هي ليلة تعددت أسمائها، فهي ليلة العمر، وهي ليلة الزفاف، وهي ليلة البناء، وهي الليلة الموعودة، يتشوق إليها العريس والعروس، ويتقدمان نحوها بمزيج من السعادة والدهشة والخوف والقلق والتوتر في آن واحد، ومع كل هذا خلفية كل واحد منهما وأفكاره عن هذه الليلة، وما يحدث فيها، كل قد استمدها من حياته الحافلة بما سمع وما تناقلته الألسنة، وبما أسرّ به الأصدقاء، وبما باحت به بعض الكتب المتاحة، ثم بالخيال الخاص وطبيعة شخصية كل منهما في مواجهة الأمور.. أشياء كثيرة بعضها إيجابي، وأكثرها سلبي تسهم في صناعة تلك اللحظة، وما يمر فيها من مشاعر وما يكتنفها من أحداث.
أول ما يجب أن يعلمه العريس والعروس أن هذه الليلة بالرغم مما حولها من هالة وتضخيم لأحداثها هي ليلة عادية جدًا، مثلها مثل كل الليالي التي تمر على الإنسان. كل ما زاد عليها أن هذه الفتاة أو هذا الفتى الذي كنت تحلم أن تكون بقربه قد أغلق عليكما باب واحد، ولكن في الحلال وعلى سنة الله ورسوله الكريم، لم يتغير شيء في المسألة أكثر من ذلك، فعلى كل طرف أن يهدأ أولا ، ثم يهدئ الطرف الآخر .
ليلة الطمأنينة وليس الحرب
أهم نقطة في هذا الهدوء هي الطمأنينة، حتى يدرك أنهمات ليسا بصدد معركة حربية أو موقعة مصيرية يجب إنجازها في هذه الليلة، خاصة وأنه في كثير من أجزاء وطننا العربي ما زالت هناك – للأسف- عادات الجاهلية الأولى مما يضغط على أعصاب الزوجين خوفا من فضيحة شرف وحديث الناس عن فشل ذريع وضعف مريع.
يجب أن يفهم العروسان أننا بصدد لقاء طبيعي بين زوجين متحابين، إذا تركا الأمر لمشاعرهما الطبيعية، ولتتابع الأحداث دون أي توتر أو تكلف فإن النتيجة الطبيعية المؤكدة هي تمام اللقاء بحب و نجاح.
مفاهيم خاطئة
للأسف الشديد، لازالت تحيط بليلة الزفاف في ربوع أقطارنا العربية هالات من الخرافة، وكم كبير من المفاهيم الخاطئة، التي تسهم إلي حد بعيد في تشويه علاقة الزوجين الجنسية من أول ليلة، مما ينعكس بدوره علي العلاقة الزوجية برمتها، وهو الأمر الذي يتطلب تبديدا لهالات الخرافة، وتصحيحا للمفاهيم الخاطئة، كخطوة أولي علي الطريق الصحيح لإقامة علاقة جنسية ناجحة ومن ثم علاقة زوجية ناجحة.
أهم المفاهيم الخاطئة التي تحيط بهذه الليلة، يمكن تقسيمها إلي أربعة محاور رئيسية:
- الأول متعلق بالأوهام والأساطير الشائعة عن ليلة الزفاف
- مشكلة الخجل وكيف يؤثر سلبا علي التواصل الجنسي السليم بين العوسين
- القيود التي تحد من اللقاء الجنسي بين العروسين
- الاستعجال من دون تمهيد أو حوار أو مقدمات
ولعل من التصورات الخاطئة عند الكثير من الشباب أن ليلة الزفاف هي ليلة فض غشاء البكارة فقط، والذي رغم هشاشته الشديدة إلا أن المخيلة الشعبية أضفت عليه من القوة والمتانة ما يتطلب لفضه معركة حربية.
ومن الأمور الخطيرة التي تسهم في تشويه الحياة الجنسية لأي زوجين، وزيادة تعرضهم للفشل في ليلة الزفاف نقص معرفة أي منهما بأبجديات الحياة الجنسية، والخجل من الاطلاع علي أساسياتها.
إن العلاقة الجنسية والعاطفية بين الزوجين لا تبدأ من ليلة الزفاف، ولكن تبدأ قبل ذلك بالنظرة، وقد قال ﷺ لمن سأله عن النظر إلى خطيبته: “انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما.
قيود وحدود
إن الإفصاح عن المشاعر أمر في غاية الأهمية علي صعيد الوصول لحياة جنسية سوية، والتعبير عن هذه المشاعر لا يجب أن يكون قاصرا علي الرجل وحده، بل يتعين علي المرأة أن تعبر عنه بلغتها الرقيقة وبسمتها الحانية، وفي هذا كله مكامن المتعة للطرفين، غير أن الحادث في بلادنا أن الكثير من النساء تتعامل مع العلاقة الجنسية من منطلق “تأدية الواجب” وجبر الخاطر، فتتحول إلي علاقة آلية ميكانيكية تفتقد إلي الكثير من الفنون التي توصل إلي الذوبان في النصف الآخر، وذلك مرده إلي جملة من المفاهيم الخاطئة والقيود عند الكثيرين، يتم توارثها جيلا بعد جيل، لاسيما النساء وعلاقتهم بالعلاقة الجنسية:
القيد الأول: هناك تصور خاطئ لدي البعض، وخاصة النساء ـ باعتبار أن الشهوة أو الرغبة الجنسية تعبر عن “دناءة الأخلاق” وغرائز الحيوان، وهذا المفهوم إن كانت بعض الزوجات والأزواج لا يقولونه تصريحا ،إلا أنهم يؤمنون به يقينا، ويستشعرونه أثناء ممارستهم الجنس مع أزواجهم ،وهناك من تستقذر العلاقة الجنسية وتحتقرها، والعوامل التي تؤدي إلي كل ذلك أساسها التربية الخاطئة التي تتربى عليها المرأة، التي تنفرها من الجنس وحتي من كل جنس الرجال.
القيد الثاني: الذي يحول بين إتمام المرأة لعلاقة جنسية ناجحة سواء في ليلة الدخلة أو في غيرها يعود لتصورها الخاطئ بأن الشهوة الجنسية لا تكون إلا للإنجاب فقط ، و ساهم في انتشار هذا المفهوم بعض المتشددين في الدين عندما فسروا آية {نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين (سورة البقرة-223 ) على أن الهدف من هذه العلاقة هو الإنجاب ؛ لأن النساء كالأرض، ووضع “البذر” فيها لا يكون إلا للأثمار فقط،
القيد الثالث: الذي يعيق العلاقة الجنسية بين الزوجين هو اعتبار إخراج الشهوة والتفنن في التمتع بها أسلوب غربي ينكره الإسلام، وهناك بعض رجال الدين والدعوة يستنكرون على المسلم الذي يتقي الله أن يضيع وقته وجهده في التمتع بالعلاقة الجنسية، قد يكون قصدهم صرف الشباب عن الانغماس في الشهوة والسعي وراءها ،وهم محقون في هذا، ولكن من يسمع كلام بعضهم يظن أن الاستمتاع بالعلاقة الزوجية التي تجمع طرفي الحياة وتساعد في دوام الألفة والعشرة ينبغي ألا يشغل التفكير ، وألا يضيع الوقت “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق”.(سورة الأعراف -32).
القيد الرابع: يعود لتحريم التعري أثناء اللقاء الجنسي بين الرجل وزوجته، إتباعا للحديث الذي يقول “ولا تجردا تجرد العيرين”، ولن نناقش صحة الحديث وثبوته من عدمه، فليس هذا دورنا، لكن لننظر فقط للهدف الذي ذكر من أجله هذا الحديث ـ إن كان صحيحا ـ فالعاقل يفهم أن الغرض من عدم التعري هو الستر حتى لا يرى أحد من الدار عورة الزوجين، وخاصة أن البيوت قديما كان من الصعب إغلاق حجراتها، ولكن إذا كان الزوجان يستطيعان ممارسة العلاقة والباب مغلق تماما فهل لا يجوز أيضا التعري؟ ، إن علاقة الجسد بالجسد فيها الكثير من الجوانب التي تذكي اللقاء، وتزيده بهجة فلماذا نقيد أنفسنا بعوائق نفسية وبدنية تمنع التواصل التام الذي هو أسمى أهداف تلك العلاقة ؟ ثم إن وصف الله تعالى للزوج والزوجة على أن كل منهما لباس للأخر يعني أن جسد كل منهما ملتصق تماما بجسد الأخر مثل الثياب الذي يرتديها، وهل يوجد وقت لذلك التلاصق واللباس خير من الوقت الذي يجمعهما في علاقة حميمة؟
القيد الخامس: يعود إلي ابتعاد بعض الأزواج عن النظر إلى فروج زوجاتهم والعكس كأن تمنع بعض النساء الأزواج من النظر إليه، وهذا يمثل بدوره عائقا كبيرا نفسيا كبير يقف أمام المتعة التامة ، وكيف يستشعر الزوجان تمام الاتحاد والانصهار وكل منهما ينظر للآخر بتحفظ؟ فضلا عن امتناع الزوجة عن السماح لزوجها بالنظر إلي كل مفاتنها قد يورده موارد الشك المدمر والوساوس المرضية القاتلة التي تقود سفينة الحياة الزوجية إلي أتون الجحيم.
القيد السادس: يعود إلي عدم معرفة حدود العلاقة الجنسية بين الزوجين، والمباح فيها وغير المباح، ونحن نقول أن هناك قاعدة فقهية شهيرة تقول “الأصل في الأشياء الإباحة، ولا تحريم إلا بنص، وبالتالي يكون كل شيء مباح في هذه العلاقة ماعدا “الحيض والدبر”.
القيد السابع: متعلق بالتحفظ الشديد الذي تبديه الزوجة أحيانا بخصوص عدم إفصاحها عن رغباتها الجنسية لزوجها، وهذا وإن كان مفهوما في الليلة الأولي نظرا لجدة الأمر عليها، فإنه يصبح غير مفهوم وغير مستحب بعد ذلك، لأن كثيرات يربطن هذا الأمر برغبتهن في إظهار إلي أي مدي هن عفيفات، فتكبح جماح نفسها ، وما يتأجج بين ضلوعها من نار للشهوة مستعرة، وتأبي أن تكون البادئة أو التي تطلب من زوجها الجماع، علي الرغم أن عفتها لا تكون أو تتحقق إلا بإشباعها رغباتها وشهوتها مع زوجها الذي أحل الله لها الاستمتاع به. لهذا تضيع هذه النوعية من النساء متعتها بين إدعاء العفة، وبين تحفظها الشديد وخجلها ولو علمت المرأة أن إفصاحها عن مشاعرها ورغبتها يسعد زوجها سعادة بالغة لما أحجمت عن تعبيرها بالنشوة بشتى الطرق ، ولتركت لنفسها منفذ للتعبير عن تلك الأحاسيس ،ولعبر الجسد عما يعتريه من لذة ونشوة، ولأدركت أنها بهذا المفهوم الجميل للعلاقة تتشبه بنساء الجنة اللائي وصفهن الله بلفظ “عُرُبًا” ، و”العرب “هي المرأة التي تعرب لزوجها عن رغبتها فيه، واشتياقها إليه، والإعراب عن هذا يأتي بكل الطرق والإشارات اللفظية والغير لفظية، فلماذا تبخل المرأة على نفسها وعلى زوجها بهذه المعاني؟.
الاستعجال بدون إبداء أسباب
غالبا ما يكون العريس في ليلة الزفاف في قمة الإثارة الجنسية،فقد حانت اللحظة الموعودة ،التي انتظرها لسنوات ،وهذه الإثارة قد تدفع بالعريس للتعجل بالدخول ،وتجعله يغفل عن مرحلة شديدة الأهمية في العلاقة الجنسية، وهي المرحلة التي يتم فيها التهيئة النفسية والجسمية للزوجين قبل الشروع في العملية الجنسية الكاملة، وهي ما نسميه “بالمداعبة” سواء اللفظية أو الحسية، فهذه المرحلة يجب أن تأخذ وقتها الكافي، لأن النقص فيها يجعل المرأة غير مهيأة لعملية الجماع، وهذا مؤلم جدا لها نفسيا وجسديا ،وخاصة في أيام الزواج الأولى ،حيث لم تتعود بعد على الممارسة الجنسية، وتغلب عليها مشاعر التوتر والاضطراب، وربما الخجل أو الألم أكثر من الاستمتاع والإثارة، ولذلك لم يغفل القرآن الكريم هذه العلاقة فيقول الله تعالى: .ِنسَآؤُكمْ حَرْثٌ لَّكمْ َفْأتُوْا حَرْثكمْ َأنَّى شِئتُمْ وَقدِّمُوْا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقوْا الّلهَ وَاعْلمُوْا َأنّكم مّلاُقوهُ وَبَشِّر اْلمُؤْمِنينَ. [سورة البقرة: 223
ويقول الرسول ﷺ “لا يقعن أحدكم على امرأته كما تقع البهيمة وليكن بينهما رسول، قيل وما الرسول؟ قال: الُقبلة والكلام”، وقال: ثلاث من العجز في الرجل، وذكر منها أن يقارب الرجل زوجته فيصيبها قبل أن يحدثها ويؤانسها فيقضي حاجته منها قبل أن تقضي حاجتها منه- جزء من الحديث السابق.
الأمر الثاني أن كل الأوهام والأساطير والقيود التي تحيط بالمعاشرة الزوجية يمكن أن التخلص منها بالحوار والمصارحة بين الزوجين، ويبدأ الحوار قبل الزفاف بمدة معقولة ،تتيح للزوجين قدرا معقولا من التقارب والتآلف والتفاهم، الذي يجعل المعاشرة الزوجية ليلة الزفاف بمثابة التطور الطبيعي لهذا الاقتراب وتلك الحميمة،
عوامل مساعدة
بعد أن عرضنا لبعض المفاهيم والممارسات الخاطئة التي تعيق التواصل الجنسي بين الزوجين يبقي أن نعرض في عجالة لبعض العوامل التي تؤدي إلي التواصل الجنسي الناجح أو الجماع المثالي، وفي ذلك نقول في البداية أنه يتطلب زوجين متفاهمين، ويقدر ويحترم كل منهما الآخر، ولذلك من الضروري أن يعرف كل طرف المشاعر النفسية للطرف الأخر، ويتعرف على صفاته من جديد، وينظر إلى كيفية التعامل مع هذه الصفات، ويضع السيئ منها في حجمه دون أن يجعله يسيطر على بقية الصفات الحميدة ، كل هذا من أجل الوصول إلى تواصل جيد يفتح قنوات من الحب والحوار الطيب الذي يفيض على جوانب النفس فيجعلها تقبل على اللقاء بقلب نابض وروح هائمة ، هذا هو الجانب النفسي الهام في إنجاح اللقاء وجعله مثاليا، وهناك عوامل أخرى تساعد في الإمتاع منها:
- الجو الهادئ ومنع التشتت
- تعميم الروائح الطيبة والتخلص من الروائح المنفرة
- تفريغ فضلات الجسم (المثانة والمستقيم)
- أخذ حمام دافئ قبل اللقاء
- التخفيف من تناور الأطعمة الدسمة والوجبات الثقيلة