدمتهم الكاتب أحمد رائف الذي سجن مع المفكر الراحل محمد قطب (شقيق الأديب سيد قطب) وألف في السجن مسرحية بعنوان “البعد الخامس”، كتب مقدمتها الأديب الإسلامي محمد قطب وتصور فيها مجتمعا مثاليا إسلاميا من دون فساد على “الكوكب الأحمر”، وقدمت هذه المسرحية بالمقابل أحوال المجتمعات الإنسانية الحالية كنقيض للمجتمع المثالي المتخيل.

وأشار المؤلف إلى تفسيرات إسلامية توحي بوجود حياة خارج الأرض أو على الأقل تترك الباب مفتوحا أمام التفكير في هذا الاحتمال، مؤكدا أنه ليس من المستغرب وجود حركات إسلامية تشير لوجود الفضائيين والأطباق الطائرة مثل حركة “أمة الإسلام” في الولايات المتحدة.

واعتبر المؤلف أن كتابة مسرحية ناقدة في السجن أسهل إن كان مجالها الخيال العلمي، في حين تكون أصعب لو كان موضوعها أكثر واقعية، وهكذا ساعدت الدول السلطوية وأنظمة المراقبة دون قصد في تطوّر الخيال العلمي.

الإسلام والحياة خارج كوكب الأرض

وكثيراً ما تناقش ندرة أدب الخيال العلمي في الثقافة العربية، والإسلامية أيضاً، حيث تطرح أسباب ليست دقيقة غالباً، ومنها عدم وجود كتابات مؤسسة في التراث ضمن هذا السياق، رغم أن بعض الأعمال الفلسفية مثل “المدينة الفاضلة” لـ الفارابي التي تتناول مجتمعاً يحكمه الفلاسفة، لكن الأفكار فيها تغلب على السرد والفنيات.

“وفي كتاب الإسلام والخيال العلمي والحياة خارج كوكب الأرض: ثقافة علم الأحياء الفلكية في العالم الإسلامي” يعود المؤّلف إلى فترة ازدهار الحضارة الإسلامية حين قدّم العلماء العديد من الاختراعات والاكتشافات وأضافوا مفاهيم علمية جديدة، موضحاً أن التراث العربي يحتوي مساهمات في مجال الخيال العلمي منها كتاب “عوج ابن عنق” للطبيب أبي يحيى زكريا القزويني خلال القرن الثالث عشر، وفيه تأتي شخصية من كوكب آخر، ليصف الأعاجيب على سطح الأرض، كما يتناول الحياة على الكواكب الأخرى.

ويرى ديترمان أن التقاليد الإسلامية كانت بشكل عام داعمة لمفاهيم الحياة خارج الأرض، مستعرضاً العديد من النصوص والأعمال السينمائية المستمدّة من الثقافات العربية والبنغالية والماليزية والفارسية والتركية والأردية لعرضها، ويوضح كيف كان العلماء والفنانون في البلدان ذات الأغلبية المسلمة في طليعة المهتمين بتوظيف العلوم في الأدب والفنون.

كما يشير أيضاً إلى أن الرقابة شجعت هؤلاء الكتّاب إلى الابتعاد عن انتقاد السياسة المعاصرة من خلال الذهاب نحو التفكير في المستقبل، ومن هنا يسعى الكتاب إلى “اكتشاف الحياة خارج الأرض لأحد أعظم الأديان”، بحسب ما يرد في تقديمه.

ويتطرّق ديترمان إلى الحقبة الناصرية في مصر خلال خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث برزت أعمال عديدة منها مسرحيات توفيق الحكيم التي ناقش بعضها مسائل تنتمي إلى الخيال العلمي خاصة السفر عبر الزمن وتخيّل المستقبل، إلى جانب فيلم “رحلة إلى القمر” للمخرج حمادة عبد الوهاب والذي أنتج عام 1959، وفيه يتمكن شخصان من الصعود إلى الصاروخ وإطلاقه والتوجه به إلى القمر، حيث يلتقيان عجوزاً يعيش مع ابنته هناك، ثم يحاولان فيما بعد العودة مجدداً إلى الأرض بمساعدة إنسان آلي.