إن من سنن الله الثابتة، ومن فطرته في خلقه، أن الإنسان يحب الأشياء النبيلة العالية، ويكره الأشياء البغيضة السافلة.
والنبي محمد ﷺ هو المثل الأعلى، البشري، في كماله، وصفاته، وهو ذروة عليا في الأخلاق والشمائل، وقد مدحه الله تعالى فقال: “وإنك لعلى خلق عظيم”، وهذا النوع من البشر تحبه النفوس بفطرتها، وتميل إليه بطبيعتها، ولذلك فحبه من هذا الجانب هو فطرة إنسانية تجذب إليه نفوس كل عنصر صالح في البشر.
كما أن حب النبي ﷺ، خلق تربوي، ينشأ عليه الناس، إذا طالعوا صفاته، وسمعوا شمائله، أو عايشوها ورأوها رأي العين، فهو من حيث الفطرة السليمة يُحَبُ ويُكَرمُ، وهو من حيث التربية والتعود يُحَبُ ويُكَرمُ.
وهناك جانب آخر أهم من هذا وذاك وهو الأمر الإلهي بحب النبي ﷺ، لأنه رحمة للعالمين، ولأنه بُعِثَ هاديا ومعلما للناس، وصبر على الأذى والمتاعب، ليبلغ رسالة الله إلى الناس، فهو من هذا الجانب الديني الإلهي رمز للتضحية والفداء والإخلاص للناس جميعا.
ويجب على المسلم أن يستحضر في نفسه عظمة الهداية الإسلامية للناس، وكيف وصلت إلينا عن طريق محمد ﷺ، عبر صبره الجميل، وبلاغه المبين، وجهاده الموصول، في سبيل الله عز وجل وهذا يدفع المسلم إلى حب النبي ﷺ حبا جارفا، وتفديته بالنفس والمال.
فحب النبي ﷺ ناشئ في نفس المسلم عن النعمة الكبرى التي أوصلها الرسول ﷺ إلينا، وقد قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الإنسانَ إحسان
ولذلك نجد حب المسلمين لرسول الله ﷺ، حبا جليلا يقوم على الشعور بعظمة النعمة التي أسداها لنا الله سبحانه وتعالى على لسان محمد ﷺ، ومحبة الرسول تكون بالقلب وباللسان وبالأعمال.
أما القلب فهو عملية فطرية، قائمة على الشعور بالنعمة العظيمة التي أهداها لنا رسول الله ﷺ، وأما باللسان: فترجمتها كثرة الصلاة عليه، كما قال تعالى “يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما”، أما بالأعمال: فيكون من خلال متابعة النبي ﷺ في أقواله وأفعاله والعمل بسنته، ومتابعته في الفضائل العليا التي كان يتمتع بها ﷺ من الصدق والأمانة والصبر والمواساة والرحمة والمودة، وغير ذلك من ضروب النبل الأخلاقي النبوي الذي يبلغ ذروة الكمال.
الرسول ﷺ، لم يبعث للناس، ولم يصبر على الأذى والمشقات، إلا ليعلمنا الحق الإلهي، من الصدق، والأمانة، وإتقان العمل، وتوحيد الله، وتعظيم القرآن، ومحبة المسلمين جميعا، وتبليغ الدعوة للناس جميعا، وغير ذلك من الفضائل العليا التي كانت من أخلاق النبيﷺ.
أما عن الخطوات العملية التي يمكننا القيام بها لنصرة الرسول ﷺ، فهذا سؤال وجيه، ونستعين بالله ونجيب بأن:
التأسي به
أول خطوة عملية هي إلزام النفس بالأسوة الحسنة من رسول الله ﷺ، بأن يعمل الإنسان كما كان يعمل، ولو اختلفت الدرجة؛ أي يصلي كما كان ﷺ يصلي، ويصوم كما كان يصوم.
التعريف به
أيضا يشرح للناس، على قدر استطاعته العظمة الإلهية التي تمثلت في بعثته ﷺ.
تربية النشء على حبه
وأيضا تربية الأبناء والأسرة جميعا على هذه المعاني، وصدق الله حين يقول: “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر”.
دراسة سيرته
ومن الوسائل العملية أيضا قراءة السيرة النبوية قراءة جيدة، ويعلمها لأبنائه وأحفاده وزوجته، وغيرها، فقد كان الصحابة يحرصون على هذا غاية الحرص. يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لأبنائه وأحفاده بعد أن علمهم سيرة النبي ﷺ: “يا بني احفظوها فهي شرفكم وشرف آبائكم”.
الاعتزاز بسيرته
كما ينبغي أن نعتز بسيرة النبي ﷺ، وأن نعلم أنه كان على خلق عظيم؛ فلا نخجل من أي شيء يروى عنه بسند صحيح، بل نفاخر الدنيا بسيرته ﷺ؛ فهو الأسوة الحسنة لنا، والرحمة المهداة للناس جميعا، وهو القائل ﷺ: “إن الله تعالى رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه”.
اتباع هديه
ومن الوسائل العملية أيضا المتابعة والإتباع، لقوله تعالى: “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله”، فعلى الإنسان أن يتحرى العمل بسنة الرسول ﷺ.
التخلق بخلقه
ومن الوسائل العملية أيضا أن يتخلق المسلم بخلق النبي ﷺ، خاصة في أمور الدعوة والبلاغ فإن الأوروبيين من خلال إساءتهم للإسلام هو تقصيرنا في تبليغ الدين الإسلامي للناس وهم لذلك يجهلون ومن جهل شيء عاده.
الصفح عن الخصوم
ومن الوسائل العملية أيضا، الصفح عن الخصوم، إذا كان ذلك مما يساهم في فهمهم للإسلام. وقد كان الناس والأعراب يغلظون القول للنبي ﷺ، في حياته، فكان يعاملهم بالرحمة والمودة والعفو ولكن بلا ضعف ولا تخاذل، كان اللين من صفاته العظيمة التي تحبب الناس فيه، وقد ذكاه الله في كتابه الكريم فقال جل شأنه: “فبما رحمة من الله لنت لهم…”.
التعريف برسالته
ومن الوسائل العملية أيضا، إرسال الرسائل عبر البريد الإليكتروني، والمقالات الصحفية، والقصص النبوية الصحيحة، إلى الناس حتى يفهموا عظمة الأخلاق النبوية المحمدية، وهذا خير دعاية للإسلام، لأن الأخلاق الحسنة تؤثر في الناس، ولو لم يردوا، وتكون قدوة عملية تقطع الجدل والخصام، وصدق الله تعالى حين يقول “لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا”.
الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد – أستاذ التفسير وعلوم القرآن بجامعة الأزهر5>