تشير الدراسات الاجتماعية إلى أن هناك ثلاثين نوعا من الزواج السري أو المستحدث، المخالف للزواج التقليدي فلم يعد الشاب (أو الرجل) الآن ملزما بأن يتم دراسته أو يحصل على مؤهل أو وظيفة لتكوين بيت وأسرة، فيكفيه أن يشير بيديه على أي فتاة ويعيش حبا وهميا، حتى يحصل منها على رغباته، بدون تكلفة وتكوين أسرة وزفاف وغيره من العادات البالية التي ذهبت مع القيم وأصبحت موضة قديمة، فهو يختار أي فتاة، ويعرض عليها النوع الذي يناسبها من أنواع الزواج ويناسب ظروفه هو أيضاً.

ونفس الأمر يطول الرجل غير الشاب (الكهل وغيره)، فليس من الضروري أن يتحمل تكاليف علاقة زواج قائمة، فيكفيه أي شكل من أشكال الزواج غير الرسمي، ليجدد نفسيته، ويشبع رغباته، والأمر ينصرف إلى المرأة أيضا، دون تحملها أعباء بيت الزوجية.

أشكال الزواج المستحدثة

فمن أشكال الزواج المستحدثة: الزواج العرفي، زواج المسيار، زواج المتعة ويتنوع فهناك متعة التجربة، والمتعة من أجل الإنجاب، وزواج المتعة من أجل النفقة المادية، وزواج المتعة بين السيد والخادمة، وزواج المتعة من أجل الاختلاط، وأخيراً زواج المتعة للمتعة الجنسية، وهناك موضة “الزواج الرِوش” والتي انتشرت في صفوف طلبة الجامعات، والزواج بالكاسيت أو التسجيل الصوتي حيث يقوم الشاب والفتاة بتوثيق عقد زواجهما على شريط كاسيت، ويقر فيه أيضاً الشاهدان بشهادتهما على الزواج، كما يقر المتزوجان فيه بأن يظل هذا الزواج سراً إلى أن تحين الفرصة المناسبة لإعلانه، ويتم الاحتفاظ بهذا الشريط في مكان يعلمه الطرفان، ويكون الطلاق بنفس الطريقة، بأن يتم تسجيل الانفصال على نفس الشريط.

ومن الطريف أن الشاهدينِ يكونان دائما من أصدقاء الشباب بحجة الحفاظ على سرية الزواج، وكثيراً ما تكون هذه العملية تبادلية بمعنى أن الشاهد في الزواج هو عريس في زيجة أخرى والعريس هو الشاهد له وهكذا، وتتم العلاقة الجنسية حيثما وأينما اتفق.

ومن صور الزواج أيضا، ما يسمى “الزواج بالدم” بأن يجرح الشاب إصبعه الإبهام الأيسر لقربه من القلب، وتفعل الفتاة نفس الشيء، ويتم وضع الإصبعين على بعضهما البعض لبعض الوقت، حتى تختلط دماؤهما؛ اعتقادا بأنه بهذه الطريقة لا يفترقان أبدا بعد أن اختلطت دماؤهما ويشهد على هذا الزواج الدموي شاهدان من أصدقائهما. كما ظهر من باب “الروشنة” أيضا نوع ثالث من الزواج وهو “الزواج بالوشم” بأن يتم رسم صورة الفتاة واسمها على صدر الشاب بينما يتم رسم صورة الشاب وكتابة اسمه على كتف الفتاة وبالتالي يصبحان زوجين للأبد، فهذا الوشم لا يزال إلا بماء النار وإزالته تعني الطلاق.

وهناك نوع آخر من الزيجات وهو “زواج الفريند” فهو موضة غزت العالم الإسلامي على غرار ظاهرة (Boyfriend and Girlfriend) في المجتمعات الغربية أو الشرقية على السواء [1].

أسباب الزواج السري

يمكننا قراءة هذه الأشكال الزوجية من بعدين:

  • الأول: من خلال الشباب والفتيات أنفسهم، فهما في حالة فراغ نفسي وفكري وروحي، خاصة أن هذه الأشكال تنتشر غالبا في أوساط النخبة المترفة ماديا، وهذا لا يمنع من وجودها في أوساط الفقراء بدافع المال.
  • والبعد الثاني: يتعلق بالأسر التي أنتجت هؤلاء الشباب، وتركت لهم الحرية والانطلاق في الحياة دون محاسبة، ووفرت لهم الراحة المادية.

ونرى أن هذا انعكاس لأحد مفاهيم النسوية الغربية ألا وهو مفهوم (الضحية) الذي ينطلق من قناعات ترسخت لدى المرأة في الغرب بأن الرجل ظالم، والمرأة مظلومة، فهي ليست عبدةً له، يتحكم فيها كما يشاء، وإنما إنسانة لها متطلبات وحاجات وشخصية مستقلة، وعدّ دعاة النسوية كل من يخالفهن عدوا لهن، فاتهمن الأصوليين المسيحيين بأنهن يحاربن حقوق الخصوبة للنساء، ونادين بأهمية العمل للمرأة، حماية لهن من توحش الذكور وسيطرتهن عليهن باسم الإنفاق. وتشير أرقام الواقع إلى حقائق مجتمعية كارثية، فهناك 65% من الفقراء في بريطانيا هم نساء، والعديد منهن أمهات غير متزوجات.

فالنساء هنّ الفئة الأسرع نموًا في المتشردين في الشوارع، ونصفهن هربن من منازلهن بسبب العنف المنزلي. فخرجت النساء إلى العمل، ساعيات إلى الاستقلال المادي، وتم تصدير أسلوب الحياة الأمريكي، إلى مدن العالم، خاصة مع اتساع ظاهرة العولمة، وتسيّد النموذج الأمريكي في المعيشة، والغريب – وفق الإحصاءات أيضا – زيادة معدلات الجرائم والاغتصاب (العنف العضوي والجنسي)، وارتفعت حالات القتل المتعلقة بالجنس بنسبة 160%، خلال عقدي السبعينيات والثمانينيات [2].

سنلاحظ أن حالة المظلومية التي تعاني منها المرأة في الغرب ناتجة بشكل مباشر عن النظام العلماني المادي الذي ساد في الغرب، وأدّى إلى إقصاء الدين والكنيسة عن الحياة، فتوحش الإنسان ماديا عندما ضمر الجانب الروحي، وأضحت الحياة تقاس بمقاييس المادة والوفرة، مع تغيير البنية الاجتماعية التقليدية وشيوع حياة المدن التي تعزز الفردية والعزلة، فجنت المرأة حصيلة كل ذلك اضطهادا وعنفا واحتقارا واغتصابا.

ونحن لسنا ضد عمل المرأة، فهو ضرورة مجتمعية لمهن عديدة، مثلما هو ضرورة لها بشكل شخصي، مع ارتفاع مستوى التعليم، ونبوغ المرأة في علوم ومعارف لا حصر لها، وأصبحت قوة علمية وإبداعية وعملية تضاف إلى قوة المجتمع الكلية، إلا أن التحفظ حول نمط الحياة السائد، وتغوّل المادية، وسيادة مفاهيم خطأ، وتغييب القيم الروحية، والأخلاقيات الدينية، ومراعاة خصوصية المرأة على المستوى البدني والأمومي في الوظائف الموكلة لها.

ويرتبط بالمفهوم النسوي عن الضحية أيضا ما يسمى بإجبار المرأة على ممارسة الجنس، فمن حقها ممارسة العلاقة الحميمة كما تشاء، ولا تجبر عليها إرضاء لمزاجية الرجل ورغباته [3]، وللأسف تسوق داعيات النسوية في عالمنا العربي مثل هذه الآراء، وتهاجم الحديث الشريف الذي يتوعد المرأة بأن تلعنها الملائكة حتى تصبح إذا هي هجرت فراش زوجها.

ورأي العلماء في ذلك أن الحديث ليس على إطلاقه كما يتوهم بعضهم، بل هو مخصوص بمن لا عذر لها في ذلك، ومجرد عدم رغبتها لا يعد عذراً يبيح لها الرفض، أما فإن كانت الزوجة معذورة بعذر شرعي كحيض أو صوم قضاءٍ ضاق وقته، أو بعذر حسي كمرضٍ ونحوه، أو معنوي كشدة غم وحزن، أو مرض نفسي، وما إلى ذلك من الأعذار التي تمنعها من أن يستمتع بها زوجها – فلا يجوز له أن يكرهها عليه بالقوة؛ لما في ذلك من الإضرار بها، مصداقا لقوله تعالى: {ولا تضاروهن}، (سورة الطلاق، 6) وقوله جل شأنه: {وعاشروهن بالمعروف}، (سورة النساء، 19). وليس من المعاشرة بالمعروف أن يكرهها على حاجته إذا كانت تضرها [4].

أما دعاة النسوية، فهن يرون أن المرأة تغتصب من زوجها على فراش الزوجية، وأنها معرضة للعنف الجنسي، وأن الرجل لديه نصوص وفتاوى شرعية تؤيده ويستند عليها، وهو جهل واضح بالشريعة، واصطفاف مع الفكر التغريبي، والتخندق في مواقعه الفكرية، والذي بدا موضة في الساحة الثقافية.

على جانب آخر، فإن الحركة النسوية هي حركة سياسية من حيث اعترافها بعدم وجود توازن في علاقات القوى والبنى السلطوية على أساس جندري، وتقاطعاته مع أشكال أخرى من التمييز والقهر. وتتمحور الحركة النسوية حول النساء، وتناضل من أجل تقوية النساء وتحسين أوضاعهن المعيشية، في عملية تتضمن أحيانا مواجهات مع أشكال ومستويات متنوعة من السلطة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والدينية والثقافية وغيرها. وهي حركة وقودها “الوعي النسوي” الجمعي، بأن الحركة النسوية حركة سياسية تستند إلى الوعي بأن وضع النساء خاضع لأشكال متعددة من القمع والتهميش والإقصاء، وباعتبارها حركة تسعى إلى تغيير أوضاع النساء من أجل العدالة الاجتماعية[5]، والتي انحصرت في حقوق المرأة كفرد وبشكل أناني بحت.

كما أنها تقدم مستحدثات فكرية، ربما لم تتسرب بنصوصها وشعاراتها بشكل مباشر في الوعي النسوي العربي العام، ولكن آثارها نلمسها بوضوح على المستوى الاجتماعي، فتمسك المرأة بالعمل، وبقائها خارج المنزل لساعات طويلة ترك آثارا سلبية على الأطفال، وكانت الطامة الكبرى تلك التي نتجت عن حقوق النساء الشاذات جنسيا (السحاقيات) وتحويل طاقاتهن العاطفية نحو سيدة من نفس الجنس بدلا من رجل طاغ ظالم ومتكبر، وظهرت دعوات لتقنين الزواج بين امرأة وامرأة، رفضا للأسرة التقليدية (رجل وامرأة)، وتبقى معضلة الأطفال والشوق للأمومة، وتلك يمكن تحقيقها من خلال التلقيح الصناعي، فيما يسمى الأمهات السحاقيات [6]. وكل هذا ينتج عنه فوضى في النسب، وظهور جيل جديد من الأطفال بلا آباء معلومين، وتربين مع سيدات شاذات في الفكر والممارسة والمعيشة ذاتها.

والكارثة أن ظاهرة السحاق والشذوذ الجنسي؛ باتت تنتشر في العالم العربي، مع الانفتاح المتزايد الذي نجده على العالم الخارجي، والأسباب معلومة، والأعراض مرصودة، وحركات الشذوذ الجنسي تستفيد من الشبكة العنكبوتية، ومواقع التواصل الاجتماعي، الفضائيات والمواقع الاباحية في الانترنت ورفقاء السوء، والواقع العربي يثير الدهشة من خلال الدراسات والبحوث التي أجريت على ذلك [7]، وقد تبين انتشار هذه الظاهرة في الجامعات، والمدارس، وخروج هؤلاء إلى العلن.

وتكمن الآثار السلبية على مستوى الأولاد في اضطراب الهوية الجنسية (Gender Identity)، حتى لو عاش الطفل في أسرة بها والدان، يعاني أحدهما من مشكلات جنسية مثلية أو ضعف جنسي أو مشكلات زوجية وعاطفية عميقة، مما يؤدي إلى ترسب مفاهيم وعواطف مختلة في ذات الطفل ووعيه عن: مفهوم الأسرة عن الرجل والمرأة (الذكورة والأنوثة) والعلاقة بينهما، عندما يجد الأم هي أسرته وكل عالمه ولا يجد أبا له.

وكذلك طبيعة تركيبة السلطة في هذه الأسرة، وتحكم الأم فيها، مما يؤدي إلى إفساد النظام الأسري المتوارث جيلاً بعد جيل، وتصبح المرأة لها دور القيادة ويكون دور الذكر فيه هامشيا أو سلبيا أو منعدما من الأساس. كما يتغير مفهوم الابن/ الابنة عن الجنس والعلاقة الجنسية الصحيحة، ويصبح الشذوذ مقبولا له. وكثير من مشكلات الهوية الجنسية ناتجة عن انحياز أحد الوالدين (في الأسرة العادية) إلى جنس معين، فالأم تتمنى بنتا، والأب يتمنى صبياً [8]، وقد نجد انحرافات في التربية أساسا، مع تدليل الأم للولد، أو احتقار الأب للبنت، والقصص على ذلك كثيرة، وعلاجها التوعية والإرشاد.