الدعاء في الرخاء والشدة : قال النبي ﷺ : “من سرَّه أَن يَستجِيب اللَّه لَه عند الشَّدائد والكَرْب، فَلْيُكْثِرِ الدعاء فِي الرَّخاء” (1).
العبد الصالح يعرف ربه تعالى في كل أحواله وأوقاته، فهو يدعو ربه – عز وجل – في سرائه وضرائه، وشدته ورخائه، وصحته وسقمه، في فقره وفي غناه وفي كل أحواله، فمن كان كذلك كان اللَّه تعالى له سميعاً، قريباً، مجيباً، ومؤيداً ونصيراً إذا ما وقع في شدة وبلاء؛ فإن الجزاء من جنس العمل، ولهذا نجّى اللَّه – عز وجل – يونس – عليه السلام – من بطن الحوت؛ لأنه كان من المسبحين في رخائه قال تعالى: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} (2).
قال الحسن البصري: ((ما كان له صلاة في بطن الحوت، ولكنه قدم عملاً صالحاً في حال الرخاء، فذكره اللَّه تعالى به في حال البلاء، وإن العمل الصالح يدفع عن صاحبه)) (3).
واستجاب ربنا تعالى لزكريا لدعائه: { إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ } (4)
أي أنهم كانوا ملازمين العبادة والطاعة في كل أحوالهم، لا يشغلهم عن ذلك أمر، كما أفاد ذلك الفعل المضارع ((يسارعون))، ومن أدلة السنة ما حكى لنا سيد الأولين والآخرين في قصة الثلاثة الذين انطبقت عليهم الصخرة، فنجاهم اللَّه تعالى (5)؛ لأنهم عرفوه – عز وجل – في حال رخائهم، فأنجاهم يوم شدتهم؛ لذا ينبغي للعبد أن يجتهد غاية الاجتهاد في التقرب إلى اللَّه تعالى، وطلب مرضاته، والإكثار من الأعمال الصالحة، ودعائه حال الرخاء، حتى ينال ما يرجوه، فقد كانت وصية النبي – ﷺ – لـ ابن عباس رَضْيَ اللَّهُ عنْهُمَا: ((تَعَرَّفْ إِلَى اللَّهِ فِي الرَّخَاءِ، يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ)) (6).
والمراد بالمعرفة المطلوبة من العبد في الحديث هي: ((المعرفة الخاصة التي تقتضي ميل القلب إلى اللَّه تعالى بالكلية، والانقطاع إليه، والإنس به، والطمأنينة بذكره، والحياء منه، والهيبة له)) (7).
ونقل الصحابة هذه الوصية لغيرهم من التابعين، قال رجل لأبي الدرداء: ((أوصني، فقال: اذكر اللَّه في السراء، يذكرك اللَّه – عز وجل – في الضراء)) (8).
وعنه أيضاً – رضي الله عنه -: ((ادع اللَّه في يوم سرائك؛ لعله أن يستجيب لك في يوم ضرائك)) (9).