نظام الطلاق في الإسلام: مع أن الله عز وجل جعل الزواج ميثاقًا غليظًا، أي عظيمًا مؤكدًا دائمًا بين الزوجين لإنشاء الأسرة المسلمة وإنجاب أفرادها، تلك الأسرة التي تكون نواة المجتمع المسلم أو قل لبنته التي يتكون من مجموعها المتراص بنيانه، ظلَّ هذا العقد مقدسًا قويًّا بقوة وترابط المجتمع المسلم عبر القرون والعقود الماضية، لا تنحل عقدة من عقده إلا في حالة الضرورة القصوى، وبحركة انسيابية قلما يحس بها المجتمع، إلا أنه قد حدث في السنوات المعدودة الأخيرة أن تحولت تلك الضرورة إلى ظواهر عامة مألوفة، وتبدلت حالة فراق المتزوجين حديثًا من شاذة لا يُقاس عليها إلى مطردة؛ فقد انتشرت ظاهرة الطلاق في العالم العربي بصورة مفزعة ومقلقة، إذ قاربت الـ 50% في بعض البلاد.

وما انتشرت ظاهرة الطلاق بهذه الصورة المخيفة وما تبعها من أزمات إلا لخلل حدث في تركيبة المجتمعات العربية كلها تقريبًا؛ نتيجة بعدها عن عاداتها وتقاليدها وقيمها ومبادئها وتصوراتها ونظرة أفرادها للحياة، هذا بالإضافة إلى بعدها عن المنهج السامي الذي رسمه لنا الإسلام في نظام الطلاق عند الاضطرار إليه، هذا المنهج الذي لو التزم به الناس لبقي الطلاق حالة استثنائية اضطرارية كما أرادها عز وجل.

وأول أسس هذا المنهج أنه اتبع فيه أسلوب الوقاية خير من العلاج، وذلك بأن يمنع الأسباب التي تؤدي لوقوعه، ومن تلك الأساليب الوقائية أنه أقام الزواج على تراضٍ تام بين الطرفين (الرجل والمرأة) فلا يقدم أحدهما على الزواج بالآخر إلا برضا واقتناع، وقضى على كل العادات التي كانت تزوج الفتاة أو الفتى دون رغبة منهما.

ثم عرف الزوجين كلا منهما بواجبه تجاه الآخر، وأوصاهما بالتراضي والمحبة والتعاون فيما بينهما، ونبه على مبدأ الكفاءة عند الزواج، بحيث يكون الشاب والشابة متقاربين فكريًّا وعقليًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا؛ ليكون ذلك دافعًا لبقاء رابطة الزواج بينهما موثقة.

ثم أوصى النبي الزوج المؤمن ألا يكره زوجته إن بدا منها تقصير ناحيته، فقال: “لا يفرك (يكره أو يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقًا رضي لها آخر”، وكذلك النهي للمؤمنة، ولكن الخطاب جاء بصيغة المذكر للتغليب، فالغالب أن الغضب يأتي من الرجال تجاه النساء.

وإن حصلت المنغصات في بعض الأسر، وطرأ لها ما يعكر صفو حياتها فقد جعل الله عز وجل علاج ذلك ليس بالفرقة وإنما بالصبر والأناة والحلم، واحتمال ما يقع من مكروه في الحياة الزوجية (عبد الكريم يونس الخطيب: التفسير القرآني للقرآن 1/ 265).

وأوصى الله عز وجل الرجال بحسن العشرة، فقال: “وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء: 19)، فالمرأة التي يحسب الإنسان أنه يكرهها قد يجعل الله فيها الخير الكثير له ولأولاده، ولعل الذين طلقوا أزواجهم بذلك الدافع ثم اقترنوا بغيرهن، ورأوا الفرق الكبير بين حال الأولى وما كانت عليه من خير وصلاح وحال الثانية وما هي عليه من طلاح يعرفون ذلك. وكم من رجل طلق زوجته فلما تزوج بغيرها ندم على فراقها ولا ينفع الندم!.

كما نهى المرأة المسلمة أن تسعى في طلاق أختها لتستأثر به دونها، فقال رسول الله : “لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها” (سنن أبي داود: 3/ 503).

ونهى أن يقوم أحد من المسلمين بالإيقاع أو الإفساد بين رجل وامرأته، فقال “ليس منا” أي من أتباعنا “من خبب” أي خدع وأفسد “امرأة على زوجها” بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته، أو محاسن أجنبي عندها.

ومن وسائل الحد من الطلاق أيضًا أن الإسلام لا يجيز وقوعه إلا إذا كان المطلق في حالة طبيعية وكامل قواه العقلية، ولا توجد مؤثرات خارجية تضغط عليه، فلا طلاق إلا بنية وعزم، فأما النية فلقول النبي : “إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى”، وأما العزم فلقول الله تعالى: “وإن عزموا الطلاق”، ولا يقع طلاق المخطئ أو الناسي ولا الموسوس لقوله تعالى: “رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا”، قال عثمان رضي الله عنه: “ليس لمجنون ولا لسكران طلاق”، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: “طلاق السكران والمستكره ليس بجائز”، وقال عقبة بن عامر: “لا يجوز طلاق الموسوس” (السيوطي: التوشيح شرح الجامع الصحيح 7/ 3318).

وقال ابن قيم الجوزية: “وقد أفتى الصحابة بعدم وقوع طلاق المكره وإقراره” (إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ص: 49).

ولا يقع طلاق الغضبان الذي غلب على عقله وتصرفاته الغضب، ودليل ذلك قول النبي : “لا طلاق ولا عتاق في إغْلاَقٍ”، قال أبو داود: “الإغلاق أظنه في الغضب”.

ومن وسائل الحد من الطلاق والحفاظ على الأسرة في الإسلام أيضًا أن جعله مكروهًا، وجعل إباحته لضرورة، يقول ابن عطية في تفسيره: “الطلاق على الجملة مكروه، لأنه تبديد شمل في الإسلام”.

عن ثوبان: أن رسول الله قال: “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير بأس به.. حرم الله عليها رائحة الجنة” (سنن أبي داود 3/ 543).

وقال ابن عابدين: “وأما الطلاق فالأصل فيه الحظر أي الحرمة، والإباحة للحاجة إلى الخلاص، فإذا كان بلا سبب أصلا لم يكن فيه حاجة إلى الخلاص، بل يكون حمقًا وسفاهة رأي، ومجرد كفران للنعمة وإيقاع الأذى بالزوجة وبأهلها وأولادها” (الدر المختار: 3/ 228).

وإذا صارت بين الزوجين مشكلات وتجاوزت نطاق التفاهم والتسامح بينهما، وعجز كل منهما عن إصلاح حاله مع الطرف الآخر، فليستعينوا بالعقلاء الأقربين منهما، وذلك باجتماع رجلين: واحد من أهل الزوج، والثاني من أهل الزوجة، ويتعرفان منهما على سبب الشقاق، لعل الله عز وجل يوفقهما في إزالة أسباب الشقاق، كما قال سبحانه وتعالى: “فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا” (النساء: 35).

فإذا لم يحصل الوفاق بعد اجتماع الحكمين، واضطر الزوجان أو أحدهما للطلاق وحل عقدة الزواج، فليتبعوا نظام الطلاق الذي حدده الإسلام في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } (الطلاق: 1).

فلابد أن يتم الطلاق ـ ولكي يكون صحيحًا ـ في أيام طهر للمرأة؛ لأن الرجل في فترة الحيض أو النفاس قد يضجر من زوجته لعدم تمكنه من إشباع غريزته بها؛ فتكون قراراته تحت هذا الضجر وبالتالي لا يقع، أو أن المرأة تكون في حالة عصبية كنتيجة لآثار الحيض عليها وتكون بعض تصرفاتها غير سوية تغضب الزوج. يقول ابن عطية في قوله تعالى “لعدتهن”: قال ابن عمر: «لقبل طهرهن» ومعنى هذه الآية، ألا يطلق أحد امرأته إلا في طهر لم يمسها فيه (تفسير ابن عطية 5/ 323).

والأصل في ذلك حديث عبد الله بن عمر الذي قال فيه: “طلقت امرأتي وهي حائض، فبلغ ذلك رسول الله فقال لعمر: «مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء، فتلك العدة التي أمر الله تعالى أن يطلق لها النساء»” (ابن قيم الجوزية: إغاثة اللهفان في حكم طلاق الغضبان ص: 50).

وبعدها أوجب الإسلام على المطلقة أن تقضي فترة العدة (ثلاثة قروء لغير الحامل) في مسكن الزوجية مع زوجها، لا تفارقه، وتنفصل تمامًا عن المجتمع حولها، فلا تخرج إلا للضرورة القصوى إن كان ثمة ضرورة، وذلك لتتاح لها فرصة المعايشة الكاملة مع زوجها، فهو الوحيد الذي يؤنس وحدتها، تعيش معه في نفس المسكن، تأكل وتشرب معه إن أمكن، وتتحرك أمامه في مسكنه بكل أريحية بأي لبس وفي أي وضع شاءت، ولها أن تتزين له بكل أنواع الزينة، وتتعرض له بما يغريه أن يقترب منها، فقد ذهب الحنفية والحنابلة إلى أن المطلَقة طلاقًا رجعيًّا لها أن تتزيَّنَ لزوجها بما تفعله النساء لأزواجهنَّ من أوجه الزينة وغيره، لأن المطلَقة رجعيًّا زوجة حكمية.

وقال ابن قدامة: “لها أن تتزين لزوجها وتستشرف له ليرغب فيها وتنفق عنده كما تفعل في صلب النكاح” (المغني لابن قدامة: 9\147).

كما أن بقاء الزوجين فترة طويلة في حوزة واحدة بعد الطلاق الذي يسبقه شجار وخصام أدعى لأن تهدأ نفسهما بعد الخصام ويرجع المخطئ لصوابه، خاصة وأن نزغات الشيطان بينهما قد توقفت، فلم يعد هناك ما يغري به أحدهما ضد الآخر، يعيشان معًا كأنهما ضيفان فإذا اقتربت لحظة الفراق حن كل منهما للآخر، وتلك المدة الطويلة أيضًا كفيلة بأن يتذكر كل منهما حسن صنيع الآخر له من بداية الخطبة حتى تلك اللحظة، كما أنها كفيلة بأن تجعل كل واحد منهما يفكر في مصيره بعد الفراق ومصير أولاده.

وخلال تلك المدة ينفق الزوج على مطعم الزوجة ومشربها وملبسها وكل ما تحتاج إليه من ماله الخاص، فإن اقترب منها وجامعها فقد عادت في عصمته بعد أن تُحسب عليهما الطلقة، فقد ذكر النسفي في تفسير قوله تعالى “وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا” فيه دليل على أن الطلاق الرجعي لا يحرم الوطء، حيث سماه زوجًا بعد الطلاق (مدارك التنزيل وحقائق التأويل: 1/ 190).

وقال أبو حنيفة وأصحابه: “إذا قبل أو باشر أو لمس بشهوة فهو رجعة، وكذا النظر إلى الفرج رجعة”، وقال الشافعي وأبو ثور: “إذا تكلم بالرجعة فهي رجعة”، وإن وجدت الزوجة زوجها نائمًا فنامت بجواره حتى حصل الجماع فقد عادت لعصمته، فقد ذكر أبو بكر الكاساني في كتابه “بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع” (3/ 182) أنها لو جامعت الزوج وهو نائم أو مجنون تثبت الرجعة؛ لأن ذلك حلال لها عندنا (أي الحنفية).

كل ذلك لأن الإسلام يريد أن يضيق باب الطلاق حفاظًا على ترابط الأسرة وتماسك المجتمع، ولكن بعد المراجعة، عليهما أن يعلما ويشهدا من حولهما بذلك حفظًا للحقوق وصيانة للأعراض، فالإشهاد على الرجعة واجب في الشرع.

وخلال فترة العدة لا يجوز للمرأة ولا للزوج ولا لأهلها أن يخرجوها من شقة أو مسكن الزوجية باتفاق كل العلماء إلا في حالة أن تقع في فاحشة، كما قال تعالى: “لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ” والفاحشة هنا يقصد بها ـ والله أعلم ـ كما ذكر جل العلماء بذاءة اللسان عليه وعلى أهله بطريقة لا يمكن تحملها؛ لأنها في تلك الحالة تكون غير مؤهلة لترميم ما حدث بينهما من شقاق.

ومن منهج الإسلام في الحد من الطلاق والمحافظة على ترابط الأسرة أنه أباح للزوجين أن يعيدا عقد الزواج بينهما مرتين إن أرادا ذلك، وذلك كي يعطي فرصة لهما من أجل إعادة التئام الأسرة، وإرجاع الأولاد إلى حظيرتهما، لكن إن طلقها ثالثة تحرم عليه حتى تتزوج آخر برضاها، زواجًا حقيقيًّا ليس فيه نية للتحليل أو الفراق، فإن طلقها الآخر برضاه، حلت له مرة أخرى.

والطلقات الثلاث التي تحرم بها المرأة على زوجها لابد أن تكون متفرقات، قال أبو يوسف القاضي: “كان الحجاج بن أرطاة يقول: ليس طلاق الثلاث بشيء” (أي الثلاث في مرة واحدة) (سنن أبي داود: 3/ 504).

ومع حرص الإسلام على عدم وقوع الطلاق إلا في أضيق الحدود، فإنه لم يجعل الزوجة مجرد أسيرة لزوجها، وإنما هي المعاملة بالمعروف والإحسان، فإن حصل وكان الرجل شريرًا مؤذيًا لزوجته أو أنقصها حقها بحيث لا تستطيع الصبر على سوء معاملته، أو كان الرجل صالحًا ولكن قلبها تبدل ناحيته وصارت له بغيضة، فلها الحل عندئذ أن تطلب فراقه عن طريق ما يسمى بالخلع؛ لأن الحياة الزوجية لا يمكن أن تقام على مبدأ الإكراه، شريطة أن ترد إليه ما دفعه من مهر؛ لأنها هي التي تطلب فسخ العقد المبرم بينهما.

لأنه ـ وكما يقول ابن سينا في كتاب الشفاءـ “من الطبائع ما لا يألف بعض الطبائع، فكلما اجتهد في الجمع بينهما زاد الشر، والنبو (أي الخلاف) وتنغصت المعايش، ومنها: أن من الناس من يُمنى (أي يصاب) بزوج غير كفء، ولا حسن المذاهب في العشرة، أو بغيض تعافه الطبيعة، فيصير ذلك داعية إلى الرغبة في غيره، إذ الشهوة طبيعة، ربما أدى ذلك إلى وجوه من الفساد، وربما كان المتزاوجان لا يتعاونان على النسل، فإذا بدلا بزوجين آخرين تعاونا فيه، فيجب أن يكون إلى المفارقة سبيل، ولكنه يجب أن يكون مشددًا فيه” (أي يكون عند استحالة الحياة بينهما)، وفي مثل تلك الحالات يكون الطلاق المسموح به في ديننا الحنيف.

ولما كان المتضرر الأكبر من الطلاق غالبًا ما يكون الأطفال، فإن الله عز وجل جعل في تشريعه منهجًا للحفاظ عليهم في مثل تلك الظروف الحرجة بداية من الحمل (وفي الحفاظ عليهم حفاظ على المجتمع كله) فالمرأة الحامل تمتد عدتها حتى وضع الحمل، فلو طلقت في الشهر الأول تبقى مدة الحمل كاملة في بيت الزوج تأكل وتشرب وتسكن وتلبس من نفقته، ويوفر لها كل احتياجاتها من فرش وعلاج وقابلة (أي مولدة) حتى تضع حملها.

وبعد الولادة ودخول الطفل في مرحلة الرضاعة، رسم الإسلام له المنهج فقال الله عز وجل: “وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ” يعني: المُطَلَّقَاتُ اللَّاتِي لَهُنَّ أَوْلَادٌ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ السابقين يقمن بإرضاعهم مقابل الأجر وبالتراضي: “فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ” ولهن مع ذلك “الرزق والسكنى”، “وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ”، فذلك أدعى لأن يجعل الأم تهتم بطفلها، فكلما كانت راضية مرضية اهتمت بوليدها، ويكون الإنفاق والعطاء حسب يسر حالة الوالد فلم يقدره الإسلام بكثرة أو قلة، وإنما قال: “لينفق ذو سعة من سعة”.

وإن حصل خلاف ولم يتفقوا في أجرة الرضاعة والكسوة والسكن فلا إكراه؛ لأن الإكراه يضر بالطفل “وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى”، وهنا يتكلف الأب بتوفير الحضانة والمرضعة المناسبة لابنه.

ومن منهج الإسلام في الطلاق أنه راعى مصلحة الطفل بعد فطامه، فأوصى ببقائه في حضانة أمه على أن يتكلف أبوه بكل مصاريفه ما لم ترغب الأم في الارتباط بزوج آخر.

فإذا ما شب الطفل أو الطفلة وكبر، فالإسلام يخيره فيما فيه مصلحته بين الإقامة مع الأم أو الأب، مع الاسترشاد بدور الدولة المسئول الأول عنه.

وبذلك حافظ الإسلام على تماسك الأسرة، وحمى أطفال المطلقين من الضياع، وقلل الأخطار التي تنجم عن تشردهم، وهذا نظام قلما يوجد ما يساويه في الأنظمة الأخرى، سواء أنظمة الأمم التي تمنع الطلاق أو تبيحه.