قال تعالى : {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45] تتجلى حكمة الله تعالى في استخلاف الإنسان في الأرض بمنهجية ربانية تقوم على ركائز راسخة، يأتي في مقدمتها الصبر والصلاة كما أشار القرآن الكريم في آياته البينات.
فقد خاطب الله تعالى الأمم السابقة والأمة الخاتمة على حد سواء، موصياً إياهم بالاستعانة بهاتين الوسيلتين الجليلتين لتحقيق واجب الاستخلاف في الأرض.
وقد أراد الله تعالى للامة الخاتمة أن تستفيد من التجربة الإسرائيلية في عهد موسى، فخاطبها بذات الأمر الإلهي: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ} [البقرة: 153]، لتأكيد هذه الأهمية لهاتين الوسيلتين.
الصبر والصلاة: وسيلتان للنجاح
والصلاة غاية للتقاة، إن الصلاة ليست مجرد شعيرة تعبدية، بل هي وسيلة للنجاح في الحياة بأبعادها المختلفة، وغاية يسعى إليها المتقون والمهتدون. فالأمر الإلهي بالاستعانة بالصبر والصلاة يشير إلى حقيقة المشقات المتوقعة في طريق الاستخلاف، سواء كانت هذه المشقات نفسية داخلية أم خارجية محيطة.
وتكمن عظمة الصبر في كونه حبساً للنفس على ما لا يلائمها، فهو جهاد مستمر لضبط النفس وكبح جماحها. أما الصلاة فهي تلذذ بمناجاة الله سبحانه وتعالى، ولجوء إلى الركن الشديد حين لا ينفع الرجوع إلى البشر. فبالصبر والصلاة يستمد المستخلف في الأرض القوة والعزيمة لمواجهة التحديات والصعاب.
ثقل الاستعانة إلا على الخاشعين
بيد أن الاستعانة بالصلاة تمثل وسيلة ثقيلة على النفوس إلا على الخاشعين، أصحاب الهمم العالية والأهداف العظيمة، كما أشار إليه في قوله تعالى: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ} [البقرة: 45].
والخشوع بمفهومه الشامل يتجلى في بعدين متكاملين:
- خشوع جسدي: يظهر في التطامن وطأطأة الرأس ورمي البصر إلى الأرض، وهو السكون والهدوء الظاهر.
- خشوع قلبي: يتمثل في التواضع والتذلل والاستكانة لله عز وجل، وهو روح الخشوع وجوهره.
صفات الخاشعين المستخلفين
إن ذكر الخاشعين بصيغة الاسم (جمع المذكر السالم) (الخاشعين) يدل على تمرسهم في الخشوع وتدريبهم أنفسهم عليه حتى أصبح سمة راسخة في شخصياتهم.
وقد وصفهم القرآن الكريم بصفتين جليلتين:
- الأولى: { الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْؤ [البقرة: 46]، حيث عبر عن اليقين بالظن لأنهم لم يعاينوا بعد.وهذه الملاقاة قد تتحقق في الدنيا من خلال الصلاة وسائر العبادات، فيشعر المؤمن بقرب الله تعالى منه.
- الثانية: {وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 46]، فهم موقنون بالعودة إلى الله تعالى يوم القيامة، حيث الجزاء والحساب، فتخشع قلوبهم وتلين جوارحهم.
وهكذا يتبين أن تحقيق الاستخلاف في الأرض مرهون بالاستعانة بالصبر والصلاة، فهما سر النجاح والتمكين.