إن العِراك بين الإخوة داخل البيت وعدوانيتهم التي تظهر في فترات معينة من حياتهم، هو حلقة من حلقات مسلسل الغيرة بين الأشقاء الدائر في كل بيت ينعم بالأطفال الكبار والصغار قرة الأعين، فالكبير يشعر بأن أخاه الصغير جاء منافسًا على غير رغبته، في وقت يبدو أنه لم يكن مستعدا فيه لاستقباله ولم يتم تهيئته جيدًا للتعامل مع هذا المستعمر الجديد لعرشه كما يراه، فهذا القادم الدجديد جاء لينزله من على عرشه (قلب الأم) ويخلعه من مملكته (حضن الأم).
إن عراك الإخوة المستمر ما هو إلا معركة لاستعادة ذلك الملك والعرش المستلب، الذي يتصور الولد منذ مولده أنه له وحده، وتلك المعارك الجانبية ما هي إلا صورة من صور رفض هذا الواقع، وهو أيضا دليل على اشتعال نار الغيرة بين الأشقاء
لا للضرب
بداية، لا لمواجهة الأمر بالضرب أو التوبيخ أو النقد الشديد، بل لا بد من مواجهة الأمر بهدوء شديد، فيه تفهّم ومراعاة لاحتياجات الأولاد النفسية.
على الأم مثلا ملاحظة سلوك أطفالها داخل البيت وخارجه، وستلاحظ، أن معاركهم وخصوصًا عدوان أحدهم مثلا يكون على أشده في البيت، أما خارجه فلا، والسبب أن بيئة البيت تذكره بلحظات امتلاكه لوالدته ولوالده عندما كان ملكا متوجّا على عرشه، مملكة له وحده قبل مجيء أخيه أو ذاك المستعمر الذي يجب إجلاؤه.
أما خارج البيت فهو بعيد عن الشواهد الزمانية والمكانية التي يمكن أن تذكره بأيامه الخوالي في امتلاك الأبوين بلا منازع، إضافة إلى أنه في خارج البيت ينشغل هو وأخوه بأشياء كثيرة تشتّت اهتمامه ويخرطه في أحاسيس جميلة تغذيه تتمثل في اهتمام الآخرين به (الأعمام، الأخوال، الأصدقاء…).
الريف والغيرة بين الأشقاء !!
في مشهد الأطفال في بيئة ريفية مثل البيئة المصرية أو المغربية أو غيرها، فإن مشكلة الغيرة بين الأشقاء لا تكاد تواجههم أو تصليهم بنارها، فمنذ ميلاد الطفل ينخرط في جملة من اهتمامات مَن حوله، تلك الاهتمامات التي لا تفتر أو يخبو شعاعها أبدًا من اهتمامات (الأخوال، الأعمام…)، وهو ما كنا نراه في الماضي في الأسر الممتدة في عالمنا العربي، وأصبحنا نفتقده لظروف العمل والحياة العصرية، فيولد الطفل ليجد نفسه إمبراطورًا على عرش لن يدوم له، يمنحه بكل قوة، ويُنزع منه بقوة أكبر.
فكرة تشتيت الاهتمامات
ويمكن أن نستغل الفكرة نفسها (فكرة تشتيت) الاهتمامات وتوسيع دائرتها وهذه بعض النصائح يمكن أن تستفيد منها أم تعاني من غيرة ابنتها وشجارها مع أخوها أو أختها وهي كالتالي:
- حاولي اصطحابها معك خارج البيت كلما أمكن ذلك؛ حتى تبعديها عن الجو الذي يثير غيرتها كما أوضحت لك من قبل، مرة تخصينها بالاصطحاب، ومرة مع أخيها لتشارك شراء احتياجات البيت وزيارة الأهل .. مع تنظيم رحلات خلوية في المنتزهات، والأماكن التي تسمح لهم بالانطلاق كلما أمكن ذلك.
- إذا فاجأتها أحد نوبات الغضب والعدوان واجهي الأمر بهدوء شديد، فإذا كنا نحن الكبار قد أمرنا أن نواجه الغضب بتغيير وضعنا (فإذا كنا جالسين وقفنا، وإذا كنا واقفين جلسنا…)، كما علمنا المصطفى ﷺ أن نفعل بأنفسنا، فلماذا لا نساعد أبناءنا طالما أنهم لا يستطيعون ذلك بأنفسهم، فعندما تغضب حاولي شغلها عن الحدث الذي أثار غضبها، وألهيها بشيء آخر، مثلاً قولي لها تعالَي ساعدي ماما.. ماما ستُعدّ فطيرة جميلة من سيساعدها، من سيرسم معي، تعالَي لنغيّر للعروسة فستانها…إلخ.
- على الأب دور هام في معالجة هذا الأمر باعتباره يمثل (الضمير)، والواضع للضوابط ورمز الشريعة، فيحدثها بأسلوب هادئ عن نعمة الأخوة، وأننا أتينا به لأجلك؛ لأننا وجدناك وحيدة وليس هناك من يلعب معك، هل كنت تحبين أن تكوني بمفردك، فكّري، من سيلعب معك؟ من سيسابقك؟.. ومن ومن..؟ ويذكر لها كل الأنشطة والأشياء الجميلة التي يشاركها، فتحب أخاها بل وتحرص أن يشاركها إياها… وهكذا.
- نذكّرك أيضا بالدعاء والتسلح به، وألا يفتر لسانك عن قوله تعالى: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان: 74].
- ونهمس في أذنك: تحلي بالصبر والهدوء، واستعيني عليهما بالصلاة، فإن ما تشتكين منه على إزعاجه لهو أمر سهل وميسور، تختفي حدته مع الزمن بإذن الله، إذا تمت معالجته بتفهم ومراعاة لاحتياجات أبنائنا النفسية، واحتمال لتوابع هذا التفهم.