التسامح يتعلق بفهم سنة الله في الخلق، و ليس فرض الحق علي الخلق، أو ما نراه حقا علي الآخرين.وليس التسامح لامبالاة أو تغاض عن معتقدات الآخر، بقدر ما هو تقبل لهذا الآخر وتفهم موقفه واختياره باعتباره حقا ناتجا عن ظروفه وتاريخه وبيئته التي نشأ فيها، واحترام حقه في اختيار معتقده، وأننا لو كنا مكانه لصرنا إلي ما صار إليه .

 

والتسامح من أكثر المفاهيم التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بالدين ودوره في المجتمع والسياسة.فالإنسان لا يولد متسامحا ولامواطنا، لكنه يلقن ذلك من الصغر عبر مؤسسات التنشئة الإنسانية المختلفة.

هذا الكتاب يناقش مجموعة أبحاث وندوات تناولت موضوع التسامح ، وكيف نجعله ثقافة في عالمنا العربي و الإسلامي المعاصر.

تحرير التدين من الكراهية

بداية يؤكد محرر الكتاب عبد الجبار الرفاعي على ضرورة تحرير التدين من الكراهية، عبر دراسة وتحليل منابع اللاتسامح، و بواعث العنف و الكراهية في مجتمعاتنا (ص7).

التسامح ليس منة أو هبة

بينما يؤكد عبد الله إبراهيم أن إشكالية التسامح تكمن في أن “المجتمعات الإسلامية كادت تنغلق على نفسها، ولم تعد تعرف التسامح. (ص15-16). في حين أنه “لا تسامح بدون اختلاف، فالتسامح ثمرة مران طويل على قبول حراك الصورة والفكرة والمفهوم, وقبول استئناف النظر الدائم بكل شيء، وعدم الارتماء في منطقة المطلق، وقبول الذات بتغيراتها، والآخر بسياقاته الثقافية.

المسلمون في عالم عدائي

 يشير عبد المجيد الشرفي أن العنف الواقع على المسلمين خارجيا يزيد من لا تسامح مجتمعاتهم، بل ويؤدي لاستعمال الدين مبررا لاختيارات ذات صبغة سياسيةو/اقتصاديةو/أو عسكرية غير متسامحة (ص44-45).

إشكالية التسامح

محمد مجتهد شبستري يؤكد أن مدخل تجذير التسامح في مجتمعاتنا مرتبط بمعناه المحدد والمترابط في الثقافة السياسية المعاصرةو هل نتبناه و نقبله أم لا ؟ (ص59-60).

عوائق التفاهم بين الثقافات

يشدد محمد سبيلا على دور خطاب التشدد و التطرف في غياب التسامح في مجتمعاتنا، مؤكدا أن “خطاب التشدد والتطرف يستند إلى أربعة آليات فكرية: النرجسية وتمجيد الذات-تبخيس الآخر وشيطنته-الاحتماء بالماضي-الخلط بين الديني والدنيوي (ص85). ومعالجة هذه الآفات الفكرية هي المدخل لثقافة ترسخ للتسامح الحق.

الركائز النظرية للتسامح

يرى مصطفى مليكان أن “التسامح رؤية أو تصور متفهمة أو متحررة فكريا حيال العقائد والممارسات المغايرة، أو المضادة، لعقائد الشخص المتسامح، وممارساته (ص93). ..مشددا على دور الممارسة في تعميق التسامح (ص95).

الجهاد بين الإمبراطورية و المقدس الشعائري

يتناول الدكتور رضوان السيد أسباب العنف الديني تجاه الآخر وأثره على تشويه معنى التسامح… مرجعا ذلك إلى ” انهيار المؤسسة الدينية التقليدية من جهة، وفي فشل الدولة الوطنية في القيام بوظائفها العادية تجاه الداخل وتجاه الخارج، وتعملق الوعي بالهوية المحددة.ويزيد الطين بلة أن هذا الخارج-الذي لم يعد خارجا- يشارك في عمليات الصراع على الإسلام، حفظا لأمنه ومصالحه بعد هذا العنف التبادلي بينه وبين الأصوليين الإسلاميين ” (ص113-114).

على طريق التسامح:نحو علم فرقي جديد

يعتقد غالب حسن الشابندر، أن إعادة النظر في علم الفرق سيكون منطلقا لتوثيق العلاقات الفكرية و الروحية بين أبناء الأمة و تحقيق التسامح (ص 125 ).

التسامح و جذور اللاتسامح

 ينقلنا  الدكتور سيد حسين نصر إلى الجانب الآخر المسكوت عنه في تناول التسامح: عن لا تسامح الغرب و دوره في غياب التسامح في مجتمعاتنا. فلا يوجد شخص أو مجتمع” يستطيع التسامح مع رؤية كونية تجهد بكل معنى الكلمة لإلغاء رؤيته وتصوراته للأمور (ص143). ومن ثم فلا يجب النظر لإشكالية التسامح أو اللاتسامح على أنها مجرد خيار أخلاقي أو قيمي، بل ينبغي اعتباره حقيقة انطولوجية أيضا (ص129-130).

التسامح و منابع اللاتسامح

يشير ماجد الغرباوي إلى أن “التسامح بمعناه الاصطلاحي غريب على البيئة العربية والإسلامية، وهو بحاجة إلى مزيد من التنظير والموائمة،كي تجري تبيئته بشكل يحافظ على فاعليته وتأثيره ضمن الانساق الثقافية والفكرية للمجتمعات الإسلامية.

التسامح و آفاق السلم الأهلي

  يشدد محمد محفوظ على أن “التسامح، لا يمكن أن يتجسد بدون تطوير الثقافة المجتمعية.. فالتسامح بحاجة إلى ثقافة مجتمعية جديدة، قوامها القبول بالآخر المختلف، والتعامل معه على أسس حضارية تنسجم وقيم المساواة والعدل (ص206-207).

حوارات حول التسامح

تناول مجموعة من المفكرين من العالم العربي والإسلامي من مشارب فكرية وخلفيات علمية مختلفة في أربعة ندوات مفهوم التسامح. ولماذا تخلف المجتمع المسلم في قضية التسامح. وهل الأفضل تسميته تسامحا أم سماحا…وكيف تحول علم الكلام من علم يبحث عن الحقيقة إلى علم يدافع عن حقيقة بذاتها؟..و أكدوا على ضرورة قراءة جديدة للنص والتراث والمنهج، وبحث جذور استلاب اللاهوت للجانب السياسي المعاصر، وأي القراءات الإسلامية يجب أن تتتخذ منطلقا لرسم حدود التسامح ؟ .. وكيف نتعامل على أساس من التساهل والتسامح مع الآخرين.. حتى يمكننا إرساء ثقافة حقيقية للتسامح داخل مجتمعاتنا.

 

تناول هذا الكتاب مفهوم التسامح باعتباره حقا، لا منحة، ولا هبة.وأكدت أبحاثه وندواته أن موضوع التسامح بحدوده وقضاياه المعاصرة يعد جديدا على الفكر العربي والإسلامي، وأن مشكلة التسامح ليست في طبيعة الدين أو في موقفه من العنف، لكنها هناك في الثقافة و أدواتها، والبيئة السياسية والاجتماعية وإكراهاتها، والضغوط الخارجية والاجتياح لهوية المجتمعات ومرتكزاتها.وأكد على ضرورة مناقشة المفهوم من منطلق حاجة مجتمعاتنا إليه، لا لمجرد رغبة الغرب في فرضه علينا، أو بسبب ما تعانيه مجتمعاتنا من العنف والإرهاب.