الوعي والمعرفة أوّلاً . . هكذا قال الله تعالى في كتابه الكريم حين خاطب النبي محمداً (ﷺ) ووضح له وللبشرية انّ هذا الدين قائم على أساس العقل والعلم في العشرات من النصوص ، مثل قوله تعالى : (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومَن اتّبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين) يوسف : 108.
(قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب) الزمر : 9.
(إنّما يخشى الله من عباده العلماء) فاطر : 28.
(قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين) النمل : 64.
(كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكّرون) يونس : 24.
إنّه يوضِّح إنّ الدعوة إلى الإسلام وإيمان البشرية به ، يجب أن يقوم على أساس (البصيرة) وهي الوعي والمعرفة . . وعلى أساس العلم والعقل والدليل والبرهان . . كما أوضحت الآيات الآنفة الذكر .
ولا يدرك ذلك إلاّ الذين يستعملون عقولهم ووعيهم . . وذلك ما تعرّفه الفقرات : (لقوم يتفكّرون) ، (إنّما يتذكّر أولو الألباب) .
لذا كانت الوسائل والأساليب تتسق مع طبيعة هذه الدعوة ، وهي أساليب العقل والعلم والوعي . . من هنا انطلق الإسلام في دعوته للبشرية لهدايتها ، وإصلاح أوضاعها السلوكية والاجتماعية ، وتعريفها بخالق الوجود . .
والقرآن كما جاء للبشرية بالقانون والشريعة والعقيدة وقيم الأخلاق التي تحفظ للإنسان إنسانيته ، وتحميه من الجريمة والانحراف . . فهو كما جاء بهذه المبادئ حدّد أيضاً الطريقة والأسلوب العلمي والأخلاقي لكيفية التبشير بمبادئه ، وإيصالها إلى أجيال البشرية ، ومخاطبتها بتلك المبادئ . . وبما أن أسلوب الدعوة إلى الإسلام ، ومنهج تبليغ الرسالة هو سلوك بشري ، فإنّه يخضع للتنظيم والتقنين وقيم الأخلاق ، وفق أهداف الإسلام الإنسانية الكبرى . . وهي هداية الإنسان واحترام شخصيته وتكريمه ، كموجود يملك العقل والإرادة والمشاعر والأحاسيس الوجدانية . . ومن هنا انطلقت الدعوة الإسلامية في الخطاب . . فالرسول محمد (ﷺ) والأنبياء جميعاً جاءوا لإنقاذ البشرية من الجهل والخوف والعدوان والضلال . . وليس لامتهان الإنسان واضطهاده وقتل إرادته ، وسحق إنسانيته والتسلط عليه . .
جاء في النص القرآني : (ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرّ والبحر وفضّلناهم على كثير ممّن خلقنا تفضيلاً) الإسراء : 70.
(وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين) الأنبياء : 107.
(الذين يتبعون الرسول النّبيّ الأُمِّيَّ الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطّيِّبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتّبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون) الأعراف : 157.
إن هذه الآية توضح الخطاب القرآني لأهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وتثبت مبادئ وأهداف الرسالة الإسلامية ، كما تستشهد بالتوراة والإنجيل ، كما أنزلها الله سبحانه على موسى وعيسى (عليهما السلام) ، فهما يشهدان بأن محمداً هو نبي المستقبل بعد موسى وعيسى ..
والذي نريد التأكيد عليه في هذا البحث هو الأهداف الكبرى للرسالة الاسلامية في هذا الخطاب القرآني الموجه لأهل الكتاب (اليهود والنصارى) . . فهي كما حددتها الآية إنّ النبيّ محمداً (ﷺ); جاء ليأمرهم بالمعروف . . ولينهاهم عن المنكر . . وليحل لهم الطيبات وليحرم عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إصرهم . . ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم .
إن هدف الدعوة الإسلامية هو أن يحيا الإنسان حياة طيبة في ظل الأمن والعدل والمحبة والسلام . . يوضح القرآن هذه المبادئ بقوله : (يا أيُّها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) الأنفال : 24.
(وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله) الأنفال : 61.
(والله يدعو إلى دار السلام ويهدي مَن يشاء إلى صراط مستقيم * للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قَتَرٌ ولا ذِلّة أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون * والذين كسبوا السيِّئات جزاء سيِّئة بمثلها وترهقهم ذلّة ما لهم من الله من عاصم..) يونس / 25 ـ 27.
(بالحق أنزلناه وبالحق نزل) الإسراء : 105.
( .. إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..) النحل : 90.
(وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض إنّ الله لا يحب المفسدين) القصص : 77.