إن الإزاحة التي قام بها الهاتف الجوال من خلال الذكاء الاصطناعي والتطور التقني الرهيب يمثل تحولاً كبير على كافة المستويات – الحسية والمعنوية – بل يمارس “الموبايل” سلطات لا حدود لها على البشر في كافة الأوقات وبمختلف المجالات، فهو المتحكم وليس العكس في التصرفات والأفعال ونمط الحياة، وهو الذي يفرض سلوكيات وأنماطًا متنوعة علينا، ونحن لا نشعر بذلك!!
كما أنه يُفْرِز أبعادًا سيكولوجية واجتماعية ويطرح قضايا تستحق التأمل والتحليل..
ومن ذلك قضية الصورة، سواء أكانت الصورة التقليدية أو ” الصورة السيلفي ” التي أضحت ثقافة العصر، فنجد الكثير من الناس يلتقطون صورا لكافة المناسبات وكافة الأوقات؛ تخليدا للذكريات وتوثيقا للأوقات السعيدة، والصورة تختصر الكثير من الدلالات والتفسيرات، وتُعبِّر عن المواقف أكثر من الكلام، لذلك أصبح حديث الصورة هو المسيطر على حياتنا، إنها العتبات الجديدة في الأدب والإعلام والفن والسياسية وغيرها من الفنون.
رمزية الصورة ودلالتها
كنا في السابق نتحدث عن الصورة الأدبية سواء أكانت حسية أو معنوية، وكيف ينتزعها الكاتب من محيطه محاولا نقلها إلينا أو تمثيلها في تجربته الإبداعية. أما الآن فـ ” الصورة السيلفي” هي التي تنقل لنا الموقف والدلالة في آن واحد، فتختصر لنا الزمن والمسافة، وتنبعث منها الدلالة كما ينبعث الضوء من وهج الشمس.
إن الصورة تأتي دينية وصحفية وفنية وشخصية وموضوعية ومفردة، إلى غير ذلك من الأنواع التي لا حصر لها، وفي كل نوع من ذلك تعطينا سَيْلا من الدلالات و العطاءات المعرفية، فالصورة الدينية ” نوع مغاير تمامًا من الاستعمال الممكن للصور الذي قد يجعلها قادرة على إتاحة الولوج إلى المقدسات”[1].
و الصورة الشخصية بسلطاتها المتعددة، التي تنقل لنا صفات الشخصية وابعادها؛ تمثل مساحة كبيرة جدًا تصل إلى عمود من المجلة – في حالة النشر -، وهذه المساحة ” التي تحتلها هذه الصورة تشغل أكثر من عمود في الموضوعات الكبيرة مثل الأحاديث الصحفية التي تجريها مع بعض الشخصيات المهمة، وقد تُصغَّر هذه الصورة لتحتل نصف عمود في حالة الموضوعات القصيرة، وفي بعض الأحيان تُنشَر أكثر من صورة شخصية في الموضوعات الطويلة وفي هذه الحالة تقوم الصحيفة بترتيبها بشكل أفقي أو رأسي وأحيانًا تُزاوِج في ترتيبها بين الشكلين معًا، وتُراعي الصحيفة في هذه الحالة أحيانًا التوزيع في مساحات هذه الصور، مما يضفي عليها الحيوية والحركة”[2].
هذه بعض العتبات حول الصورة وما تُمَثِّله من دلالات في العمق المعرفي، وتخترق حواجز التأويل فتعطينا العديد من المقاربات المعرفية حولها.