يعتبر الشيخ أبو اليقظان الجزائري علم من أعلام الفكر الإسلامي في الجزائر، فهو صحفي وشاعر ومؤرخ ودارس اجتماعي وعالم بالشريعة الإسلامية، ورائد من رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر. ترك إنتاجا ضخما يقارب الستين مؤلفا ما بين رسالة وكتاب، بالإضافة إلى الصحف العديدة التي أصدرها حتى لُقّب بـ “أبو الصحافة الإصلاحية”، وأطلق على تلك المرحلة الثرية بـ”الصحافة اليقظانية” لما لها من طابع خاص إعلاميا وفكريا ونضاليا.
الشيخ إبراهيم أبو اليقظان شخصية إسلامية كبيرة، قدمت للإسلام والمسلمين، عصارة فكر، وخلاصة تجربة، عالج من خلال ذلك أوضاع المسلمين، وحلّل واقعهم، وقدّم لهم الحلول المناسبة، نظم الشعر، وكتب و نشر المقالات في مجالات الإصلاح وألّف الكتب، واشتغل في التعليم.
تقول الكاتبة سومية بوسعيد في دراسة لهاعن الشيخ إبراهيم أبو اليقظان أنه كان في الحقيقة داعية كبيرا سعى لإصلاح المجتمع لإنقاذ المسلمين مما هم فيه من زيغ وضلال في الدين وفساد في الأخلاق . فصحافة أبي اليقظان التي تغطي فترة ما بين الحربين العالميتين ( 1926- 1938 ) تعد من أهم المصادر التي لا يمكن للباحث الجاد أن يستغنى عنها، ففي طيياتها شهادة حية لفترة هي من أغنى فترات تاريخنا صمودا ومقاومة وحصيلتها مادة غنية متنوعة عن الحياة الجزائرية في جميع مجالاتها الإنسانية دينا، واجتماعيا، وثقافة، وسياسة، واقتصادا .
من هو الشيخ إبراهيم أبو اليقظان؟
هو الشيخ إبراهيم بن عيسى حمدي أبو اليقظان (ولد 5 نوفمبر 1888 – وتوفي في 30 مارس 1973). نشأ في أحضان عائلة فقيرة الحال، عاش ربيبا بعد تزوج أمه برجل فقير بعد وفاة والده سنة 1307هـ، كان يتيم الأب ولكنه نشأ مثل أبيه شديدا في الحق وثابتا في السؤدد والمعالي.
ولد الشيخ إبراهيم أبو اليقظان ببلدية القرارة، ولاية غرداية (وادي ميزاب) بالجزائر يوم 29 صفر 1306هـ الموافق 5 نوفمبر 1888م. حيث حفظ القرآن في سن مبكرة على يد الكتّاب، وتعلم العربية والكتابة والقراءة والعلوم الشرعية على يد الحاج علي بن حمو والحاج إبراهيم بن صالح أبو سحابة وملالي صالح بن كاسي.
ثم تحققت أمنيته بدخول دار التلاميذ على يد الشيخ الجليل عمر بن يحيى والذي يلقبه بـنور قلبي وبصيرتي، ثم انقطع عن الدراسة بسبب العمل وظروف الفقر، ورجع إلى الدراسة على يد الشيخ قطب الأئمة الحاج محمد بن يوسف أطفيش، بعد سفره إلى بني يسجن لإكمال الدراسة، ثم سافر إلى المشرق أولا ثم تونس ليدرس في كل من جامع الزيتونة والخلدونية في سنة 1912.
لماذا “أبو اليقظان”؟
سمى نفسه بـ “أبو اليقظان” بسبب ولعه بإمام الدولة الرستمية الخامس أبو اليقظان محمد بن الأفلح، وإعجابا بعلو همة الإمام كرجل علم ودين ودولة.
لذلك فما كان من أبو اليقظان الجزائري إلا أن يخصص جل حياته في طلب العلم والجزء الآخر في إفادة الناس بعلمه، فقد ترك للجزائر وللأمة الإسلامية تراثا عظيما غنيا ،وفكرا عميقا وثريا، حتى لُقّب بـ “أبو الصحافة الإصلاحية” فهو من المساهمين في الحركة الإصلاحية الوطنية والعربية، ممن قل ذكرهم على غرار المصلحين الذي برزوا وركزت عليهم الأبحاث والدراسات، خاصة وأن في أعماله العلم الغزير والتجربة الواسعة، والمواقف الإسلامية الشجاعة، والإخلاص في النية والعمل، والأمل العريض في استعادة الإسلام مجده والمسلمين كرامتهم وعزتهم.
نشاطه الفكري والنضالي
انضم الشيخ إبراهيم أبو اليقظان إلى الحزب الحر الدستوري التونسي في عام 1920م، وبعد ست سنين أصدر جريدة وادي ميزاب في عام 1926م، وقد أصدر ثماني جرائد ما بين الأعوام 1926 و 1938 وهي: وادي ميزاب، ميزاب، المغرب، النور، البستان، النبراس، الأمة، الفرقان.
دخل الكتاب القرآني وحفظ القرآن ثمّ أخذ في تعلم الفنون من عربية وشرعية على يد أستاذه الشيخ الحاج عمر بن يحيى، ثم سافر إلى مدينة “بني يسجن” ليكمل دراسته على قطب الأئمة الشيخ طفيش الحاج محمد بن يوسف.
في سنة 1912م سافر إلى تونس وواصل دراسته في جامع الزيتونة ثم الخلدونية.
في سنة 1914م ترأس أول بعثة علمية جزائرية إلى الخارج وكانت وجهة البعثة إلى تونس.
في سنة 1920م كان عضوا بارزا في الحزب الحر الدستوري التونسي وتربطه بزعيمه عبد العزيز الثعالبي صداقة شخصية.
انضم الشيخ أبو اليقظان إلى جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في عام 1931، وانتخب عضوا في المجلس الإداري للجمعية في عام، وهو عضو فعال في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، لذلك يقول لها:
قالوا عن أبو اليقظان
قال الشيخ العالم عبد الحميد بن باديس رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وأحد مؤسسيها، في تعريفه بأعضاء المجلس الإداري لجمعية العلماء لسنة 1938م: “..والشيخ أبو اليقظان المعتذر عن الحضور لقيامه بأعمال ضرورية في نواحي الجنوب، ذلك الكاتب القدير والصحافي البارع الذي ما أصدر صحيفة إلا ختمت أيامها بالتعطيل”.
وقال عنه الشيخ محمد خير الدين (عضو جمعية العلماء المسلمين): “وكان لبعض أعضاء جمعية العلماء نشاطهم الصحفي، فأصدروا صحفا طال زمن صدورها أو قصر، من ذلك: جرائد لأبي اليقظان، كلما عطلت له جريدة عوضها بأخرى وهي: “ميزاب – وادي ميزاب – النور – النبراس – الأمة – المغرب – البستان”.
وكتب عنه الأستاذ المفكر والمؤرخ الجزائري أحمد توفيق المدني في مذكراته فقال: “والشيخ إبراهيم أبو اليقظان عالم جليل، لم يبلغ علم إبراهيم أطفيش، إنما امتاز عنه بدماثة أخلاقه، وصفاء روحه، وتوقد ذهنه، وازدهار قريحته، وتعمقه في الكتابة، ومشاركته في الشعر. ما آذى إنسانا طول حياته، ولا آذاه إنسان، لا يتكلم إلا عن عقيدة، ولا يكتب إلا عن الإيمان، ولا يجادل إلا في سبيل الإسلام وبلاد الإسلام. وقد أظهرت الأيام من بعد أنه مقارع مجاهد، ومقاوم معاند، صرع الإستعمار ولم يصرعه الإستعمار، ضرب بسهم في الجهاد الصحفي والفكري ما لم يبلغ في الجزائر أحد شأوه“.
مؤلفاته
تفرّغ الشيخ إبراهيم أبو اليقظان للتأليف بعد انقطاعه عن الصحافة، وترك للمكتبة العربية والإسلامية أكثر من 60 مؤلفا بين كتاب ورسالة، عدا المقالات والأشعار والمذكرات والرسائل، وتناولت مؤلفاته وكتاباته ميادين مختلفة منها التاريخ والسير والفقه والصحافة والتربية والأدب وغيرها.. ومن هذه المؤلفات مايلي:
- ديوان أبي اليقظان ج1 سنة 1931م
- وحي الوجدان في ديوان أبي اليقظان (مخطوط)
- سليمان الباروني باشا في أطوار حياته
- إرشاد الحائرين 1923م
- الجزائر بين عهدين الاستغلال والاستقلال (مخطوط)
- تفسير القرآن الكريم ج1 (مخطوط)
- ملحق سير الشماخي (مخطوط)
- سلم الاستقامة (سلسلة فقهية مدرسية)
- فتح نوافذ القرآن 1973م
- نماذج من شعره
مؤسس المطبعة العربية وعميد الصحافة
أسّس الشيخ إبراهيم أبو اليقظان المطبعة العربية في الجزائر في عام 1931، وهو أول وطني جزائري يؤسّس مطبعة وطنية حديثة في الجزائر.
ويعتبر الشيخ أبو اليقظان عميد الصحافة العربية الجزائرية، في سنة 1926م أصدر أولى جرائده “وادي ميزاب” وكانت تحرر وتوزّع في الجزائر وتطبع في تونس، أصدر ثماني جرائد ما بين 1926 و 1938م وهي: “وادي ميزاب”، “ميزاب”، “المغرب”، “البستان”، “النبراس”، “الأمة”.
كما نشر الشيخ أبو اليقظان في أكثر من جريدة ومجلة (زيادة إلى جرائده) منها “الفاروق” و”الإقدام” في الجزائر و”المنير” و”الإرادة” في تونس و”المنهاج” في القاهرة.
وهذه الأبيات تعبر عن رأيه -شعرا- في الصحافة، فيقول:
توجهه الإصلاحي وبعده الإسلامي في النضال
تقول الكاتبة بن رحال يمينةفي دراسة لها بعنوان ” البعد العربي الإسلامي في نضال الشيخ إبراهيم أبو اليقظان -القضية الفلسطينية أنموذجا”، أنه رغم بعد المسافة بين فلسطين والجزائر، فإن هذه الأخيرة وعلمائها قد ناصروا وتفاعلوا مع فلسطين جوهرة الصراع في المنطقة، هذا الصراع الذي استنكره كل الجزائريين على مختلف مستوياتهم خاصة العمل التآمري الذي تعرض له الشعب الفلسطيني، وقد وظفوا كل المنابر من مقالات ومحاضرات ودروس مسجدية وكتابات صحفية وأشعار حماسية في سبيل الدفاع عن قضية اعتبرت من أعقد القضايا التي يواجهها العالم العربي والإسلامي إلى يومنا هذا. فالقضية الفلسطينية من القضايا الجوهرية التي لاقت اهتمام كل العالم الإسلامي خاصة في الجزائر، حيث لقيت متابعة كبيرة ومستمرة من طرف علمائه ومفكريه وذلك لما تكتسيه من مكانة وقدسية لدى الشعب الجزائري.
وقد كان للشيخ إبراهيم بن الحاج عيسى أبو اليقظان توجهه الإصلاحي الخاص في النضال الصحفي، فقد حرص على استثمار وتوظيف الصحافة كوسيلة لبلورة الوعي وتشكيل الرأي العام نحو قضايا اشتغاله بما يخدم توجهه الإصلاحي مع التركيز تحديدا على محاربته الجمود الفكري وحثه على التجديد الديني وفتح مجالي البحث والاجتهاد والأخذ بأسباب العلم والتربية وإصلاح مناهج وأساليب التعليم، وهي عوامل اقتنع الرجل بضرورتها لتحقيق نهضة المجتمعات العربية والإسلامية.
أثر شخصية الشيخ أبو اليقظان على الفكر التربوي
وفي دراسة بعنوان “شخصية الشيخ أبو اليقظان إبراهيم الجزائري وأثرها على الفكر التربوي” أبرز الكاتب حمو عبد الله عيسىالدور التربوي، والإصلاحي، والدعوي الذي قام به الشيخ حمدي إبراهيم بن عيسى المكنّ “أبو اليقظان” إبان فترة الاحتلال الفرنسي للجزائر. و تطرّقت في هذه الورقة البحثية إلى الحديث عن سيرة الشيخ أبو اليقظان، ثم رصدت مجموعة من أقوال من عاصره من العلماء، وإشادتهم بمهامه النبيلة، وجهاده الجبار في سبيل نشر العلم والدين والدفاع عن اللغة العربية، وحب الخير والنجاء لأبناء الجزائر، وكراهيته المعلنة والواضحة للاستعمار الفرنسي. وخصصّ الكاتب جزءا من هذا البحث للفكر الإصلاحي والتربوي لدى الشيخ أبو اليقظان، وذلك من خلال إصراره على التعليم، والصحافة، والدعوة المسجديّة، والجمعيات الثقافيّة، وإنتاج الكتب المدرسيّة، والفقهيّة، والدعوية. فقد كان يحث المعلّمين ومن هو في المجال التربوي والإصلاحي على التحلي بمكارم الأخلاق، ليكونوا خير قدوة للأجيال الناشئة، بالإضافة إلى حرصه على تعليم كلّ فئات المجتمع ومنهم الكبار.
“الصحافة اليقظانية”
ويصف د. سليمان صالح، أستاذ الإعلام بجامعة القاهرة تجربة الشيخ إبراهيم أبو اليقظان الجزائري بـ “الصحافة اليقظانية” ويقول إنها تجربة تتميز بالثراء، وتوضح كيف واجه صحفيون في التاريخ العربي قيود الطغاة، وعبروا عن آمال شعوبهم في العدل والحرية والاستقلال الشامل. فالصحافة اليقظانية تمثل حقبة مهمة في تاريخ الصحافة الجزائرية، وكيف شاركت في تشكيل وعي الشعب الجزائري بهويته، وأعدته للثورة ضد الاحتلال الفرنسي.
ويقول د. سليمان صالح أن هذا المصطلح يصف 8 صحف أصدرها الشيخ إبراهيم أبو اليقظان. وأنه تعرف على “الصحافة اليقظانية” عام 1995، أثناء عمله لتطوير نظرية “صحافة الكفاح الوطني”. ووصف السجال الكبير والتحدي الذي كان يرفعه أبواليقظان بشخصيته القوية في مواجهة الاستعمار، حيث كان صحفيا مهنيا، لم يتوقف عن تحد السلطات الفرنسية، ساعيا للتغلب على قيود الرقابة والحظر، فكلما أصدر صحيفة عطلتها السلطات الاستعمارية.. فيصدر أخرى، وهكذا..
الحرية المنضبطة بالرؤية الإسلامية في كتاباته
كان مفهوم الحرية -المنضبطة بالرؤية الإسلامية- من أهم الموضوعات التي حرص عليها الشيخ إبراهيم أبو اليقظان منذ صدور صحيفته الأولى “وادي ميزاب” التي أكدت أن “الحرية معنى ينشده كل حي، ويتطلبه كل موجود، به الحياة والسعادة والحضارة والعمل والاختراع والابتكار والعمل والارتقاء، ينفق كل فرد في نيله أعز ما لديه، ويبذل ما في قواه للبلوغ إليه“.
وقد طالب في هذا السياق بإزالة القيود على حرية التعبير والنشر والابتكار، وإيقاف التضييق على كل ما يصدر بالعربية، أو يستخدم لهجة تحررية إصلاحية، “فيخط القلم ما يوحيه الوجدان الطاهر والعقل السليم”. كسر الإرادة كان هدفا استعماريا، فالإرادة تشجع على المقاومة والتحدي والثورة، وكان إصرار الشيخ على متابعة إصدار الصحف ملهما للأمة في تلك السنوات التي بدأت فيها الاحتشاد خلف هويتها. وهو كذلك يطالب بحرية تكوين الجمعيات بمختلف أنواعها العلمية والأدبية والفنية، “فالعمل الجمعوي الحر عنصر فعال في حركة النهوض، وتخطي الصعاب”.
ومن مثال دعوة الشيخ إبراهيم أبو اليقظان إلى اليقظة والنهوض سنة 1934 هذه الأبيات: