قال الكاتب والصحفي الفلسطيني إلياس نصر الله إن كتابه (شهادات على القرن الفلسطيني الأول) يوثق لقصص حقيقية من الماضي إلا أنه في واقع الأمر موجه إلى جيل الشباب الذي يشعر بالقلق عليه من المستقبل.
وفي مقابلة مع رويترز قال نصر الله إنه ركز في الكتاب على توثيق الذاكرة من خلال تجميع القصص الواقعية لما حل بالشعب الفلسطيني ”لأن نكبة 48 مستمرة وهناك خطر علينا وعلى أهالينا .. أنا كتبت هذا الكتاب لأنني أرى أن المستقبل خطير جدا“.
وأضاف ”قضية الذاكرة ضرورية جدا لكي نتصدى للهجمة علينا…أنا حاولت أن أوصل للقارئ الشاب كيف كانت فلسطين وماذا حل بها ويعرف ما هي حجم المأساة إضافة إلى أنه يمكن أن يتعرض الجيل الجديد إلى نفس المأساة والتجربة من جديد، لأنه عندنا حكام في إسرائيل مش ناويين على الخير“.
وُلد إلياس بطرس نصر الله في قرية شفاعمرو عام 1947 وعمل بالصحافة في جريدة (الاتحاد) في حيفا وجريدتي (الشعب) و(الفجر) في القدس كما أسس جريدة (الطليعة) في القدس. انتقل عام 1979 للعيش في بريطانيا وعمل من هناك مع عدة صحف عربية.
أيام فلسطين الصعبة
وقال نصر الله ”اختلف مع الكثير من الناس بتعريف النضال الفلسطيني.. يعني النضال الفلسطيني ليس فقط أن نحمل بندقية، برأيي أننا نحن 1.6 مليون (فلسطيني) الذين بقينا في داخل فلسطين في شفاعمرو والناصرة وحيفا وعكا ويافا وكل القرى الفلسطينية التي بقيت، نحن بأعجوبة بقينا. هذا البقاء والصمود أكبر نضال. وجودنا اليوم أكبر مشكلة لإسرائيل“.
وأضاف ”يجب ألا نبخس أهمية الصمود الذي يبدو وكأنه بسيط ولكنه مهم جدا..أن نبقى بداخل وطننا ونتمسك بأراضينا وجذورنا وبتاريخنا“.
وفي كتابه “شهادات على القرن الفلسطيني الأول” الصادر عام 2016 يوثق نصر الله أيام فلسطين الصعبة خلال مئة عام مستعيدا الواقع على طريقة السرد مستذكرا روايات عايشها أهله وهو شخصيا فيما بعد ومستخدما الذاكرة وسيلة استدلال وناقلا وقائع تاريخية تعكس معاناة شعب اختبر الحرب والهجرة.
ويحمل نصر الله على صفحات كتابه تاريخا ينبض بالحكايا التي اختزنتها ذاكرة العائلة مستندا بين السطور على شهادات شفهية عكست الواقع كما كان وكشفت عن الحياة اليومية للفلسطينيين قبل وبعد ما يعرف بنكبة عام 1948.
عالم الصحافة
ويبني نصر الله سردياته من مدينته شفا عمرو في حيفا، حيث يستعرض قصصا تمتد إلى أكثر من قرن من الزمن وتمر على الجراح الفلسطينية بكل أبعادها، من اتفاق سايكس بيكو عام 1916 إلى وعد بلفور عام 1917 وصولا إلى النكبة عام 1948 حيث كان مع عائلته في عداد الضحايا الحقيقيين لتلك المرحلة مقدما شهادات حية لتجارب العائلة.
وبين حنايا هذا الكتاب يستعرض إلياس نصر الله مراحل النزوح إلى لبنان والأردن ثم العودة إلى الوطن الفلسطيني مجددا والانتماء إلى الحزب الشيوعي عام 1968، والانخراط في العمل الصحفي من خلال صحيفتي (الاتحاد) و(الشعب) قبل انخراطه في صحف أخرى مثل (الفجر) و(الطليعة)، ووجوده على خط فلسطيني واحد مع العديد من الشعراء والكتاب ورسامي الكاريكاتير مثل ناجي العلي وإميل حبيبي ومحمود درويش وغيرهم من الفنانين والسياسيين.
وقد شكل عالم الصحافة حيزا كبيرا من ذاكرة نصر الله التي اتسعت لذكريات من زمن توزيع المنشورات وكتابة المقالات ولقاء الصحفيين الأجانب في القدس ويكشف عن معاناة بعضهم وتعرض آخرين للقتل.
حملة تمويل جماعي
ويتحدث الكاتب عن أيام جمعته بالأديب والصحفي الفلسطيني إميل حبيبي من القدس إلى لندن ويصفه بأنه كان ظريفا ”فكان يروي لنا عن لقائه مع المغنية السورية الشهيرة أسمهان في أواسط الأربعينيات وكيف استدعته إلى فندق الملك داود أحد أشهر فنادق فلسطين الذي كان يعج بالحركة ليل نهار، وقد أُعجب إميل حبيبي بجمال أسمهان وطول قامتها عندما فتحت له الباب إلى درجة أنه كان مضطراً للنظر إلى أعلى كلما خاطبها“.
يقع الكتاب في 700 صفحة من القطع الوسط وهو صادر عن دار الفارابي في بيروت. وقدم له البروفيسور قيس فرو الرئيس السابق لقسم تاريخ الشرق الأوسط في جامعة حيفا الذي قال في مقدمة الكتاب ”إن من لا يستطيع كتابة قصة لا يستطيع أيضا كتابة التاريخ“.
وأبلغ نصر الله رويترز أنه ستنطلق خلال أيام حملة تمويل جماعي لتدبير التكلفة اللازمة لترجمة (شهادات على القرن الفلسطيني الأول) إلى اللغة الانجليزية.
وقال إن تكلفة الترجمة تبلغ أكثر من 20 ألف جنيه استرليني ”لذلك سعى بعض الأصدقاء والمعنيين بالكتاب من اجل إطلاق حملة التمويل الجماعي..الحملة ستطلق خلال أيام قليلة وآمل أن يكون هناك تجاوبا“.
ست سنوات من البحث
وأوضح نصر الله المقيم في لندن حاليا أن العمل على كتابه استغرق ست سنوات من البحث والتدقيق.
نال نصر الله في نوفمبر تشرين الثاني الماضي جائزة إحسان عباس التي تمنحها السلطة الفلسطينية لأفضل كتاب سيرة ذاتية يصدر في فلسطين.
ويقول نصر الله في خاتمة كتابه إنه شعر بالظلم الواقع على الفلسطينيين بعد انتقاله للعيش في بريطانيا ويضيف ”إنني شاهدت كيف يعيش البريطانيون بحرية نسبية افتقدتها في وطني واصطدمت في بريطانيا المرة تلو المرة بنماذج من اليهود الصهاينة المشغولين بإسرائيل ليل نهار وبولائهم لها مهما فعلت رغم عيشهم في بحبوحة في بريطانيا ويتمتعون بحرية تامة ويخوضون غمار العمل السياسي ويترشحون لمجلس العموم ويحتلون مقاعد في مجلس اللوردات لكنهم ما زالوا يصدقون أن الله وعدهم بفلسطين وطنا لهم“.