رغم أن الأميركيين ما زالوا يتحدثون بإيجابية عن التجارة والهجرة الدولية، إلا أن هناك ردة فعل عنيفة تجاه العولمة الجارية في الدول الغربية.
إذا دققنا النظر في برامج الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب أو مرشح الحزب الديموقراطي بيرني ساندرز سنجد أنها حصلت على تأييد واسع بسبب معارضتها سياسات العولمة بدرجة غير مسبوقة على الإطلاق.
هناك معاهدات تجارية مهددة بالإلغاء مثل اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، أضف إلى ذلك خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أعطي دلالة واضحة على رفض سياسات العولمة.
هناك تفسير يقول أن المناهضين الجدد للعولمة قاموا باستكمال حربهم القديمة، واستندوا إلى عوامل عديدة كشفت عن تراجع كبير للعولمة كبير منذ أزمة عام 2008.
العامل الأول كان التجارة: حجم التجارة العالمية تزايد بوتيرة صحية لعدة عقود حتى عام 2008، ولكن الأزمة الاقتصادية عطلت هذا النمو.
الشكل التالي يوضح أعلى نقطة بلغتها التجارة العالمية كنسبة مئوية من الناتج الإجمالي:
تلاشى إزدهار الهجرة
العامل الثاني الهجرة: تواصل تزايد عدد المهاجرين على الصعيد العالمي مقابل تناقص نسب الهجرة للولايات المتحدة.
يتناول كثير من السياسيين موضوع الهجرة من المكسيك إلى الولايات المتحدة والتي انخفضت بدرجة كبيرة، حيث تشير الأرقام للفترة مابين 2008 حتى عام 2014 إلى انخفاض السكان المكسيكيين القاطنين بالولايات المتحدة لأكثر من مليون بسبب عودة أعداد كبيرة من المهاجرين غير الشرعيين .
العامل الثالث التمويل: أظهرت ” إيزابيلا كامينيسكا ” الصحفية في الفاينانشال تايمز سلسلة من الرسوم البيانية من بنك “يو بي إس” أوضحت استمرار التدفقات المالية عبر الحدود بمعدلات مرتفعة قبل الأزمة المالية، وانخفاض مطالبات البنوك الخارجية.
وبعبارة أخرى، يمكن القول إن عصر ازدهار العولمة قد انتهى.
السؤال الذي يتبادر للذهن لماذا حدث ذلك ؟
السر يكمن في الركود الاقتصادي وتباطؤ النمو خاصة في الاقتصادات المتقدمة، وانخفاض مستوى الحركة التجارية، الأمر الذي أدى إلى انخفاض التمويل الدولي وقلل حافز المهاجرين للانتقال.
ويجب عدم إغفال تراجع الاقتصاد الصيني والذي يعتبر المحرك الأبرز للاستثمار الدولي.
تقلص دور القطاع المالي قد يكون عامل آخر، معظم البنوك العالمية الكبيرة عانت من خسائر فادحة – تتركز في الولايات المتحدة وأوروبا – ومنذ ذلك الحين زادات المتطلبات للحصول على رأس المال، وتشددت إجراءات الرقابة وتم إضافة قواعد جديدة مثل قانون (دود-فرانك) فى الولايات المتحدة مما أدى الى إضعاف نماذج الأعمال للبنوك وانخفاض ربحيتها، وقلل فرص تلقي مصادر تمويلية من خارج الحدود.
وشكل النمو السكاني أيضا عبئا على العولمة، ونهاية موجة الهجرة المكسيكية للولايات المتحدة ربما جاءت نتيجة للانخفاض الحاد في معدل الخصوبة في المكسيك في سبعينات القرن الماضي.
إنخفاض أعداد المكسيكيين من الفئة العمرية الشابة كل عام، وترك الشركات العائلية دون مراقبة وقلة عمالة المصانع كل ذلك خلق ردة فعل – وخاصة لدى المهاجرين غير الشرعيين – للعودة للديار من الولايات المتحدة.
من جهة اخرى، فإن انخفاض معدلات الخصوبة في معظم أنحاء العالم أثر سلبا على التنمية. هناك إنخفاض ملحوظ للسكان في سن العمل في الصين ويقدر بالملايين وهذه الظاهرة في تزايد، كذلك الحال فى أوروبا وشرق آسيا انخفضت معدلات الخصوبة إلى مستويات قياسية، وبالرغم أن منطقة أفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى هي الأكثر فقرا في العالم إلا أنها تتميز بمعدلات خصوبة عالية.
هناك عامل آخر عجل بنهاية الطفرة. تقارب مستوى الأجور في جميع أنحاء العالم وارتفاعها الحاد خاصة في الصين. بعض التقديرات تشير إلى تكلفة التصنيع في الصين لم تعد أرخص من الولايات المتحدة إضافة الى الشكوك المستمرة حول الجودة، وسرقة الملكية الفكرية والخلافات الكبيرة فى إدارة سلاسل التوريد عبر الحدود، والحال بالنسبة للصناعات الخارجية تبدو أضعف مما كانت عليه منذ عقود.
دول أخرى مثل الهند تسارع الزمن إلى أخذ مكانة الصين، ولكن حتى الآن لم تظهر قدرة على حشد البنية التحتية والتعليم بمستويات معينة لتصبح الورشة الجديدة للعالم.
القضية الأخيرة تكمن في سياسات الحماية الاقتصادية بعد الكساد العظيم والتي أثبتت فعاليتها في مراحل متأخرة، الصين على سبيل المثال حاولت بعد الأزمة الاقتصادية التقليل من الاعتماد على الشركات الخارجية.
وفي الوقت ذاته، أشرفت إدارة باراك أوباما على أكبر عملية ترحيل لمهاجرين غير شرعيين في تاريخ الولايات المتحدة.
لذلك هناك الكثير من الأسباب التى أدت الى تراجع العولمة وحتى لو كانت الرياح السياسية تتجه نحو العودة إلى التجارة والهجرة، الا أن سياسات أعداد السكان والتنظيم المالي وتكلفة العمالة من غير المرجح أن تغير مسارها في العقود القليلة القادمة.