مع ظهور فيروس كورونا وانتشاره في أكثر من 80 بلدا اتخذت عدة دول تدابير خاصة تتعلق بممارسة الشعائر الدينية الإسلامية منها وغير الإسلامية. وبالأخص عندما أعلنت منظمة الصحة العالمية حالة الطوارئ واعتبار الفيروس وباء عالميا. وعلى الرغم من أن الخطر واحد على المستوى الدولي إلا أن التعامل معه اتخذ أشكالا مختلفة حسب طبيعة نظام كل دولة وطاقتها الصحية ومعتقداتها الدينية ودرجة انتشار الفيروس فيها. وبرزت بعض الخلافات في وجهات النظر وتقدير الموقف حيال التعامل الصحيح مع تفشي وباء “كورونا”، وظهرت هذه الخلافات بين بعض مشايخ الدين وكبار المسؤولين في الوزرات المعنية، خاصة في مسألة المشاركة في الصلاة الجماعية في زمن كورونا، ولم تقتصر هذه الخلافات على العالم الإسلامي فحسب، بل ظهرت أيضا في دول أخرى غير إسلامية، على غرار ما حدث في كوريا الجنوبية.

ولجأت دول عربية وإسلامية إلى إصدار قرارات عن مؤسسات رسمية، بإيقاف صلاة الجمعة والجماعة في المساجد في زمن كورونا،  محاولة منها للحد من انتشار المرض. فيما اكتفت دول أخرى بنصائح أئمة ومشايخ إلى ضرورة توخي الحذر في إقامة الصلوات الجماعية ودعوات لعدم التوجه للمساجد والاكتفاء بالصلاة في البيت.

ومع انتشار “الفيروس” كانت نصائح الأطباء والمختصون بالابتعاد عن التجمعات البشرية، وهو ما أثار حيرة بين المسلمين، حيث إن خمس صلوات في اليوم تقام في المساجد ويحضرها عدد كبير من المصلين، في حين أن صلاة الجمعة تكتظ بسببها المساجد. لكن على العموم، فإن معظم رجال الدين المسلمين أكدوا عبر بيانات خاصة ولقاءات في وسائل الإعلام أنه لا ضير في عدم الحضور إلى المسجد وتعليق إقامة صلاة الجماعة، بما فيها صلاة الجمعة، حال استشعار خطر يهدد المصلين.

نصائح وآراء وفتاوى

فقد أفتى الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بإيقاف إقامة صلاة الجمعة وصلوات الجماعة، في أي بلد يتفشى فيه وباء “كورونا”، وأصبح يشكل مصدر خوف حقيقي، بناءً على التقارير الطبية الموثوقة المعتمدة من الدولة، إلى حين السيطرة على الوباء. كما أفتى بجواز منع أداء مناسك العمرة والحج مؤقتا. وجاء في بيان الإتحاد “أن إقفال الجوامع لا يجوز إلا إذا انتشر الوباء، وصدر أمر من أولي الأمر بذلك، والمعيار في ذلك هو صدور أوامر حكومية أو صحية بغلق المدارس والجامعات، وعندئذ يجوز غلق المساجد في المدن والمناطق التي يخاف من انتشار الوباء فيها”.

وقررت السلطات السعودية الأربعاء تعليق العمرة “مؤقتا للمواطنين والمقيمين” في المملكة خشية وصول “فيروس كورونا” إلى المسجد الحرام في مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة، بعد نحو أسبوع من تعليقها للمعتمرين الوافدين.

وفي الكويت قررت وزارة الأوقاف إيقاف صلاة الجماعة في زمن كورونا بالمساجد، ومن بينها صلاة الجمعة، والاكتفاء بالأذان فقط، في إطار جهود الوقاية من فيروس كورونا.

الصلاة في زمن كورونا بين الإيمان والعدوى

وفي قطر، أعلنت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية إغلاق المساجد وإيقاف صلوات الجماعة بفروضها الخمسة وصلاة الجمعة،  كإجراء احترازي ضد كورونا. وذكرت الوزارة في بيان أن “هذا القرار سيستمر إلى حين توفر شرط الأمان والطمأنينة للمصلين، وذلك في إطار تعزيز الإجراءات الوقائية والتدابير الاحترازية التي تتخذها الدولة للحد من انتشار فيروس كورونا“. وقالت الوزارة أن “ذلك يأتي عملا بمقاصد الشريعة العليا وعلى رأسها حفظ النفس، وحماية للمصلين والمجتمع من أذى الوباء ومساهمة في تمكين وزارة الصحة العامة وهي الجهة المختصة بمحاربة انتشار الفيروس ميدانيا”. وأضافت “سيتم استمرار رفع الآذان للصلاة في جميع مساجد الدولة”. وكان عدد من العلماء في قطر قد أفتوا بإسقاط صلاة الجمعة والجماعات عن المصابين بمرض كورونا، وأوضحوا أن إغلاق الجوامع جائز إذا انتشر الوباء. كما سبق لوزارة الأوقاف أن أقرت حزمة من الإجراءات والتدابير الوقائية بالتشديد على نظافة المساجد وملحقاتها، وقررت تقليل مدة الانتظار بين الأذان والإقامة إلى خمس دقائق في جميع الصلوات، وغلق المسجد بعد كل صلاة بـ15 دقيقة.

كما قرر الأردن “إيقاف الصلاة بجميع مساجد المملكة وكنائسها، كإجراء احترازي ووقائي، مع التزام رفع الأذان في وقته، وبث خطبة الجمعة موحدةً على محطات التلفزة”. وألغت العتبة الحسينية المقدسة بالعراق إقامة صلاة الجمعة لهذا الأسبوع في مدينة كربلاء.كما أعلنت دار الإفتاء في محافظة السليمانية واللجنة العليا للإفتاء في إقليم كردستان العراق عن وقف أداء صلاة الجماعة وصلاة الجمعة حتى إشعار أخر.

وفي مصر قالت دار الإفتاء المصرية إن الإسلام أجاز الصلاة في البيوت في حالة الكوارث الطبيعية كالسيول والعواصف، وكذلك في حالة انتشار الأوبئة والأمراض المعدية. وأوضحت أن الإسلام أرسى مبادئ الحجر الصحي، وقرر وجوب الأخذ بالإجراءات الوقائية في حالة تفشي الأوبئة وانتشار الأمراض العامة.

وقررت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية الفلسطينية تعليق إقامة الصلوات في المساجد والكنائس وحصرها في البيوت حتى إشعار آخر. وأوضحت أن القرار استند إلى توصيات وزارة الصحة الفلسطينية والأطباء المختصين بمنع التجمعات التي قد تساعد على نقل العدوى، فيما أشار وكيل وزارة الأوقاف إلى أن “أمر الصلاة في المسجد الأقصى بالقدس، متروك لمديرية أوقاف القدس”. وأن “الحرم الابراهيمي بالخليل سيبقى مفتوحا ضمن ترتيبات وأنظمة معينة تضعها مديرية الحرم”.

وألغت اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا في إيران صلاة الجمعة في جميع المدن الإيرانية. وفرضت وزارة الصحة  قيودا على الدخول إلى العتبات الشيعية. فقد ظهرت على مواقع التواصل فيديوهات لزوّار يلعقون الأضرحة المقدسة في مدينتي قم ومشهد، في تحدٍّ صريح لقرار السلطات، ما أدّى إلى اعتقال بعضهم.

وطلبت حكومة طاجيكستان -التي تقطنها أغلبية مسلمة- من المواطنين تجنب الذهاب إلى المساجد لصلاة الجمعة كإجراء احترازي رغم أن هذا البلد لم يسجل أي حالات حتى الآن.

كنيسة كورية تنشر الفيروس

وفي الوقت الذي لا تزال فيه بعض المؤسسات الدينية في عالمنا الإسلامي تتساءل عن الخطوات التي يمكن اتخاذها لتجنب انتشار “الفيروس” خلال الصلوات الجماعية في زمن كورونا  خاصة صلاة الجمعة، يبرز المثال من بلد غير إسلامي هو كوريا الجنوبية التي أصبحت ثاني دولة من حيث عدد الإصابات بـ “فيروس كورونا” بسبب إصرار زعيم طائفة دينية على حضور القداس في الكنيسة وعدم الالتزام بتحذيرات الجهات المختصة، ما أدى لاصابة المصلين ونشرهم الوباء في البلاد، الأمر الذي جعل الكنيسة تقدم الاعتذار للشعب الكوري، حيث جثا “لي مان هي” رئيس كنيسة “شينتشونجي”، على ركبتيه طالبا الصفح من الشعب خلال مؤتمر صحفي متلفز. ولم ينتهي الأمر عند هذا الحد، حيث فقد طالبت حكومة مدينة سول بتوجيه تهمة القتل لهذا الشخص.

وسجلت كوريا الجنوبية نحو 3730 حالة إصابة، و21 حالة وفاة حتى الآن. وتشمل أكثر من نصف مجموع الإصابات أعضاء من كنيسة “شينتشونجي” ، وهي طائفة مسيحية صغيرة.

يوم وطني للصلاة

وفي الوقت الذي تتزايد فيه الدعوات للتخلف عن الصلوات الجماعية في الدول الإسلامية، لتجنب الإصابة بـ “فيروس كورونا” ، ذهب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى دعوة الشعب الأمريكي إلى صلاة مختلفة أسماها “صلاة وطنية”، ونشر ترامب في هذا الصدد عدة تغريدات على حسابه الرسمي “تويتر” أعلن فيها أن يوم الأحد 15 مارس سيكون “يوما وطنيا للصلاة”، لحماية أمريكا ومنحها القوة في مواجهة تفشي “فيروس كورونا” .

وكتب ترامب “إنه لشرف عظيم لي أن أعلن يوم الأحد 15 مارس يوما وطنيا للصلاة. نحن بلد، طوال تاريخنا، نتطلع إلى الرب للحماية والقوة في مثل هذه الأوقات”. وأضاف “بغض النظر عن المكان الذي قد تكون فيه، أشجعك على الاتجاه للصلاة في فعل إيماني.. معا، سوف ننتصر بسهولة”.

وأمام هذه المواقف والقرارات ووجهات النظر الدينية في التعامل مع الوباء، يرى البعض أن كثيرا من الناس يتمسكون بمعتقدات شعبية خاطئة، أكثر من تمسكهم بالعقيدة الدينية الأصلية، حيث لم يتقبل بعض المصلين تخلفهم عن صلاة الجمعة في المساجد، فيما ارتفع صراخ مصلين احتجاجاً في إحدى الكنائس اللبنانية، حين أصر الكاهن على عدم أداء طقس مناولة القربان كالمعتاد، كما رفض مرتادو كنيسة كورية الالتزام بتحذيرات رسمية بعدم التجمع لأي سبب من الأسباب. حيث يرى معظم هؤلاء أن الصلاة والطقوس العبادية ستحميهم، من دون شك، من التقاط العدوى، فالإيمان بقدرة الله على الحماية والشفاء أقوى من أي تحذير.

ويلتزم المؤمنون بالتعاليم أو الفتاوى الصادرة عن المرجعيات الدينية، لكنّ انتشار الفيروس ترافق مع أشكال حادّة ومختلفة من التعبير عن التشبّث بالإيمان والمفاخرة بالعبادة الجماعيّة. فهل المؤمنون عرضة للعدوى مثل غيرهم أم لا؟ وما دور الخرافة وما حدود الإيمان والتقوى؟ وهل الاعتقاد الديني الراسخ قادر دوما على أن يغلب الخوف أو الخشية من المرض؟ سؤال تزيد مشروعيته أمام توق الناس الطبيعي إلى الصلاة في أزمنة الشدة، والراحة النفسية التي تمنحها العلاقة بالخالق في مواجهة الخوف والهلع، في مقابل مخاطر التجمعات الدينية التي قد تسهل انتشار الوباء.