نظم مركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة في قطر مساء الثلاثاء29-11-2016 محاضرة أكاديمية بعنوان: الدين في دساتير دول العالم..دراسة مقارِنة من منظور إسلامي”، ألقاها الدكتور محمد المختار الشنقيطي، الباحث بمركز دراسات التشريع الإسلامي والأخلاق، وأستاذ الأخلاق السياسية بنفس الكلية.
جدل الدين والدولة والاستبداد
بدأ المحاضر حديثه عن الجدل حول الدين والدولة، ومسألة العلمانية في الدول الإسلامية والعربية تحديدا، وقال إنه جدل نظري تجريدي لا ينظر إلى التجارب العملية الموجودة في الواقع، فهناك صورة نظرية نمطية سائدة ترى أن مشكلتنا هي أن العالم نحى نحو العلمانية وانخرط فيها، ونحو باقون خلف الركب الإنساني، لم ننجز بعد شيئا.
استمر المحاضر في الحديث عن هذه النقطة، وقال :إن هذه الصورة التجريدية النظرية المبسطة حول العلمانية لا تعكس وقائع الحال على الأرض في الأنظمة السياسية الموجودة، ولا في دساتير العالم، لأن الدول التي نرى أنها عريقة في الحريات السياسية، قد نتفاجأ بأنها ما تزال حتى اليوم لديها ديانة رسمية في دساتيرها. ثم قال إن محنة المنطقة العربية هي أنها لم يتح لها أن تتطور طبقا لمنطق قوانينها الطبيعية الذاتية، فما نراه من صراع حول مسألة الدين والدولة يبرهن على أن المنطقة لم يتح لها حتى الآن ولا هي فرضت بالقوة في صراعها مع المستبدين أن يتاح لها هذا المسار بشكل طبيعي.
فقرٌ في الدساتير الإسلامية المكتوبة
تحدث المحاضر عن الوضع الدستوري في العصر النبوي، وقال إن التراث الإسلامي عانى من فقر كبير في مسألة الدساتير المكتوبة الموثقة، فالدولة الإسلامية في العصر النبوي كان لديها دستور أو وثيقة دستورية، وكان بالإمكان أن تكون تلك الوثيقة بداية قوية لتطوير الفقه الإسلامي بناء على البذرة التي بذرت في المدينة، لنجد فقها دستوريا مكتوبا على مسار التاريخ الإسلامي.
وفي هذا السياق قال إن المفاجأة هي أننا لا نجد في الدول التي عرفها العالم الإسلامي على مدى الأربعة عشر قرنا الماضية دساتير مكتوبة، منذ دستور المدينة حتى القرن الرابع عشر الهجري حينما بدأ لأول مرة كتابة دساتير للدول إسلامية بتأثير من النماذج الغربية، وقد بدأت هذه التجربة في تونس عام:1861 وفي الدولة العثمانية في فترة قريبة من نفس التاريخ.
بين القيم السياسية والإجراءات السياسية
ذكر المحاضر أن هناك فجوة زمنية هائلة تزيد على 1200 عاما، ما بين دستور المدينة المكتوب وأول دستور مكتوب، ثم أشار إلى أن هذه المشكلة عَرَضٌ لمشكلة أعمق، وهي ثراء التراث الإسلامي في القيم السياسية وفقره في الإجراءات السياسية، فالحقيقة أن الإسلام قدم لنا كمًّا هائلا من القيم السياسية التي تكفل تأسيس النظام السياسي الرشيد وترك لنا حرية ترجمة هذه القيم إلى مؤسسات وإجراءات سياسية، وبقدر ما نجد ثراء النص الإسلامي في القيم السياسية نجد ثراء فقر تراث المسلمين في مجال الإجراءات والتقنين المفصل في مسألة بناء السلطة وأداء السلطة في تاريخهم وتراثهم.
وقال إننا ولو قارنا هذا الفقر في مجال التدوين الدستوري في التراث الإسلامي مع الأمم الأخرى سنجد فارقا كبيرا خصوصا أمة اليونان العريقة التي كانت تمتلك دساتير مكتوبة قبل الإسلام، والدليل على ذلك أن أرسطو حينما كتب كتابه حول دساتير تلك المنطقة كان حصاد دراسته لـ:158 دستورا من دساتير أثينا والمدن اليونانية، فهنا نجد الفرق الهائل بين فقر تراث المسلمين في مجال الدساتير المكتوبة، وبين ثراء دساتير بعض الأمم الأخرى، كاليونان والرومان مثلا.
الدين في دساتير الدول الإسلامية
أشار المحاضر إلى أن الكثير من الدول الإسلامية كانت صريحة في نصها على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي، وقال إن هناك نماذج كثيرة، وذكر أسماء مجموعة من الدول، ثم نبه إلى أن النص الدستوري في بعض هذه الدول قد يأتي أحيانا مطبوعا بطابع مذهبي، وهذا ما نجده في دستور إيران، حيث نصت المادة الثانية عشرة منه على أن الدين الرسمي هو الدين الإسلامي والمذهب الجعفري الإثني عشر، ويبدو أنهم أصروا على أن النَّص الدستوري المتعلق بالمذهب يكون في المادة 12 أيضا. يقول المحاضر.
وأضاف المحاضر أن هناك بعض الدول الإسلامية أو الدول ذات الغالبية الإسلامية لكنها تنصُّ على العلمانية، وقال إن هذه الظاهرة أكثر شيوعا في نمطين من الدول: النمط الأول: دول مسلمة كانت جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق، أما النمط الثاني: فدول مسلمة خضعت للاستعمار الفرنسي وخصوصا في إفريقيا، وضرب المثل بدولة تشاد.
الديانات العالمية في الدساتير
تحدث المحاضر عن بعض الديانات العالمية التي تم النص عليها في الدساتير، وقال إن من بينها :الديانة المسيحية، التي ذكرت في دستور أرمينيا، حيث جاء في المادة الثامنة :”إن جمهورية أرمينا تعترف بالكنيسة الأرمينية كنيسة وطنية..”. وكذلك تم النص على المسيحية الأرتودوكسية في عدة دساتير منها :دستور جورجيا في المادة التاسعة، ودستور اليونان في المادة الثالثة، كما نص دستور الدانمرك في المادة الرابعة على أن “الكنيسة الإنجيلية اللوثرية هي الكنيسة الرسمية للدانمرك، وباعتبارها كذلك فهي تستحق دعم الدولة”.
وجاء في المادة الثانية من دستور الأرجنتين أن :”الحكومة الفدرالية تدعم العقيدة الرومية الكاثوليكية”، كما جاء في دستور ميانمار في المواد 361و363 أن الدولة تعترف بمكانة خاصة للديانة البوذية التي تؤمن بها غالية مواطني الدولة، وتنص المادة التاسعة من دستور سيريلانكا على أن “جمهورية سيريلانكا تعطي الديانة البوذية المكانة الأولى، وأن من واجب الدولة حماية ودعم هذه الديانة”. وتوجد دول أخرى نصت على الكاثوليكية كديانة رسمية، مثل:مالطا والسلفادور والمكسيك