اختلف العلماء حول مسألة الفحص الطبي قبل الزواج، فأوجبه بعضهم، وكرهه آخرون، وتوسطت طائفة فاستحبته دون وجوب. فما مدى أهمية إجراء فحوص ما قبل الزواج؟ ماهي فوائد الفحص الطبي قبل الزواج؟ وماهي السلبيات المتوقعة منه؟ هل هناك فحوص واجبة على كل من الرجل والمرأة قبل زواجهما؟ متى يمكن إجراء هذا الفحص؟ هل قبل شهر أو شهرين أو قبل أيام من الزواج؟
مع تطور الهندسة الوراثية، وانتشار الإيدز، قامت دعوة قوية لإلزام الناس بالفحص الطبي قبل الزواج، وتقديم الاستشارة الوراثية اللازمة للزوجين، وأخذت بعض الدول العربيةوالإسلامية بهذه الإجراءات، ودعت إليها، بل إن البعض جعلها أمرًا لازمًا.
وتؤكد دراسة أعدها الدكتور عبد الرشيد قاسم من علماء المملكة العربية السعودية أن هناك أمراض وراثية تنتشر في بعض المجتمعات، وحامل الجين المعطوب لا يكون مريضًا بالضرورة، إنما يحمل المرض، وتعاني ذريته (أو بعض ذريته) إذا تزوج من امرأة تحمل الجين المعطوب ذاته، فهناك احتمال أن يصاب ربع الذرية بهذا المرض الوراثي حسب قانون مندل. وبما أن عدد حاملي هذه الصفة الوراثية المعينة كثيرون في المجتمع، فإن احتمال ظهور المرض كبير، خاصة عند حدوث زواج الأقارب؛ كابن العم وابنة العم، وابن الخال وابنة الخال.
كيف يستعد راغبي الزواج للفحص الطبي؟
الاستعداد للتقدم للفحص الطبي قبل الزواج هو استعداد نفسي بالدرجة الأولى، بمعنى أن يتفاعل كل من الزوجين بشكل إيجابي مع نتائج هذا الفحص أيا كانت نتيجته.
يجب التأكيد أن هذا الأمر يتطلب وعيا بالنتائج المترتبة التي قد تنتهي بالنصح بعدم إتمام هذا الزواج، فدائما يحجم الكثير عن هذا الفحص خوفا من تلك النتيجة، والتي تشكل نسبة محدودة (وهذا من خلال الواقع العملي). ولا بد من التأكيد على أن الفوائد من هذا الفحص أكبر بكثير من المحاذير.
فوائد الفحص الطبي قبل الزواج
- تكمن أهمية وفائدة الفحص قبل الزواج في الأمور التالية:
- اكتشاف الأمراض أو المشاكل الصحية التي يعاني منها أحد الطرفين وعلاجها.
- اكتشاف وجود أمراض وراثية في عائلة أحد الزوجين، ومن أهمها: أمراض الدم (الثلاسيما أشهرها)، والمشاكل العقلية حيث تنتقل بنسبة 40% إلى الأبناء مثل: الاكتئاب الشديد manic depressive illness، وهناك أمراض كثيرة، ولكن هذه أشهرها، ويمكن معرفتها من خلال شجرة العائلة.
- اكتشاف المشاكل الصحية التي قد تعوق الإنجاب فيما بعد (وجود مشكلة عضوية لدى أحد الزوجين).
- الاستفادة من المشورة الطبية والأسرية من المتخصصين، ومعرفة كيف سيتم التعامل مع نتائج الفحوص.
- أن المقدمين على الزواج يكونون على علم بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية إن وجدت، فتتسع الخيارات في عدم الإنجاب أو عدم إتمام الزواج.
- تقديم النصح للمقبلين على الزواج إذا ما تبين وجود ما يستدعي ذلك بعد استقصاء التاريخ المرضي والفحص السريري، واختلاف رمز الدم.
- أن مرض (التلاسيميا) هو المرض الذي ينتشر بشكل واسع وواضح في حوض البحر المتوسط، وهو المرض الذي توجد وسائل للوقاية من حدوثه قبل الزواج.
- المحافظة على سلامة الزوجين من الأمراض، فقد يكون أحدهما مصابًا بمرض يعد معديًا، فينقل العدوى إلى زوجه السليم.
- إن عقد الزواج عقد عظيم يبنى على أساس الدوام والاستمرار، فإذا تبين بعد الزواج أن أحد الزوجين مصاب بمرض، فإن هذا قد يكون سببًا في إنهاء الحياة الزوجية لعدم قبول الطرف الآخر به.
- بالفحص الطبي يتأكد كل واحد من الزوجين الخاطبين من مقدرة الطرف الآخر على الإنجاب، وعدم وجود العقم، ويتبين مدى مقدرة الزوج على المعاشرة الزوجية.
- بالفحص الطبي يتم الحد من انتشار الأمراض المعدية، والتقليل من ولادة أطفال مشوهين أو معاقين، والذين يسببون متاعب لأسرهم ومجتمعاتهم.
- هناك جزء تثقيفي أو تعلمي، وهي خدمة تقدم للمتقدمين لهذا الفحص وتشمل التعريف بالزواج المثالي والعلاقة الحميمة بين الزوجين، وكيف تكون ناجحة، وقد تمتد لتشمل العلاقة الاجتماعية بين عائلة الزوجين حتى يكون الزواج ناجحا.
السلبيات المتوقعة من الفحص الطبي قبل الزواج
- إيهام الناس أن إجراء الفحص سيقيهم من الأمراض الوراثية، وهذا غير صحيح لأن الفحص لا يبحث في الغالب سوى عن مرضين أو ثلاثة منتشرة في مجتمع معين.
- إيهام الناس أن زواج الأقارب هو السبب المباشر لهذه الأمراض المنتشرة في مجتمعاتنا، وهو غير صحيح إطلاقًا.
- قد يحدث تسريب لنتائج الفحص، ويتضرر أصحابها لا سيما المرأة، فقد يعزف عنها الخُطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم بغض النظر عن نوع المرض، وينشأ عن ذلك المشاكل.
- يجعل هذا الفحص حياة بعض الناس قلقة مكتئبة ويائسة إذا ما تم إعلام الشخص بأنه سيصاب هو أو ذريته بمرض عضال لا شفاء له من الناحية الطبية.
- التكلفة المادية التي يتعذر على البعض الالتزام بها، وفي حال إلزام الحكومات بجعل الفحوص شرطًا للزواج ستزداد المشاكل حدة، وإخراج شهادات صحية من المستشفيات الحكومية وغيرها أمر غاية في السهولة، فيصبح مجرد روتين يعطى مقابل مبلغ من المال.
ما حكم الفحص الطبي قبل الزواج؟
هل يمكن للدولة أن تلزم كل من يتقدم للزواج بإجراء الفحص الطبي وتجعله شرطًا لإتمام الزواج؟ أم هو اختياري فقط؟.
اختلف العلماء والباحثون المعاصرون في هذه المسألة، ويمكن تلخيص آرائهم على النحو التالي:
القول الأول: يجوز لولي الأمر إصدار قانون يُلزم فيه كل المتقدمين للزواج بإجراء الفحص الطبي، بحيث لا يتم الزواج إلا بعد إعطاء شهادة طبية تثبت أنه لائق طبيا، وممن قال به: محمد الزحيلي (من علماء سوريا)، وحمداتي شبيهنا ماء العينين (من علماء المغرب، عضو مجمع الفقه الإسلامي)، ومحمد عثمان شبير (أستاذ الفقه في كلية الشريعة- الجامعة الأردنية).
القول الثاني: لا يجوز إجبار أي شــخص لإجراء الاخـتـبار الوراثي، ويجوز تشـــجيع الناس ونشـــر الوعي بالوســــائل المختلــفة بأهمــية الاخــتـبار الوراثي، وممن قال به: العلامة عبـد العـزيــز بن باز، وعبد الكريم زيدان (أستاذ الشريعة الإسلامية بالجامعات العراقية واليمنية)، ومحمد رأفت عثمان (عميد كلية الشريعة بالأزهر الشريف).
الفحص ضرورة أم ترف؟
ما هي الفحوص الواجبة على كل من الرجل والمرأة قبل زواجهما؟ متى يكون الفحص قبل الزواج، قبل شهر أو شهرين أو قبل أيام من الزواج؟، وما هي الفحوصات اللازمة لذلك؟.
يبدو أن الفحوص اللازمة للرجل والمرأة قبل الزواج تتمثل في التالي على الترتيب:
أولا: التاريخ العائلي
لا بد من التعرف على درجة القرابة، ووجود الأمراض الوراثية في العائلتين (الضغط، والسكر، ووجود حالة من الأمراض العقلية أو النفسية…إلخ)، كما يتم عمل ما يعرف بشجرة العائلة التي يمكن من خلالها التأكد من وجود أي أمراض وراثية، وتبنى هذه الشجرة على مجموعة من الأسئلة المباشرة لكل من زوجي المستقبل عن أمراض معينة، وظهورها في أي جيل من الأجيال السابقة يكون له مدلول.
هناك أيضا التاريخ الشخصي لكل من الزوجين، فهناك أسئلة هامة لا بد من معرفتها منها: السن؛ لأن تقدم السن يؤثر على الخصوبة، ومكان العمل الحالي والسابق، لأن هناك مجموعة من المهن تعرض الأشخاص لبعض المشاكل الإنجابية، أو لو كان هناك زواج سابق والملابسات التي كانت حوله.
ومن ثم نأتي إلى التاريخ المرضي لكل من الزوجين، ويتضمن السؤال عن الإصابة بأمراض مزمنة، فهناك أمراض لها تأثير على الخصوبة مثل: النكاف، وبعض الأمراض الأخرى مثل: الإصابة بالدرن، أو الحمى الروماتيزمية، ويمكننا القول إن جميع الأمراض المزمنة لا بد من معرفتها ومعرفة تاريخها، بالإضافة إلى وجود أي عمليات جراحية سابقة، أو احتياج لنقل دم سابق.
وبالنسبة للزوجة فلا بد من معرفة تاريخ بداية الدورة الشهرية ومدى انتظامها.
ثانيًا: الفحص الطبي
وهو فحص سريري يقوم الطبيب أو الطبيبة بفحص طبي شامل لجميع أجهزة الجسم (القلب، والصدر، والبطن، والوزن، والطول، والضغط، والعظام…إلخ)؛ لاكتشاف أي مرض غير معروف وغير مشخص لأحد الزوجين، وهي فرصة جيدة للاكتشاف المبكر لكثير من الأمراض، وفرصة جيدة لعلاجها.
ثالثا: الفحوص المعملية
وأهم فحص معملي يكون للدم، ويهمنا هنا فصيلة الدم، ومعامل rh، ومعرفة وجود أنيميا من عدمه؛ لأن لها تأثيرا على الإنجاب.
وفحص الزوجين للتأكد من خلو الدم من الأمراض المعدية، مثل: الالتهاب الكبدي سي وبي، والإيدز، أعاذنا الله وإياكم منها. وهناك فحص معملي آخر، وهو فحص البول؛ لأن أمراض الجهاز البولي والكلى تتأثر سلبًا بالحمل، والعكس.
وأخيرا فحص خاص بالزوج، وهو تحليل السائل المنوي، وهناك فحوص خاصة بالجينات، وهي حالات معدودة جدا.
وعن المشاكل المحتملة من عدم القيام بهذا الفحص يمكن القول هناك جزء بسيط منها، وهو انتقال الأمراض الوراثية مثلا.
ويستحسن أن يكون الفحص قبل الزواج بفترة تسبقه بـ3 أشهر على الأقل، وكلما كانت الفترة أكبر كان هذا أفضل في تدارك علاج بعض الأمراض البسيطة التي تحتاج لوقت في علاجها؛ مثل: الأنيميا، أو مشاكل الجهاز البولي؛ كوجود التهابات وخلافه. بالإضافة إلى أن هناك بعض الفحوصات التي تستكمل وتحتاج بعض الوقت.